سوريا: تركيا تتقدّم.. إيران تتراجع.. والعرب يتمهّلون- بقلم رضوان السيد

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, December 17, 2024

شكَّل سقوط النظام السوري تتويجاً للمتغيّرات بالمنطقة، وعنى تراجعاً للمحور الإيراني، وتعاظماً للنفوذ الإسرائيلي والتركي. والفرق أنّ تركيا تملك قوّة عسكرية وقوّة ناعمة، بينما لا يملك الإسرائيليون إلاّ القوّة الخشنة. سورية روسيّة منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وهي تنقلب الآن إلى الجانب الأميركي مثلما حصل في العراق. هل يقوم في سورية نظام إسلاموي؟ وهل تتقدّم تركيا على حساب إيران؟

عندما وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد يوم الخميس في 12 كانون الأوّل 2024، عبّر لمحمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، عن فرحته بـ”الأمن والاستقرار” بالعراق، بدليل أنّه أتى من المطار لأوّل مرّة من دون درع، ولا غطاء للسيّارة، وشاهد “الحيوية” والحياة المزدهرة بشوارع بغداد.

اعتبر الصحافيون العراقيون ملاحظة بلينكن ساخرة ومزعجة. فطوال شهور كان الأميركيون يضغطون على ميليشيات الحشد الشعبي من خلال السوداني كي لا يتدخّلوا في حرب إسناد حسن نصرالله، وينذرونه بضربات إسرائيلية مدمِّرة إن لم تكفّ الميليشيات العراقية عن التحرّش بإسرائيل.

أمّا أنا فتذكّرت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الأخيرة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، وكيف خرج من عنده ليقضي نصف ساعة في مقهى ستارباكس فردان المقابل لمنزل رئيس مجلس النواب، هازئاً بمحاذير “الحزب” ومطمئنّاً إلى الحاجة الملحّة إلى أميركا حتى من جانب “الحزب” نفسه.

شكَّل سقوط النظام السوري تتويجاً للمتغيّرات بالمنطقة، وعنى تراجعاً للمحور الإيراني، وتعاظماً للنفوذ الإسرائيلي والتركي
تغيير في المنطقة كلّها

لقد غيَّرت حربا غزة ولبنان المشهد بالمنطقة، وانعكس ذلك ضعفاً في جناحَي المقاومة حماس و”الحزب”، وتأثّر إيران القويّ بمجريات حرب العام ونيف، بخاصّة أنّها هوجمت مباشرةً للمرّة الأولى منذ الحرب العراقية.

بيد أنّ الضربة القاضية على المحور الذي أعلنت إيران قيامه منذ عام 2008 من طهران حدثت بهروب الإيرانيين وميليشيات العراق و”الحزب” من سورية يوم الأحد في 8 كانون الأوّل الجاري، عندما اتّضح لهم أو لأطراف المحور أنّ بشار الأسد نفسه غادر دمشق إلى مكانٍ مجهولٍ. تبيّن بعد يومين أنّه روسيا حيث حلَّ “لاجئاً سياسياً لأسبابٍ إنسانية”.

الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم قال أخيراً إنّ طريق الإمداد انقطع من طريق سورية. وزعم أنّ ذلك أمر “تفصيليّ”. وهو ليس كذلك على الإطلاق لا بالنسبة له، ولا بالنسبة لإيران. رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد قاليباف قال: “الواقعة أحدثت اختلالاً استراتيجيّاً”. أمّا قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي فقال إنّه “درسٌ مُرٌّ ينبغي التعلّم منه”.

غيَّرت حربا غزة ولبنان المشهد بالمنطقة، وانعكس ذلك ضعفاً في جناحَي المقاومة حماس و”الحزب”، وتأثّر إيران القويّ بمجريات حرب العام ونيف
خروج إيران من الصّراع على المنطقة؟

حتّى غارة 7 أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) كانت هناك ثلاث جهات إقليمية متصارعة: تركيا وإيران وإسرائيل. وهي تتنافس على النفوذ بالمنطقة وإرضاء الولايات المتحدة. وإيران من مواقع الخصومة، وإسرائيل من موقع تقديم الخدمات، وتركيا من موقع التجاذب والتأرجح على الرغم من أنّها عضو في الحلف الأطلسي. الوضع اليوم أنّ كلّاً من إسرائيل وتركيا كسبتا نقاطاً وتقدّمتا إلى مواقع ومجالات جديدة. أمّا إيران فخسرت موقعين في لبنان وسورية، وتصدّعت حماس في غزّة، وانتشر الذعر في جبهتها مع العراق، بل وشاع الخوف في العراق نفسه.

