ناشونال إنترست- اغتيال عدد من كبار الجنرالات على الأراضي الروسية يثير قلق الكرملين

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 10, 2025

أثارت موجة من الاغتيالات في عمق الأراضي الروسية، قلق الكرملين وأضعفت شعور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمن، وأشارت في الوقت نفسه إلى تنامي قدرات أوكرانيا الاستخباراتية.

وقال ديفيد كيريشينكو الأمريكي من أصل أوكراني والصحافي المستقل والباحث المشارك في جمعية هنري جاكسون، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية إن الضربات الأوكرانية تحدث أضرارا بالغة لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل حرفي.

وفي 25 أبريل/نيسان، أسفر انفجار سيارة مفخخة في العاصمة الروسية موسكو عن مقتل ياروسلاف موسكاليك، وهو جنرال روسي رفيع المستوى، شغل منصب نائب رئيس مديرية العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الروسية. ولم يكن موسكاليك مجرد شخصية بارزة، وإنما كان شخصية محورية في التخطيط الحربي الروسي، وكان يطلع بوتين بشكل شخصي على التطورات في أوكرانيا.

وأرسل اغتياله، الذي تم في نفس يوم وصول المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو، إشارة قوية إلى قلب الكرملين. وفي 26 أبريل/نيسان، وبينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على متن طائرة الرئاسة في طريقه إلى روما لحضور جنازة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، لم يكن ترامب على دراية بأن تفجير سيارة أسفر عن مقتل جنرال روسي في موسكو.

وعندما أبلغه الصحافيون، رد بدهشة قائلا “لا، لقد سمعت الخبر الآن – أنتم تخبرونني بهذا لأول مرة”. وأضاف أن الخبر “مؤثر بشدة” ووعد قائلا: “إذا سمعت أي شيء، سأبلغكم”. وأعرب ترامب أيضا عن شكوكه في قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد روسيا، قائلا “أعتقد أن هذه الأمة ستسحق قريبا جدا. إنها (روسيا) آلة حرب كبيرة”.

وأشار الباحث كيريشينكو، الذي تركز أبحاثه على الأنظمة المستقلة والحرب السيبرانية وغير النظامية والاستراتيجية العسكرية، إلى أن اغتيال موسكاليك لم يكن حادثة معزولة، لقد جاء الاغتيال ليكمل اتجاها أوسع من العمليات السرية التي تنفذها أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، مما ساعد على توسيع ساحات القتال إلى خارج خطوط المواجهة.

وفي اليوم التالي، اعتقلت السلطات الروسية إجنات كوزين، الذي تردد أنه اعترف أثناء الاستجواب بأنه عميل لجهاز الأمن الأوكراني (اس بي يو)، على الرغم من أن مثل هذه الاعترافات غالبا ما تنتزع من خلال التعذيب. وقبل أيام قليلة، قتل يفجيني ريتيكوف، وهو مصمم بارز للحرب الإلكترونية الروسية ومسؤول عن تحديث نظام كراسوخا المضاد للطائرات المسيرة، في تفجير سيارة مفخخة في بريانسك.

وقال أندريه سولداتوف، الزميل البارز في مركز تحليل السياسات الأوروبية إن “جهاز الأمن الاتحادي، وهو جهاز الأمن الرئيسي في روسيا جيد للغاية في التحقيق في أحداث قد وقعت بالفعل، لكنه ليس جيدا للغاية في جمع المعلومات الاستخبارية عما قد يحدث. وهذه مجموعة مختلفة من المهارات”.

وكان من أبرز عمليات الاغتيال، اغتيال الجنرال إيجور كيريلوف، قائد قوات الدفاع النووي والبيولوجي والكيميائي الروسية. وبعد يوم واحد فقط من توجيه جهاز الأمن الأوكراني اتهاما غيابيا له بالإشراف على الاستخدام واسع النطاق لأسلحة كيميائية محظورة، قتل كيريلوف في تفجير سيارة مفخخة بموسكو.

وقال كيريشينكو إن المسؤولين الأوكرانيين يحملونه مسؤولية أكثر من 4800 حالة استخدام لذخائر كيميائية، مما أدى إلى نقل أكثر من ألفي جندي إلى المستشفيات ووفاة العديد منهم. وحول الرسالة التي توجهها هذه الاغتيالات لشخصيات بارزة، يرى كيريشينكو، أن مصدرا في جهاز الأمن الأوكراني أكد لصحيفة فاينانشال تايمز أن المديرية الخامسة السرية لمكافحة التجسس التابعة للجهاز كانت وراء هذه الضربة.

