سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”- بقلم جوزفين ديب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, December 17, 2024

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد الذي ورث عن جدّه الرئيس علاقات آل فرنجية العربية، وتحديداً علاقته بآل الأسد، كاد أن يصل إلى قصر بعبدا في محطّتين: عام 2004 يوم مدّد “صديقه”، نظام بشّار الأسد، للرئيس إميل لحّود، ويوم تمنّى عليه “صديقه” أيضاً، الأمين العامّ الراحل لـ”الحزب”، التنحّي لمصلحة ميشال عون عام 2016. وفي المرّتين تنحّى الرجل وتقبّل خيارات “خطّه” السياسي برحابة صدر وأخلاق عالية.





اليوم اختلفت الظروف حول “الخطّ السياسي” في المنطقة. لهذا يدرك سليمان فرنجية أنّ حظوظه الرئاسية قد أصبحت معدومة. لكنّه هذه المرّة لن يقبل بالتنحّي إلّا للرئيس الذي يرى فيه “رئيساً قويّاً قادراً على قيادة لبنان إلى مستقبل أكثر ازدهاراً”. وعلى هذا الأساس، لا يعيد فرنجية تموضعه مع المحافظة على الثوابت فقط، بل أيضاً يقف ثابتاً بين حلفائه على رأيه. وهذا ما سيدفعه إلى التمايز في المقبل من الأيام، التمايز في الموقف السياسي الوطني والمسيحي على حدّ سواء.

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف
كيف تبدو بنشعي هذه الأيّام؟

بحلّة العيد الجميلة والمليئة بأضواء تستقطب اللبنانيين في فترة الميلاد إلى المنطقة، تستقبل بنشعي “لبنان الجديد”. ثوابت العروبة والمقاومة لا غبار عليها ولا مناقشة فيها في دارة فرنجية. لكن اليوم يبدو أنّ الولادة الجديدة ستكون في مقاربة سياسية داخلية جديدة. وذلك ببُعدٍ وطنيّ ومسيحي يدخل به فرنجية العمل السياسي في العام الجديد من بوّابة مختلفة.

يقول مقرّبون منه إنّه سيتحدّث قريباً في عشاء “خليّة الأزمة”، التي ساهمت في استضافة النازحين الجنوبيين في الحرب. وفي هذا العشاء، يتوقّع المقرّبون منه أن يعلن مجموعة مواقف تجاه “كلّ شيء”.

سوريا والحرب والرئاسة هي عناوين أولى في أجندة فرنجية سيقاربها “واقعيّاً” في الساعات المقبلة، واضعاً البوصلة الداخلية أولويّة مطلقة بعدما أصبح البلد تحت الركام.

ثوابت العروبة والمقاومة لا غبار عليها ولا مناقشة فيها في دارة فرنجية
زوّار بنشعي: فرنجيّة مع جعجع “لرئيس قويّ“

فرنجيّة مستعدٌّ هذه المرّة للذهاب بعيداً جدّاً في الخيار الرئاسي. يقول زوّار بنشعي إنّ رئيس تيار المردة رجل واقعي يدرك أنّ التحوّلات ليست لمصلحته، وهو غير متمسّك بترشّحه للرئاسة من أجل العرقلة، بل مستعدّ للذهاب إلى خيارات يعبّر عنها صراحة.

أوّلاً سبق له أن عبّر من عين التينة في زيارته الأخيرة للرئيس برّي عن استعداده للتنحّي لدعم قائد الجيش جوزف عون. ولا يزال على موقفه ومتمسّكاً بخيار عون للرئاسة ما دام يحظى بالدعم الدولي لينهض بالبلد.

ينقل زوّار بنشعي عنه أيضاً أنّه “يعرف أنّ عون لا تربطه علاقة بالقوى السياسية، ولا منّة لأحد عليه، وهذا يحرّره في مسيرة الإصلاح”. ويقولون إنّ فرنجية مستعدّ أيضاً لدعم النائب فريد هيكل الخازن:

أوّلاً لأنّه في كتلته.
وثانياً لما له من حيثيّة مسيحية كسروانية.
لكنّ الشرط أن يكون ترشيحه مدعوماً من القوى الدولية ليكون عهده ناجحاً.

فرنجيّة مستعدٌّ هذه المرّة للذهاب بعيداً جدّاً في الخيار الرئاسي. يقول زوّار بنشعي إنّ رئيس تيار المردة رجل واقعي يدرك أنّ التحوّلات ليست لمصلحته
معراب تلقّفت الإشارات… ومستعدّة

عليه، حرص فرنجية على أن تصل إشاراته من بنشعي إلى معراب. فقد قال لزوّاره كما نقلوا عنه إنّه “مستعدّ للتقاطع مع سمير جعجع للوصول إلى رئيس قويّ”. وهو متفهّم جدّاً لكلّ خطاب جعجع الرئاسي، معبّراً عن استعداده للذهاب بعيداً جدّاً في الخيارات الرئاسية في حال وصلت بعض القوى الأخرى بخياراتها إلى الاتّفاق على أسماء لا تحظى بالحيثية المطلوبة في هذا الظرف الاستثنائي.

