الشّرع يسابق نتنياهو نحو ترامب بالعلمين السّعوديّ والفرنسي -بقلم وليد شقير

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 10, 2025

يسابق رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إسرائيل وجهودها لتقويض حكمه. يحاول فتح خطوط حوار مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، لتبديد مواقفه السلبية منه، التي يساهم فيها التحريض الإسرائيلي.

بذل وزير خارجيّته أسعد الشيباني جهوداً كبيرةً لتعزيز الانفتاح على واشنطن، مقابل تواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية على سوريا الجديدة. أعلن أثناء وجوده في نيويورك لحضور جلسة مجلس الأمن حول سوريا عن اتّصالات على أعلى المستويات مع الجانب الأميركي. لكنّ الاهتمام الأميركي لم يتجاوز الحرص على إبقاء إيران بعيدة عن سوريا.





قد يراهن حكّام دمشق الجدد على بعض التباين الظاهر بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو بسبب التفاوض بين واشنطن وطهران، لعلّه يخفّف الضغوط الإسرائيلية عليهم. ومن مظاهر تقدّم هذا التفاوض اتّفاق وقف تبادل الهجمات بين الأميركيين والحوثيين. وعلى الرغم من أنّ الاتّفاق شكّل “صدمة” (حسب الإعلام الإسرائيلي) لنتنياهو، يستبعد المتابعون للإدارة الترامبيّة تخلّيها عن تطابق الرؤية مع إسرائيل، لا سيما في سوريا. هذا مع أنّ أوساطاً دبلوماسية تترقّب انخفاض مستوى التنسيق بين الحليفين، بعدما تسرّب أنّ ترامب غاضب من نتنياهو وسيقطع اتّصالاته الشخصيّة معه. لكنّ الأمر منوط بمزاجيّة الأوّل.
الرّهان على الانفتاح الفرنسيّ

قد يراهن الشرع ومعاونوه على إمكان تأثير انفتاح فرنسا، كما ظهر خلال زيارته باريس الأربعاء الماضي، على ترامب لتليين موقفه. وجد الرئيس إيمانويل ماكرون الشرع إيجابيّاً وبراغماتيّاً وواضحاً. ماكرون هو الأقلّ تشدّداً بين الزعماء الغربيين في الشروط حيال سوريا، فهو من دعا إلى إعطاء الفريق الحاكم السوري “فرصة” وتأجيل الحكم عليه إلى حين اختباره، وتصدّر الدعوة إلى الرفع الجزئي لعقوبات الاتّحاد الأوروبي عن دمشق، ويبذل جهداً مع دول أوروبية كي توافق على رفع المزيد منها، فبعض هذه الدول يشكّ في التزام الحكم الجديد بحماية الأقليّات وإشراكها في السلطة والحرّيات. عيّن ماكرون أحد أكثر الدبلوماسيين كفايةً، السفير السابق في قطر، الملمّ باللغة العربية جان باتيست فيفر، الذي خدم في دول عربية بينها لبنان، قائماً بالأعمال في دمشق. وستكون فرنسا أوّل دولة أوروبية تفتح أبواب سفارتها هناك.

طلبَ لقاء ترامب… والرّهان على الرّعاية السّعوديّة

يراهن الشرع أيضاً على دور المملكة العربية السعودية، التي يزورها ترامب مطلع الأسبوع، في إقناع الأخير بتعديل نظرته السلبية إلى دمشق بمنح الدولة السورية استثناءات (WEAVER) من العقوبات. وتقول أوساط غربية إنّ المستويين الأمنيّ والعسكري الأميركيَّين يعارضان رفع العقوبات عن سوريا، بانتظار إيفاء الشرع بمطالب واشنطن الثمانية المعروفة التي بقيت منها للتنفيذ معرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس وتفكيك ما بقي من السلاح الكيميائي الذي خلّفه نظام الأسد والتأكّد من عدم تبوّؤ المقاتلين الأجانب مسؤوليّات رسمية.

قبل يومين ذكرت جريدة “وول ستريت جورنال” أنّ الشرع طلب من البيت الأبيض لقاء الرئيس ترامب أثناء زيارته الخليج. شاع قبل ذلك إمكان دعوة الشرع (وغيره) إلى السعودية للقاء الرئيس الأميركي. إلّا أنّ العديد من الأوساط استبعد هذا الاحتمال. أوضح مطّلعون على تحضيرات الرياض للزيارة لـ”أساس” أنّ المسؤولين السعوديين بذلوا جهداً لإدراج سوريا على جدول أعمال البحث، إلّا أنّ طلب الشرع لقاء ترامب لم يُطرح في باريس.

