ذي أتلانتك- الشرع يواجه معضلة لتوحيد سوريا والكاريزما ليست كافية لوحدها
شارك هذا الخبر
Friday, May 16, 2025
تساءل روبرت أف وورث في مقال نشرته مجلة “ذي أتلانتك” عن الوضع في سوريا وهل انتهى شهر العسل بالنسبة للرئيس أحمد الشرع.
وقال إن الجهادي السابق يحتاج لأكثر من الجاذبية ليساعد بلده المحطم على التعافي.
وقال وورث إنه وبعد خمسة أشهر على تحرير سوريا من الدولة البوليسية التي قادها بشار الأسد، تبدو الحرب الأهلية فيها وكأنها لم تنته.
فقد تحولت المواجهات الطائفية إلى معارك شوارع بالصواريخ وقذائف الهاون. وفي السويداء، جنوب سوريا شجب قادة محليون الحكومة السورية الجديدة ووصفوها ب”العصابة الإرهابية” ويرفعون علم الدويلة الدرزية التي ظهرت قبل قرن.
وقد حاول الرئيس الشرع وأكثر من مرة طمأنة الأقليات الدينية وأنه يريد السلام والتعددية. وحصل على تخفيف اقتصادي غير متوقع، عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك في أثناء جولته بدول الخليج، إلا أن الشرع ، حسب الكاتب، لا يبدو أنه قادر على معالجة البنى المعيبة التي تغذي العنف في الأشهر الأخيرة.
وبرأيه فدولته مركزية جدا وتعتمد على الجهاديين السابقين الذين لا يستطيع السيطرة عليهم. وأشار الكاتب إلى المواجهات في الساحل السوري بشهر آذار/مارس وقتل فيها حوالي 1,000 شخصا من الطائفة العلوية. ويعلق الكاتب أن أصدقاءه العلويين أخبروه أنهم يعيشون في حالة من الخوف، وطلب عدد منهم مساعدته على الخروج من البلد الذي يبدو غريبا لهم.
واندلعت الأزمة الأخيرة أواخر الشهر الماضي، عندما زُعم أن رجل دين درزي أساء للنبي محمد. واجتاحت حشود غاضبة من المسلحين شوارع عدة مدن سورية. وتبين أن التسجيل الصوتي مزيف. إلا أن الحزازت القديمة خرجت وأدت لمواجهات في بلدات جنوب دمشق، مما أدى إلى اندلاع معارك ضارية خلفت أكثر من 100 قتيل.
ويقول وورث إن المواقف تتشدد داخل الدروز الذين رفضوا تسليم أسلحتهم لدمشق. ويعتقد الكثيرون أن الحكومة مسؤولة عن المواجهات الأخيرة. ونقل عن مصدر يعرف أرسل إليه رسالة على الهاتف: ” نحن ندافع عن أنفسنا ضد المتطرفين السلفيين من تنظيم الدولة والإرهاب المتخفي كدولة”.
واستغلت إسرائيل الخلاف مع الدروز، مما كشف عن الخطورة التي تواجه سوريا الجديدة. وفي 2 أيار/مايو أطلقت طائرات حربية إسرائيلية صواريخ على تلة مجاورة للقصر الرئاسي السوري، فيما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه “تحذير واضح” لترك الدروز وشأنهم. ويبدو أن إسرائيل تستغل الصراع لإنشاء منطقة سيطرة فعلية في جنوب سوريا، حيث يتركز الدروز. كما دخلت في صدام مع تركيا، راعية الحكومة السورية الجديدة، التي تطمح إلى فرض هيمنة مماثلة على شمال البلاد. وقال وورث إن التوغلات الإسرائيلية تقود إلى دوامة مفزعة في سوريا، فهي تزيد من الاعتقاد بأن الدروز طابور خامس تدعمه قوة خارجية.
وبحسب الكاتب فقد عبر معظم الدروز عن استيائهم من سلوك إسرائيل، ولكن كلما زاد شعورهم بالتهديد من جيرانهم السنة، زاد ميلهم للمطالبة بمزيدٍ من الحكم الذاتي لطائفتهم ومنطقتهم. ويتجلى نمط مماثل لدى الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين لا يثقون بالشرع ويحاولون الحفاظ على بعض الاستقلالية. وتجري إسرائيل وتركيا محادثات “لخفض الصراع” في باكو، عاصمة أذربيجان، بهدف ظاهري لتجنب الحوادث العسكرية.