وصلت هذه الإشارة إلى معراب، كما تقول مصادر قوّاتية لـ”أساس”، وتلقّفتها جيّداً، وقرأتها بإيجابية مطلقة قائلة إنّها تعرف أنّ فرنجيّة “كلمته كلمة”. والخلاف معه لم يكن على شخصه بل على “خطّه السياسي”. وبالتالي تبدو مصادر معراب مساعدة أيضاً للتقاطع والتفاهم مع بنشعي. بل ترحّب بأيّ تقاطع مسيحي على أن يصبح لهذا “المكوّن قرار ورأي ملزم”.

للرجلين تجربة سابقة فاشلة جدّاً في التنحّي وفتح الطريق أمام الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا. وهما اليوم يتقاطعان على صدّ محاولات رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أن يتّفق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي لانتخاب رئيس بـ65 صوتاً. وهما مدركان أيضاً أنّ خروج أسماء عدّة من عين التينة مرشّحة للرئاسة ليس سوى مضيعة للوقت ومحاولة للتوصّل إلى ثمن جلسة التاسع من كانون الثاني.

حرص فرنجية على أن تصل إشاراته من بنشعي إلى معراب. فقد قال لزوّاره كما نقلوا عنه إنّه “مستعدّ للتقاطع مع سمير جعجع للوصول إلى رئيس قويّ”
بنشعي وعين التّينة: سوء تفاهم.. وأكثر

تعود مصادر مقرّبة من بنشعي إلى تاريخ زيارة فرنجية الأخيرة لعين التينة. يومها أصبح معلوماً أنّ اللقاء مع برّي لم يكن جيّداً، وأنّ النائب علي حسن خليل خرج مع فرنجيّة محاولاً تهدئته كي لا يتحدّث إلى الإعلام. لكن يومها أصرّ فرنجية على التصريح وقال: “إذا مش أنا… قائد الجيش”.

لم يكن كلام فرنجيّة محبّباً إلى الرئيس برّي، فهما اختلفا على المقاربة الرئاسية في اللقاء، خصوصاً أنّ فرنجية لا يزال يحمل شكوكه في الطريقة التي رشّحه بها رئيس المجلس.

لا يقبل فرنجية أن ينسحب اليوم لمن تقرّره عين التينة. فعلى الرغم من أنّ رئيس المردة حريص جدّاً على عدم تسريب الخلاف إلى الإعلام، إلا أنّ مصدراً قريباً منه يصف اللقاء الأخير الذي جمعه بالنائب علي حسن خليل والسيّد أحمد بعلبكي بـ”السيّئ”. وعلى الرغم من العلاقة الممتازة بين الفريقين، وعلاقة الودّ والصدق الكبيرة التي تجمع فريق فرنجية (طوني فرنجية ويوسف فنيانويس) بالرجلين، إلا أنّ اللقاء شهد على خلاف في المقاربة الرئاسية.

تقول المصادر المطّلعة على اللقاء إنّ فرنجية تمسّك بخياراته. فيما كانت لعين التينة مقاربة مختلفة وأسماء مختلفة.

تقول المصادر المطّلعة على اللقاء إنّ فرنجية تمسّك بخياراته. فيما كانت لعين التينة مقاربة مختلفة وأسماء مختلفة
إعادة تموضع فرنجيّة.. مسيحيّاً

في جوهر الخلاف، فرنجية لا يريد أن يراوغ ولا يريد أن “يبيع ويشتري”. بل هو واضح ومستعدّ لإعلان خياراته، ومستعدّ للعمل على إعادة تموضعه السياسي الداخلي وعدم إهمال البعد المسيحي من مقارباته الجديدة.

اختلاف في المصالح بين الفريقين لن يفسد في الودّ قضيّة، لكن يبدو واضحاً، بحسب المصادر المطّلعة، وسيبدو أوضح في المرحلة المقبلة مع تحرّر فرنجية شيئاً فشيئاً من رواسب المرحلة الماضية.

أمّا “الحزب” فيرفض التدخّل مع فرنجية لإقناعه بشيء، كما تقول مصادره. يكفي ما حصل في التجربتين السابقتين، واليوم لن يكون سليمان فرنجية إلّا “صانع رئيس” وشريكاً أساسيّاً في رئاسة مسيحية وطنية تقود لبنان إلى اليوم التالي.