يشير العارفون بمناخ واشنطن إلى أنّها تعتبر سوريا الميدان الأهمّ لمصالحها في المشرق العربي (وليس لبنان). لكنّ اهتمامها يبقى منحازاً إلى التقويم الإسرائيلي، ويستند إلى الحرص على حصريّة المصالح الأميركية الاقتصادية والأمنيّة في المنافسة مع دول أخرى. وهذا ما يفسّر الزيارات المعلنة والبعيدة من الأضواء لوفود أميركية من الكونغرس ورجال الأعمال. آخرها محادثات جوناثان باس، السيناتور الجمهوري المؤيد لترامب ورئيس شركة “أرجنت” للغاز الطبيعي. قدم الأخير خطة لتطوير موارد الطاقة السورية مع شركات غربية وشركة سورية. تجاوب الشرع مع الفكرة لعلها ترفع العقوبات.

تقويم إسرائيل: الشّرع لن يصمد والحلّ بالتّقسيم؟

إلّا أنّ واشنطن تبقى أقرب إلى النظرة الإسرائيلية. قبل أسابيع، تلقّت جهات لبنانية تقريراً دبلوماسياً عن حوارات بين دبلوماسيين أجانب ومسؤولين إسرائيليين في الخارجية والدفاع.

لخّصت الجهات اللبنانية لـ”أساس” بعض ما نقله هؤلاء عن موقف تل أبيب حيال سوريا (تناول التقويم أيضاً لبنان والسعودية) كالآتي:

اتّكال الرئيس السوري أحمد الشرع على علاقته مع تركيا خيار خاطئ. إسرائيل لن تتخلّى عن علاقتها مع المكوّن الكردي، حتّى لو أزعج ذلك أنقرة.
أداء الشرع مرتبك وغير قادر على سلوك نهج متماسك في لجم التنظيمات المسلّحة المتطرّفة ونشاطها خارج إطار الأجهزة الرسمية. ترى تل أبيب أنّ إعلان المسؤولين السوريين أنّهم لن ينتهجوا سياسة عدائية حيال دول الجوار، ومنها إسرائيل، هو “طلب حماية” من الدولة العبرية. إقرار الشرع في تصريحاته في باريس بحصول “مفاوضات غير مباشرة” مع إسرائيل يبدو الوجه الآخر لذلك. فترامب يريد انضمام دمشق للاتّفاقات الإبراهيمية، بينما الشرع حصر التفاوض بالتهدئة العسكرية.
يرجّح المسؤولون الإسرائيليون ألّا يستمرّ الشرع طويلاً في الحكم. ولهذا الترجيح صدى في واشنطن. فبعض الدوائر المعنيّة بالوضع السوري فيها يعتقد أنّ الشرع يمثّل التيار الإسلامي المتطرّف، وأنّه قد لا يبقى في الحكم بسبب محدوديّة قدرته على مغادرة محيطه الإسلامي المتطرّف. ما تزال واشنطن وتل أبيب تشبّهانه بمن ينتمون إلى “داعش” و”القاعدة”. هذا على الرغم من خطوات واشنطن الانفتاحية، المشروطة.
يرى مخطّطو السياسات الإسرائيلية أنّ حلّ التناقضات السوريّة في مرحلة ما بعد الأسد يقتضي شكلاً من أشكال التقسيم. يخدم هذا التوجّه “هواجس” إسرائيل الأمنيّة التي برّرت بها إقامة حزام أمنيّ موسّع جنوب سوريا سيشكل خطّ دفاع أوّل عن الدولة العبرية. يتحدّث الإسرائيليون عن اهتمامهم بنسج علاقات مع الأقلّيات المسيحية والدرزية والعلوية. ويركّزون على أنّ العلاقة مع الدروز امتداد لعلاقتهم مع مجموعة من الطائفة في الداخل الإسرائيلي. والدوائر الأميركية الملتزمة أمن إسرائيل، والتي لا تعارض التوغّل الإسرائيلي في الجنوب السوري، تأخذ بمقولة نتنياهو إنّ حماية الأقليّة الدرزيّة تتمّ على يد إسرائيل.