خاص- أوكرانيا: ساحة الصراعين البارد والساخن- جورج أبو صعب

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 26, 2023

خاص- الكلمة أون لاين

كان لافتا لدى المراقبين تطابق اجندة زيارة الرئيس الصيني لموسكو مع اجندة الإعلان عن مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا حيث ان دول الاتحاد الأوروبي وافقت الإثنين الفائت على خطة بقيمة ملياري يورو لتوفير مليون قذيفة مدفعية لأوكرانيا على مدى العام المقبل، في حين وافقة واشنطن من جهتها على مساعدة عسكرية إضافية لكييف بقيمة 350 مليون دولار.

في المعلومات ان وزراء الخارجية والدفاع في دول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل توصلوا الى توافق سياسي لإرسال مليون طلقة ذخيرة عيار 155 مليمترا إلى أوكرانيا .

هذه الخطة الأوروبية الجديدة لدعم كييف استندت الى تلك التي سبق و وافق عليها الوزراء بناء على اقتراح من مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وقضى بإنفاق مليار يورو على قذائف من المخزونات وإنفاق مليار يورو أخرى على الشراء المشترك.
والمعلوم ان المشتريات المشتركة تتعلق بشركات من الاتحاد الأوروبي والنرويج التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة بالتكتل.
هذا وقد حاولت بعض حكومات الاتحاد الأوروبي أن تكون المبادرة مفتوحة أمام سوق أوسع لان هذا قد يساعد في نقل الذخائر بسرعة أكبر إلى أوكرانيا، لكن حكومات أخرى عارضت معتبرة إن أموال الاتحاد الأوروبي يجب أن تذهب إلى شركات الاتحاد الأوروبي وأصروا على أن لديهم القدرة على تلبية الطلب.

هذا وقد وقعت مجموعة من 17 عضوا في التكتل بالإضافة إلى النرويج وثيقة تحدد شروط مسعى مشترك لشراء ذخيرة عيار 155 ملم على وجه السرعة ووضع برنامج طويل الأجل لشراء ذخيرة أخرى لكييف , فيما ستتولى وكالة الدفاع الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي قيادة جهود الشراء المشتركة الجديدة التي وصفت هذه العملية بانها أفضل خيار لخفض الكلفة في اقتصاديات الحجم الكبير .

بالتزامن أعلنت واشنطن الموافقة على مساعدة عسكرية إضافية لأوكرانيا حيث اعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الإثنين بأن الولايات المتحدة وافقت على حزمة أخرى من المساعدة العسكرية لأوكرانيا بقيمة 350 مليون دولار.

وذكر بلينكن ان حزمة المساعدة العسكرية هذه تتضمن المزيد من الذخيرة لراجمات صواريخ هيمارس ومدافع الهاوتزر المقدمة من الولايات المتحدة والتي تستخدمها أوكرانيا للدفاع عن نفسها، بالإضافة إلى ذخيرة لمركبات برادلي القتالية للمشاة وصواريخ هارم وأسلحة مضادة للدبابات وقوارب نهرية وغيرها من المعدات .

وقد بلغت قيمة الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لاوكرانيا منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير 2022 30 مليار دولار وقد تم الإعلان عن أحدث مساعدة أميركية بعد أيام من إجراء وزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي لاتصال هاتفي مع نظرائهم الأوكرانيين تحدثوا خلاله عن "دعمهم الثابت" لأوكرانيا.

كل هذا الاستنفار الغربي التسليحي لكييف يؤكد الاستعدادات الميدانية لشن هجوم مضاد ومحاولة استعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس الى الان .

واللافت ان الإعلان عن أحدث حزمة مساعدة من واشنطن لاوكرانيا جاء في نفس الوقت الذي كان فيه يعقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو , وبعدما كانت محكمة العدل الجنائية الدولية قد استبقت الزيارة الى موسكو بإصدار امر اعتقال بحق الرئيس بوتين.

في الواقع هذا التزامن بين الزيارة والاعلان عن صفقة تسليح جديدة لاوكرانيا يطرح عدة سيناريوهات اهمهم الاتي :

الأول هو ان تكون رسالة أميركية غربية للزعيم الصيني بان أي طرح صلحي او تفاوضي بين أوكرانيا وروسيا يجب ان يشمل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اذ لا مكان لتفرد الصين في هذا الملف كما تفردت في ملف الاتفاق السعودي الإيراني .

الثاني ومضمونه ان الرئيس الروسي بوتين ملاحق دوليا بموجب القانون الدولي لجرائم حرب وبحقه مذكرة اعتقال وبالتالي فان محادثات الرئيس الصيني تش جين بينغ مع مطلوب من العدالة الدولية لا تأثير لها على مجريات المعادلة العسكرية .

الثالث ومضمونه إيصال رسالة للطرفين في موسكو حول إصرار الغرب وأوكرانيا على استعادة أجزاء عدة من شرق أوكرانيا من يد المحتل الروسي وبالتالي اثبات إصرار الغرب على المضي قدما في دعم الاوكرانيين لاستعادة أراضيهم وفق هجوم مضاد .

طبعا هذه السيناريوهات كلها ضاغطة على زيارة الرئيس الصيني وهي أيضا ضاغطة جدا على ملف العلاقات الثنائية اذ ان بكين تسير بين الألغام في علاقتها مع موسكو في هذه المرحلة خاصة وان انفتاحها على منطقة الشرق الأوسط يتطلب منها تركيز الجهود السلمية على انهاء الصراعات والنزاعات الإقليمية لا لكي تقوم هي بالتورط في مواجهة دولية كبرى والدليل بيان الخارجية الصينية يوم الثلاثاء والتصريح بان الصين ليست من خلق ازمة أوكرانيا وليست طرفا فيها ولم تقدم أسلحة لاي طرف في النزاع .

اذا نحن امام مرحلة جديدة من الصراع الدولي على ارض أوكرانيا يزداد خطورة وحماوة مع اقتراب فصل الربيع وتنذر بتطورات عسكرية كبرى , وباحتدام التحدي بين روسيا ودول حلف الناتو وأخر تجليات هذا الاحتدام التحذير الروسي لبريطانيا من تسليم كييف صواريخ تحتوي على الأورانيوم المنضب وكلام وزير خارجية روسية سيرغي لافروف عن مدى خطورة استخدام مثل هذا السلاح واعتبار موسكو تسليمه لكييف بمثابة اعلان حرب .

في أوكرانيا صراعين دوليين يتسابقان : صراع تحت الطاولة مع الصين وصراع فوق الطاولة مع روسيا فهل يلتقيان وتندلع شرارة حرب عالمية مدمرة ام انها تبقى متقاطعة أحيانا ومتباعدة أحيانا أخرى فتسهم في تبديل الحسابات وإعادة خلط أوراق المشهد الجيو سياسي في أوروبا والشرق الأوسط واسيا ؟

جورج ابو صعب- المستشار القانوني للسفارة الفرنسية في قطر / المستشار القانوني لمفوضية الاتحاد الأوروبي في قطر