وبالنسبة لبعض السوريين، تشبه هذه المحادثات مشروعا استعماريا غامضا لتقسيم بلادهم، كما فعلت القوى الأوروبية قبل قرنٍ من الزمان بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وليس لدى الشرع الذي قاد الحملة للإطاحة بالأسد في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر الكثير ليفعله أمام التحديات لسلطته. فقد تحدث كثيرا ضد الطائفية وقال إنه يريد إعادة التعددية وسيادة سوريا. ولكنه لن يفعل هذا بدون جيش حقيقي، فهو يعتمد على قوات مسلحة غير منضبطة ساعدته على التخلص من الأسد.
ويقول جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بجامعة أوكلاهوما إن “الشرع يواجه معضلة وكيف سيوحد البلاد بدون سيطرة حقيقية”، مضيفا أن قواته أغلبها من المتشددين السنة، وهذا أمر لا مفر عنه. ويزعم لانديز إن الشرع قد فقد أي أمل كان لديه في ترويض ميليشياته الجامحة، واعتمد الآن استراتيجية ضمنية لسحق الأقليات ودفعها للخضوع للحكم السني. وإذا كان هذا صحيحا، فقد يخاطر الشرع بتعكير صفو علاقاته المحسنة مع الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين رفعتا العقوبات التي كانت تخنق الاقتصاد السوري. قد يكون المسيحيون أقلية في سوريا، لكن أصواتهم عالية في واشنطن، وربما خاصة لدى الموالين لترامب مثل سيباستيان غوركا، الذي يدير، إلى حد ما، السياسة السورية في الإدارة الجديدة. إلا أن بول سالم، نائب مدير التواصل الدولي بمعهد الشرق الأوسط للشؤون الدولية والمقيم في بيروت، لديه نظرة أكثر تفاؤلا بشأن الشرع ، حيث قال: “يبدو أن الرئيس يحاول التقدم ببطء في الاتجاه الصحيح، وإن بصعوبة بالغة”، مضيفا أن الولايات المتحدة ودولا أخرى لا تزال قادرة على مساعدة الشرع في بناء حكومة أكثر انفتاحا من شأنها أن تساعد في استقرار المنطقة.
وقال سالم إن لقاء الرئيس ترامب بالشرع في الرياض يوم الأربعاء قد يسهم في دفع هذه الجهود قدما. ويرغب الشرع بشدة في جذب الاستثمارات الأمريكية إلى سوريا. وقد حاول بالفعل تلبية بعض الشروط التي وضعتها إدارة ترامب، بما في ذلك اعتقال بعض المسلحين الفلسطينيين في سوريا والتواصل بشكل غير مباشر مع إسرائيل والتعبير عن رغبة في السلام.
وتظل سوريا بلدا محطما ويحتاج إعماره إلى مئات المليارات من الدولارات. لكن أي نوع من التمويل سيترك أثره الواضح. فمجرد القدرة على دفع رواتب منتظمة للجنود والشرطة والمعلمين سيكون حصنا منيعا ضد الفوضى. إلا أن المواجهات الطائفية كشفت عن مشكلة أخرى ولا يستطيع ترامب فعل أي شيء حيالها، وهي أن حكومة الشرع مركزية جدا وتعاني من نقصٍ حاد في الإداريين المؤهلين. وقد وضع الرئيس السوري أفراد عائلته وأصدقاءه في مناصب بارزة وعين 23 وزيرا جديدا في أواخر آذار/مارس، معظمهم وزراء بدون سلطة على حد قول الكاتب. ولا يمكنهم فعل أي شيء تقريبا دون المشاركة المباشرة للشرع أو أسعد الشيباني، وزير خارجيته وذراعه الأيمن.
وفي نفس الوقت، تتحرّك عجلة الدولة ببطء؛ ولا يزال الموظفون العموميون يتقاضون رواتبهم عبر “شام كاش”، وهو تطبيق أطلقه أتباع الشرع الإسلاميون قبل سقوط نظام الأسد، ويعاني من أعطال تقنية. وفي آذار/مارس أعلن الشرع عن دستور جديد لتركيز السلطة، وبلا أي رقابة فعلية على سلطة الرئيس، الذي يعين ثلث أعضاء البرلمان مباشرة، ويسيطر بشكل غير مباشر على الثلثين المتبقيين. وأخبر الكثير من السوريين الكاتب أن الشرع يتمتع بكاريزما عظيمة، وأكد له العديد من السوريين، بيقين، أنه ليس مسؤولا عن التعصب في معسكره. لكن إذا استمرت أعمال العنف الطائفي في عهده، فلن يصدق أحد هذه الوعود.