خاص - مصيرٌ أسود تحت ستار الحفلات والمطاعم الممتلئة.. منصور تحذّر اللبنانيين: هذا ما ينتظركم! - هند سعادة

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 28, 2024

خاص - الكلمة أونلاين

هند سعادة

في وقت الأزمات تتعدّد الإستراتيجيات التى يستخدمها المسؤولون في بلادهم للحد من التدهور والخسائر، ولتلافي المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم يعمد بعضهم الى استخدام أساليب باتت تعرف بالتقليدية وعلى رأسها سياسة الإنكار بالإضافة الى التقليل من أهمية الأزمة وغيرها من الأساليب.

في لبنان يبدو أن هذه الأساليب باتت السلاح الأخير المتبقي بيد الممسكين بمفاصل القرار للتملّص من المواجهة، والبنك الدولي كان أول من رصدهم حيث تمكّن من اختصار الأزمة في لبنان بـ "إنكار كبير في ظل حالة كساد متعمّد"، في تقرير كان قد أصدره منذ الـ 2021.

لطالما ركب المسؤولون قطار الإنكار مقدمين خطابا سياسيا منفصلا عن واقع البلد الاقتصادي ووجع أبنائه، وآخر الخطابات المشابهة صدر في مطار بيروت منذ أيام على لسان بعض الوزراء الذين راحوا يجاهرون بأن الموسم السياحي لم يتأثر بالتهديدات الإسرائيلية، رافعين سقف توقعاتهم بايرادات كبيرة تدخل البلد وتحرّك الاقتصاد فيه رغم كل الظروف الأمنية والسياسية، مكتفيين ومطمئنين الى تفوّقهم على عدوتهم إسرائيل. فكيف يقرأ أهل الإقتصاد هذا المشهد بعيدا عن الخطابات السياسية؟

نعم، اقتصاد لبنان لن يتأثر في حال وقوع الحرب ولكن ليس لأنه عصي على الإنهيار بل لأنه لم يعد يملك ما يخسره أكثر، بحسب ما أفادت الخبيرة الإقتصادية، الدكتور ليال منصور في حديث خاص لموقع "الكلمة أونلاين "، والتي أشارت الى أن "الإنهيار بدأ منذ ما قبل الحرب ولبنان مصنّف من أكثر الدول التي خسرت من ناتجها القومي والتي تمرّ بأشد الأزمات الاقتصادية".

حركة الوافدين والموسم السياحي

وفيما يسرف البعض بالتغنّي بأن هذه الأوضاع الأمنية لم تؤثر على وضع لبنان الاقتصادي، مستندين الى حركة الوافدين الى لبنان خصوصا في الموسم السياحي حالي، أوضحت منصور أن "غالبية الوافدين الى لبنان مؤخرا هم من المغتربين وليسوا سياحًا"، وقالت: "هناك فرق كبير بين المغترب والسائح، فالاخير لا يأتي الى بلد لا يتمتع باستقرار أمني وبمقومات سياحية واقتصادية وبنى تحية تشجّعه على المجيء. أما المغترب فقدومه الى البلد ليس مشروطا بأي عامل مهما كان لأن مجيئه مرتبط برؤية عائلته أو ذويه ومهما كانت المشاكل الإقتصادية التي تسيطر على البلد فهي لن تمنعه من القدوم، علما أن الأرقام الأخيرة لحركة السفر في فترة عيد الأضحى سجّلت تراجعا في الحجوزات التي تم تأجيل بعضها أو إلغاء بعضها الآخر وبالتالي لا يمكن إنكار أن هناك تأثير".

جمود القطاع المصرفي والنمو الإقتصادي

من جهة أخرى، شرحت منصور أن "في ظل الجمود الذي يسيطر على القطاع المصرفي وحالة عدم الثقة الكبيرة التي تدفع باللبنانيين وغيرهم الى عدم وضع أموالهم ومدّخراتهم في المصارف، لا يمكن التعويل على أي نمو اقتصادي للبلد مهما تعدّدت المصادر التي تدخل منها الاموال إن كانت عبر الحفلات والنشاطات السياحة وحركة المغتربين، وغيرها"، لافتة الى أن "دور المصارف أساسي في الدورة الإقتصادية فهو المسؤول عن إعطاء القروض التي من شأنها أن تفعّل عملية الاستهلاك التي بدورها تجذب الاستثمارات وتحرّك العجلة الاقتصادية في البلد".

وبالتالي "قيمة الأموال التي تدخل لبنان لا ترتفع بل تبقى ثابتة ولا تساهم بالنمو الاقتصادي، في حين لو كان القطاع المصرفي فعالا لكانت هذه الأموال تضاعفت وازدادت داخل البلد"، وفقا لمنصور.

