"الضبط والتنسيق".. حملة الحدود السورية - اللبنانية تثير تساؤلات
شارك هذا الخبر
Wednesday, February 12, 2025
في 23 من شهر يناير اجتمع مسؤولون عسكريون من سوريا ولبنان للمرة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد. وناقشوا حينها مسألة "ضبط الحدود السورية-اللبنانية" والإجراءات الأمنية المتعلقة بهذه الخطوة.
وبعد أسبوعين فقط من هذا اللقاء، اشتعلت الحدود السورية بعد حملة أمنية شنتها قوات الإدارة الجديدة في دمشق، بهدف ملاحقة "عصابات تهريب السلاح والمخدرات".
لم يتم تسليط الأضواء على هذا الاجتماع الذي حضره رئيس هيئة الأركان في سوريا، اللواء علي النعسان، ومدير مكتب التعاون والتنسيق في الجيش اللبناني، العميد ميشيل بطرس. ونشرت عنه وكالة "سانا" الرسمية.
ورغم أن تفاصيله ومخرجاته بقيت طي الكتمان، يثير التوقيت وما شهدته الحدود السورية-اللبنانية بعد ذلك عدة تساؤلات، تتعلق بما إذا كان ما جرى على الأرض جاء بقرار فردي أم "بموجب تنسيق".
الجيش اللبناني يرد على مصادر إطلاق النار وتثار تساؤلات أخرى حول مدى قدرة القوات السورية الجديدة على ضبط وتأمين الحدود من جانبها، وكذلك الأمر بالنسبة للجيش اللبناني، الذي تبدو مهمته هناك مليئة بالحفر والمطبات.
وفي هذا الإطار، أكد مدير التوجيه في الجيش اللبناني، العميد حسين غدار، أن التنسيق بين الجيش اللبناني وهيئة الأركان السورية قائم لضبط الحدود "من خلال مكتب التعاون والتنسيق بين البلدين".
وقال غدار، لموقع الحرة، إن "الجيش اللبناني يضبط الحدود ضمن الإمكانات المتوفرة لديه، وقد اتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك".
وأضاف أن "الجيش اللبناني قام خلال الأيام الماضية بالرد على مصادر إطلاق النار التي استهدفت الأراضي اللبنانية، في إطار الحفاظ على الأمن والسيادة الوطنية".
وتمكنت قوات الإدارة السورية الجديدة في دمشق، على مدى الأيام الأربعة الماضية، من تثبيت السيطرة الأمنية والعسكرية على معظم القرى والبلدات الحدودية مع لبنان.
وبعدما طردت عصابات التهريب المرتبطة بـ"حزب الله" اللبناني، يوم الاثنين، قالت الإدارة السورية، على لسان قائد المنطقة الغربية في "إدارة أمن الحدود"، المقدم مؤيد سلامة، إنها وضعت "خطة متكاملة لضبط الحدود بشكل كامل".
وأضاف سلامة لـ"سانا"، الثلاثاء، أن هذه الخطة "تراعى فيها التحديات الموجودة، وتسهم في حماية أهلنا من جميع الأخطار التي تستهدفهم"، على حد تعبيره.
ولم يتردد الكثير من المواقف من جانب الجيش اللبناني بعدما تمكنت القوات السورية الجديدة من تثبيت سيطرتها على المناطق الحدودية، وخاصة المحاذية لمنطقة القصير.
لكن الجيش وفي المقابل نشر بيانا لافتا، الثلاثاء، قال فيه إن وحداته "داهمت منازل مطلوبين في بلدَتي القصر- الهرمل والعصفورية - عكار، وضبطت كمية كبيرة من القذائف الصاروخية والرمانات اليدوية والأسلحة الحربية والذخائر".
هل التحرك فردي أم "بتنسيق"؟ ويعتقد الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان، أن الحملة الأمنية لضبط الحدود السورية اللبنانية "لا تتم بتنسيق معلن مع الجيش اللبناني".
لكنه لا يستبعد في المقابل، وخلال حديثه لموقع "الحرة"، "وجود تنسيق غير معلن لكنه في الحدود الدنيا".
وأخبر الصحفي السوري المقيم في القصير، محمد رعد، موقع "الحرة"، أنه التقى بقادة عسكريين يديرون الحملة الأمنية على طول الحدود، وأشاروا له، الاثنين، إلى وجود "تنسيق عالي المستوى" مع الجيش اللبناني في الطرف المقابل.
وأوضح العسكريون أيضا للصحفي السوري أنهم بصدد إقامة نقاط مراقبة على طول الحدود، من أجل تثبيت عملية تأمينها من العصابات المرتبطة بـ"حزب الله" اللبناني.
ورغم أن سقوط نظام الأسد غيّر المشهد الأمني والعسكري لسوريا على نحو جذري، احتفظت بقايا مجموعات تتبع لـ"حزب الله" ونظام الأسد ببعض القرى والبلدات الواقعة على حدود سوريا ولبنان، وفق علوان.
وفي حين يرى الباحث السوري أن "القضاء عليها سيكون هدفا مشتركا للجيش اللبناني والجيش السوري الجديد"، يرجح أن تنتقل الحملة الأمنية القائمة حاليا والعمليات المرافقة لها إلى نقطة "نرى فيها تنسيقا كاملا" وقد يتخلله تشكيل لجان مشتركة.