وقال المسؤول إن “نهاية مخزية تنتظر كل من يقتل الأوكرانيين”، واصفا كيريلوف بأنه مجرم حرب. وأكد رئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل ماليوك هذه الرسالة، قائلا “يجب معاقبة المعتدي على كل جريمة يرتكبها”. وقال دوجلاس لندن، الرئيس السابق لمحطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إن عمليات الاغتيال ترسل رسالة نفسية إلى النخب الروسية مفادها أنهم ليسوا آمنين في أي مكان. ومع ذلك، أعرب عن شكوكه في أن تؤثر هذه الاغتيالات على القدرات الحربية الفعلية لروسيا.

ومع ذلك، أكد الليفتنانت كولونيل المتقاعد ألكسندر فيندمان أن تلك الاغتيالات تعد رسالة إلى كل من موسكو وواشنطن بأن أوكرانيا ستواصل القتال بكل الوسائل المتاحة في حربها الوجودية. وعلى الرغم من تكرار مثل هذه الضربات بشكل متزايد، فهي جزء من استراتيجية أوكرانية قديمة، حيث تتمتع أجهزة الاستخبارات الأوكرانية بسجل طويل في القضاء على أهداف بارزة خارج حدود أوكرانيا.

وفي عامي 2015 و2016، ارتبطت وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (اتش يو ار) باغتيال قادة رئيسيين مدعومين من روسيا في دونباس، فقد قتلت ميخائيل تولستيخ “جيفي” بصاروخ في مكتبه وتم تفجير أرسين بافلوف “موتورولا” في مصعد، كما قتل ألكسندر زاخارتشينكو في تفجير أحد المطاعم. ومنذ عام 2022، تزايدت وتيرة الاغتيالات، حيث قامت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، بشكل منهجي بالقضاء على العشرات من المسؤولين العسكريين الروس والمتعاونين معهم ومجرمي الحرب.

ولم تعد التقارير عن اغتيال شخصيات بارزة في روسيا صادمة، وأصبحت متوقعة الآن إلى حد ما. وقال كيريشينكو إن الجنرال كيريلوف والأدميرال فاليري ترانكوفسكي وخبير الصواريخ ميخائيل شاتسكي، مجرد عدد قليل من الأهداف البارزة التي تم اغتيالها في روسيا وأوكرانيا المحتلة. ومن بين الأهداف الأخرى قضاة متواطئون في أنظمة الاحتلال ومسؤولو سجون مرتبطون بجرائم حرب، مثل مذبحة أولينيفكا.

ويواجه بوتين الآن تهديدات على جبهات متعددة، حيث لا يقتصر الأمر على عمل الجنود الأوكرانيين داخل مناطق حدودية روسية مثل بيلجورود وكورسك، بل يعاني بوتين أيضا من تنقل عملاء الاستخبارات الأوكرانية عبر الأراضي الروسية بسهولة واضحة. ويرى كيريشينكو أن هذه التهديدات من الجانب الأوكراني يبدو الآن أنها تشكل قرارات القيادة. ويرغب بوتين بشدة في وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام في موسكو، نظرا لأنه يدرك التهديد الخطير الذي تشكله المسيرات الأوكرانية.

من جانبه، أشار مارك جاليوتي، وهو محلل روسي، إلى أن “هجمات المسيرات (الأوكرانية) على العاصمة أصبحت شائعة بشكل متزايد”، وقال إن اغتيال الجنرال ياروسلاف موسكاليك مؤخرا يشير إلى أن الأوكرانيين أصبحوا أكثر براعة في العمليات السرية على الأراضي الروسية. وتعتبر أوكرانيا الاغتيالات الموجهة استراتيجية فعالة، وتحقق مكاسب استراتيجية وحقوقا للتفاخر في هذه العملية. وفي أعقاب الضربات الروسية الأخيرة على أهداف مدنية في كييف، تعهد رئيس الاستخبارات الأوكرانية بالانتقام، وأكد أن موسكو ستتلقى “العقاب الكامل الذي تستحقه”.


د.ب.أ