لماذا خاف العراقيون وأرسلوا جيشهم للحدود مع سورية؟

قالوا إنّهم يخافون من الإرهاب، وهو الأمر نفسه الذي قاله الإسرائيليون بحجّة أنّ “هيئة تحرير الشام” تنظيم متطرّف. وهذا يعني أنّ النظام العراقي هشّ لأنّه يقوم على تحالف التنظيمات الشيعية الموالية لإيران، والتي انسحب بعضها على عجلٍ من سورية. رأساً قال لهم الأميركيون: لا بدّ من مصالحاتٍ مع الداخل السنّي والكردي، وانفصال الميليشيات المسلّحة عن الحكومة.

الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم قال أخيراً إنّ طريق الإمداد انقطع من طريق سورية. وزعم أنّ ذلك أمر “تفصيليّ”. وهو ليس كذلك على الإطلاق
الدليل على الإدراك للواقع الجديد هو خضوع الإيرانيين المستجدّ لمفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة وميلهم المستجدّ للتفاوض. ويبدو أنّ “الحزب” المسلّح بلبنان يسير على النهج نفسه وإن بتدرّج أيضاً. فنعيم قاسم اعترف بضرورة الانسحاب من جنوب الليطاني، وبفقد خطّ الإمداد عبر سورية، وبالحاجة إلى التعاون في انتخاب رئيس للجمهورية، وبالعمل السياسي تحت سقف اتّفاق الطائف، وبالتزام “التمثيل الشعبي”. وسيتراجع أكثر كلّما تراجعت آثار الصدمة، وهو لا يستطيع العودة إلى المواقع السابقة حتى السياسي منها بعد فقد سورية وفقد الدعم الإيراني غير المادّي. ويضاف إلى ذلك استمرار إسرائيل في ملاحقته، بل وملاحقة النظام السوري الجديد.

الجولاني يريد تغيير 2254

مرّ مؤتمر عمّان بالعقبة الأردنية بمرحلتين: مرحلة أو ساعات الاجتماع العربي – العربي، ثمّ مرحلة الاجتماع العربي – الدولي الذي حضره الأميركيون والفرنسيون وممثّل الاتّحاد الأوروبي، ومندوب الأمم المتحدة بسورية.

وفي ما عدا القول بضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلّ، تركّز بقيّة البيان على دعم سورية الجديدة على أن تكون العملية السياسية شاملة، وتخضع لشروط وآليّات القرار الدولي رقم 2254، ولا تفرقة ضدّ الأقلّيات، والبعد عن التطرّف والإرهاب، ودعم عمليّات الإغاثة. وقد بدا الأميركيون والأوروبيون متفائلين بحذر. بينما يخشى الأردنيون من الفوضى والنزاع الداخلي. في حين كان أحمد الشرع (الجولاني) يقول للمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن إنّه حان الوقت لإعادة النظر بالقرار 2254.

سقط المحور الإيراني في الحاضر على الأقلّ. وازداد النفوذ التركي، وقد يساعد ذلك في حلّ المشكل مع حزب العمّال الكردستاني في سورية وفي عودة اللاجئين
أمّا التطوّرات الداخلية فما يزال “الغموض البنّاء” يسودها. فالجولاني يريد حكومة تكنوقراط، ويتعامل مع أفراد الكفاءات وليس مع مجموعات، ويريد خبراء لكتابة الدستور. وقد يُجري تفاوضاً مع الأكراد الذين يعترف الجولاني باختلافهم فيما يبدو. أمّا بقيّة الشعب السوري فلا تمايز بينهم عنده. والحديث عن تسامح وليس عن حقوق سياسية. ولا مانع عنده أن يكون رئيساً للجمهورية ولا يريد حلَّ الجيش، وإنّما يريد تحويله إلى متطوّعين بحجّة تسهيل عودة اللاجئين الذين يخشون من التجنيد الإجباري. وفي انتخابات لبنان يفضّل قائد الجيش للرئاسة.

سقط المحور الإيراني في الحاضر على الأقلّ. وازداد النفوذ التركي، وقد يساعد ذلك في حلّ المشكل مع حزب العمّال الكردستاني في سورية وفي عودة اللاجئين. وربّما كان الأتراك (والأميركيون) يدعمون في سورية نظاماً إسلامياً (سكّر خفيف) إسلامويّ الميول.

يملك الأتراك قوّاتٍ في سورية، لكنّهم قوّة ناعمة وداعمة أيضاً. أمّا الإسرائيليون فقد تعاظمت أهوالهم في فلسطين ولبنان وسورية. وما يزال الناس ينتظرون العرب بعد اجتماع العقبة.



تغيّرت المنطقة، وأهمّ وجوه التغيير: تحطّم المحور الإيراني، وصعود النفوذ التركي، وسقوط بشّار الأسد، وتعاظم الأهوال الإسرائيلية. ومستحيل أن تستقرّ المنطقة بعد هذه الاهتزازات الجبّارة.