البابا ليون الرابع عشر: عصر جديد للكنيسة الكاثوليكية؟ - بقلم شربل عبدالله أنطون

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 16, 2025

مع تولي البابا ليون الرابع عشر منصبه التاريخي كأول بابا أميركي، يراقب العالم عن كثب كيف ستُشكل قيادته مستقبل الكنيسة الكاثوليكية. وبينما تُشير بداية بابويته إلى استمرارية إصلاحات البابا فرنسيس، يشق ليون الرابع عشر أيضاً طريقه الخاص والمتميِّز بمسار يوائم بين التقاليد وتحديات العصر الحديث.

بابوية متجذرة في الاستمرارية والإصلاح

منذ ظهوره الأوّل على شرفة كاتدرائية القديس بطرس في 8 مايو / أيار الجاري، أوضح البابا ليون الرابع عشر عزمه على مواصلة رؤية فرنسيس لكنيسة مجمعية - كنيسة أكثر شمولاً وتشاركية. في خطابه الأول، شدد على أهمية الوحدة والحوار، قائلاً: "علينا أن نكون كنيسة تعمل معاً لبناء الجسور وأن نبقي أذرعنا مفتوحة مُرحِّبة، كهذه الساحة بالذات".

يتماشى التزام ليون الرابع عشر بالسينودسية (المجمعية) مع جهود البابا فرنسيس لتحديث الكنيسة كلها من خلال المشاورات والإصلاحات. ومع ذلك، فقد أشار ليون الرابع عشر أيضاً إلى أولوياته الخاصة، لا سيما في التعامل مع الذكاء الاصطناعي كتحدٍّ رئيسي للبشرية. وحذّر من أن الذكاء الاصطناعي يطرح "تحديات جديدة للدفاع عن كرامة الإنسان والعدالة والعمل".

أسلوب قيادة مختلف

في حين عُرف البابا فرنسيس بتفاعلاته العفوية وحضوره الكاريزماتي، يُوصف ليون الرابع عشر بأنه أكثر تحفظاً في أسلوبه. يقول عارفوه إنه حذِر في تواصله مع الآخرين، ويفضّل التروي المدروس على التعليقات المتسرعة: "حيث يمكن لفرنسيس أن يعبر عن رأيه على الفور، فإن الكاردينال بريفوست (البابا الحالي) ينتظر قليلاً"، حسب تعبير الأب مورال أنطون، الذي خَلَف ليون كرئيس للرهبانية الأوغسطينية.

على الرغم من هذه الاختلافات في الأسلوب، يُشارك ليون الرابع عشر فرنسيس اعتقاده بأن على الكنيسة أن تُلامس قلوب الناس قبل تعليم العقيدة. ويشير تركيزه على التواصل والوحدة إلى أنه سيواصل نهج فرنسيس في اشراك العلمانيين في مناقشات الكنيسة.

القضايا الاجتماعية: الاستمرارية والتباعد

من المتوقع أن يختلف موقف البابا ليون الرابع عشر من بعض القضايا الاجتماعية عن موقف البابا فرنسيس في بعض الجوانب. فبينما اتخذ البابا فرنسيس نهجاً أكثر ترحيباً بمجتمع الميم، أعرب ليون الرابع عشر (حين كان كاردينالاً) عن قلقه إزاء ترويج وسائل الإعلام الغربية "لمعتقدات وممارسات تتعارض مع الإنجيل"، بما في ذلك العلاقات المثلية.

بصفته أسقفاً في البيرو، عارض ليون الرابع عشر تدريس "دراسات النوع الاجتماعي" في المدارس، مجادلاً بأن "أيديولوجية النوع الاجتماعي مُربكة لأنها تسعى إلى خلق أجناس غير موجودة". يُمثل هذا تباعداً عن موقف فرنسيس الأكثر تقدمية.