دور القطاع الخاص وصمود اللبنانيين

على صعيد آخر، توقفت منصور عند "الدور الكبير الذي يلعبه القطاع الخاص والذي يشكّل جزءا كبيرا من الاقتصاد اللبناني"، شارحة أن "تعامل القطاع الخاص بالعملة الاجنبية ساهم بشكل كبير في صموده أمام الأزمات المتتالية، ولو حصلت هذه الأزمات في بلد آخر مثل سوريا أو مصر حيث القطاع العام هو الأكبر والمهيمن، لما تمكّن القطاع الخاص الصغير في هذه الدول أن يصمد أمام هذه الأزمات لأن معطم السكان يعملون في القطاع العام ورواتبهم تكون بالعملة المحلية المنهارة وهذا الواقع لا ينطبق على لبنان حيث يعمل قسم كبير من اللبنانيين في القطاع الخاص ويتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية ما يساهم بصمودهم إقتصاديا رغم الأزمات التي يمرّ بها البلد وهذا الأمر يشكل عاملا أساسيا في صمود لبنان اقتصاديا بشكل عام".

وفي ترجمة اقتصادية أكثر دقّة لهذا المشهد، وصف البنك الدولي ما يحصل في لبنان أنه عملية تعايش مع الأزمة أو ما يعرف بـ “normalizing of the crisis”، وهنا يظهر دور القطاع الخاص الذي تمكّن من التعايش مع الازمات وتعديل رواتب الموظفين بما يتناسب مع حاجتهم، بحسب ما ذكرت منصور.

وضع مؤقت ولن يستمر

ولكن هذا الوضع "مؤقت ولن يستمر، لأن سياسة تثبيت العملة لا يمكن أن تستمر خصوصا أنها طُبّقت من دون وضع الإصلاحات المطلوبة وبالتالي هذه السياسة غير مبنية على خطة واضحة بل يمكن وصفها بمحاولة للترقيع لا أكثر"، وفقا لمنصور.

وأضافت: "حتى لو لم تندلع الحرب في لبنان سياسة تثبيت العملة كما هي حاصلة اليوم لن تصمد".

وفي السياق، رأت الخبيرة الإقتصادية أن "المخاوف من تأزّم الوضع الإقتصادي في محلّها"، مذكّرة بأن "عددا من الشركات والمستثمرين منهم من اتخذ قرار المغادرة من لبنان ومنهم من تراجع عن قرار الاستثمار في لبنان، وآخرهم كان رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الذي أعلن إلغاء خطط لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة في لبنان".

الخطاب السياسي والأزمة

ووضعت منصور، "كلام بعض المسؤولين في لبنان عن عدم تأثر قطاع السياحة بالتهديدات المتواصلة في إطار الخطاب السياسي المخصّص للأزمات والذي يهدف الى تخفيف وطأة الأزمة على الشعب والعمل على تطمينه، علما أن الواقع مغاير".

مرونة الشعب اللبناني

الى ذلك، ألقت منصور الضوء على عامل إضافي يلعب دورا كبيرا في المشهد الاقتصادي وهو مرونة الشعب اللبناني وقدرته على التعامل مع أي طارئ مهما كان خطيرا، شارحة أن هذه الميزة الإجتماعية لدى اللبنانيين من شأنها أن تؤمن لهم نوعا من الحصانة في وجه الأزمات التي يمرّون بها، كما تساهم في تسريع نهاية الأزمة وذلك خلفا لأي بلدان أخرى والتي يمكن أن تحتاج لوقت أكبر حتى تتخطى أي أزمة".

يضاف الى ذلك، "الفصل الكبير بين ما يجري في الجنوب والمناطق الأخرى التي لا يشعر معظم سكانها بمفاعيل المواجهات القائمة في الجنوب وينجحون في الاستمرار بحياتهم من دون التأثر بما يحصل هناك"، وهذا الإنقسام بدوره ينعكس أيضا على المشهد الاقتصادي في البلد، بالإضافة الى هيمنة القطاع الخاص وعدم توزّع الخدمات في كل المناطق بطريقة متساوية وعادلة"، قالت منصور.

وإذ أكدت منصور أن "عددا من اللبنانيين لا يتأثرون اقتصاديا بما يجري في الجنوب نظرا لعوامل عدة، شدّدت على أن اندلاع المواجهات التي تجري هناك تؤثّر بالدرجة الأولى على الأجانب لا على أهل البلد لأن الأجانب يقيّمون المؤشرات على مستوى البلد بشكل عام لمعرفة ما إذا كان البلد آمنا ومستقرّا لاتخاذ قرار السفر إليه من عدمه وما يحصل في الجنوب بالنسبة الأجانب يعني أن لبنان في حالة حرب وبالتالي لا يخططون للقدوم إليه".

وعن توقعاتها لمستقبل لبنان الإقتصادي، أوضحت أن "قراءتها لما يمكن ان يحصل في لبنان على المستوى الاقتصادي تبنى وفقا للسيناريوهات المحتملة في حال ذهبت الأمور نحو التهدئة ووضع الخطط اللازمة للنهوض اقتصاديا أو في حال ذهبت نحو التصعيد والاصرار على عدم وضع الاصلاحات المطلولة".

ليست الأساليب المعتمدة في الخطاب السياسي، للتعامل مع الازمات الإقتصادية المتلاحقة في لبنان، وليدة "الصدفة" التي لا مكان لها في عالم السياسة، بل هي متعمّدة والمعالجة الصحيحة تتطلب أساليب من نوع آخر وكلما خرج المسؤولون من أسلوب الإنكار بشكل أسرع، كلما وفروا على اللبنانيين نظريّات لا تسمن ولا تغني من جوع.