إسهام المرأة في الكنيسة

سيتابع البابا ليون الرابع عشر اعتماد النهج التقدمي لسلفه تجاه زيادة مشاركة المرأة في قيادة الكنيسة. ففي عهد البابا فرنسيس، أشرفَ الكاردينال بريفوست (البابا الحالي) على تعيين ثلاث نساء في اللجنة التي تختار الأساقفة، وهو تحوّل تاريخي في تقاليد الكنيسة. وصرح لوكالة الفاتيكان للإعلام عام 2023: "إن رأيهن يُضفي منظوراً جديداً ويُسهم إسهاماً هاماً في هذه العملية".

منظور عالمي للهجرة وحقوق الإنسان

اتخذ الكاردينال بريفوست اسم البابا ليون في إشارة إلى البابا ليون الثالث عشر، الذي كان معروفاً بـ"بابا العمّال" لدفاعه الصريح عن حقوق العمال وكرامتهم.
شكّلت رسالة ليون الثالث عشر "الشؤون الجديدة" (الصادرة سنة 1891) وثيقة محورية في خطاب الكنيسة الكاثوليكية، وتحوّلاً نوعياً في مسار الكنيسة الاجتماعي، إذ تناولت الحق في الملكية الخاصة، والأجر العادل، والحق في تشكيل نقابات العمال.

صقلت تجربة ليون الرابع عشر في البيرو رؤيته للهجرة والعمل والكرامة الإنسانية. وقد أُشيد به لدعمه المهاجرين الفنزويليين ودعوته إلى "بناء جسور التواصل بين الأمم". ويتناقض موقفه هذا بشدة مع سياسات دونالد ترامب بشأن الهجرة، رغم أن البابا لا يريد فتح معارك مع المحافطين.

إن البابا الجديد ملتزم بكرامة كل إنسان، وباللقاء وبناء الجسور بين الأمم، ويعرف حقيقة أن عدد الأشخاص الذين يتنقلون اليوم بين الدول أكبر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.

ليون مشكلة لترامب!

وصف ستيفن بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لترامب، انتخاب ليون الرابع عشر بأنه "تصويت ضد ترامب من قِبل الكرادلة المعولَمين". إلا أن الكاردينال هوليريش رفض هذه الفكرة، قائلاً: "لم ننتخب معارضاً لترامب، بل انتخبنا تلميذاً ليسوع".

ويقول المؤرخ الكنسي ألبرتو ميلوني: "إن البابا ليون يمثل بالتأكيد مشكلة لترامب، فالبابا يمثل أميركا التي يكرهها ترامب، أولئك الذين يتحدثون الإسبانية".
في شهر فبراير/ شباط المنصرم انتقد الكاردينال بريفوست (البابا الحالي) تصريحاً لنائب الرئيس الأميركي عن تعليم الكنيسة، قائلاً: "جيه دي فانس مخطئ: يسوع لا يطلب منا تصنيف محبتنا للآخرين".

"لا لمزيد من الحرب"

ناشد البابا الجديد في أولى عظاته "كبار المسؤولين في العالم" وقف الحروب. مضيفاً أن عالم اليوم يعيش "سيناريو مأساوي لحرب عالمية ثالثة تدور رحاها على مراحل"، مكرراً مرة أخرى عبارة سلفه فرنسيس.

ومثل فرنسيس، حمل ليون في قلبه "معاناة شعب أوكرانيا الحبيب". كما عبر عن "حزنه العميق" لاستمرار الحرب في غزة. وذكّرَ بان هناك "الكثير من الصراعات الأخرى في العالم". ويجب أن تنتهي كلها ويسود السلام.

الطريق إلى الأمام

مع بدء البابا ليون الرابع عشر بابويته، يواجه تحدي الموازنة بين التقاليد والتجدّد. ويشير التزامه بالمجمعية والعدالة الاجتماعية والوحدة إلى أنه سيواصل إرث فرنسيس، مع صياغة رؤيته الخاصة للكنيسة.

كل بابوية جديدة تحمل في طياتها الاستمرارية والتغيير. ومع تولي ليون الرابع عشر منصبه، يراقب العالم كيف سيتعامل مع التحديات الكنسية والعالمية.