"الوضع الأمني على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا شهد تحسنا نسبيا"، كما يقول الخبير الاستراتيجي اللبناني، ناجي ملاعب، "إذ نجح الجيش اللبناني بالتنسيق مع الجانب السوري في تنظيف بعض المناطق، مثل معربون، وحصر الأنشطة غير الشرعية بين معبر جوسيه ومنطقة قنافذ قرب الهرمل".
وقال ملاعب، لموقع "الحرة"، إن "هذه المنطقة أصبحت بؤرة تهريب نتيجة تعاون سابق بين حزب الله والنظام السوري مع غياب السلطة اللبنانية على تلك الحدود".
"خطوة ضرورية" ويبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 300 كيلومتر. وتشمل مناطق متعددة تتميز بتضاريسها الصعبة والمعقدة، مما يجعل من الصعب تحديد الحدود بشكل دقيق ومنظم دون تعاون حكومي مشترك بين البلدين لإنهاء الملفات الحدودية العالقة.
وأضاف ملاعب أن "التهريب ليس ظاهرة جديدة، لكنه تفاقم بعد فرض قانون قيصر على سوريا، حيث أصبح التهريب وسيلة لتوفير السلع الأساسية عبر معابر غير شرعية يديرها المهربون بحماية مسلحين".
وأكد أن "الجيش اللبناني يعمل على إغلاق هذه المعابر، إلا أن المهربين غالبا ما يعيدون فتحها بدعم من قوى مسلحة".
الخبير العسكري يضيف أيضا أن "العشائر اللبنانية، التي تسكن قرى داخل الأراضي السورية تضم حوالي 10,000 لبناني، أعلنت دعمها للجيش اللبناني، ما ساهم في تعزيز الأمن على الحدود"، لكنه يشير إلى أن المهربين لايزالون يمثلون تهديدا، وأن المواجهة معهم قد تستمر لفترة أطول حتى يتم القضاء على نشاطاتهم بالكامل.
ولذلك يشدد على أهمية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا كخطوة أساسية لحل المشاكل الحدودية، مشيرا إلى أن "هذه القضية تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، حيث وضعت 13 قرية لبنانية تحت الإدارة السورية لأسباب استراتيجية. ولفت إلى أن المحاولات السابقة لترسيم الحدود، خصوصا خلال عهد الرئيس ميشال سليمان، لم تنجح بسبب رفض النظام السوري لعملية الترسيم".
وكذلك شدد العميد الركن المتقاعد، جورج نادر، على ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين، خاصة أن هناك مناطق متداخلة، ويقول "ترسيم الحدود من شأنه أن يحدد بوضوح السيادة لكل طرف، خصوصا في المناطق الشرقية المتنازع عليها".
كما شدد أن ضبط الحدود الشرقية "يتطلب جهودا لوجستية كبيرة"، مشيرا إلى صعوبة الوصول إلى تلك المناطق بسبب طبيعتها الوعرة والظروف المناخية القاسية في فصل الشتاء.
ومع ذلك، قال لعميد الركن المتقاعد إن "الجيش اللبناني قادر على ضبط الوضع من جانبه".
وأشار، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن الجيش اللبناني يواجه تحديات عدة تتمثل في ضبط حدوده الجنوبية والشرقية والشمالية، إضافة إلى منع الفلتان الأمني في الداخل، "ومع ذلك فإنه قادر على مواجهة كل هذه التحديات".
هل سوريا قادرة على الضبط؟ وتشي المعطيات القائمة على الحدود بعد مرور 4 أيام من الحملة الأمنية بأن قوات الإدارة السورية الجديدة بصدد إقامة نقاط مراقبة لتثبيت ما حققته على الأرض، خلال الأيام الماضية.
وستتركز هذه النقاط على نحو محدد في التلال الواقعة على الشريط الحدودي، من جهة القصير، كما يوضح الصحفي رعد نقلا عن مسؤولين عسكريين.
ورأى الخبير العسكري السوري، إسماعيل أيوب، أن "ضبط الحدود السورية-اللبنانية ليس بالأمر الصعب من طرف قوات الإدارة السورية الجديدة".
لكنه يقول في المقابل إن هذه العملية تبقى رهن "توفر قطاعات الجيش والعدد الكافي من المقاتلين"، مع وجود إجراءات مماثلة من قبل العسكر اللبناني.
وحتى لو كانت الحدود طويلة جدا بين سوريا ولبنان "تستطيع قوات الإدارة في دمشق أن تخصص لها لوائين فقط"، بحسب حديث أيوب لموقع "الحرة".
وأوضح أن "كل لواء يكون تعداد مقاتليه ما بين 3 آلاف و3 آلاف و500 مقاتل".
وتقدم الإدارة السورية الجديدة نفسها أنها قادرة على تولي ملف ضبط الحدود، ولكن يبقى الأجدى أن يكون هناك "تنسيق عالي المستوى بينها وبين الجيش اللبناني"، كما يعتقد الباحث السوري علوان.
ويعتبر أن "التصريحات الصادرة عن الجيش اللبناني وحتى الآن تشير إلى أن التنسيق إما منخفض ودون الحد المطلوب أو أنه كامل وغير معلن".
ماذا عن لبنان؟ وأكد الخبير الاستراتيجي، العميد المتقاعد ملاعب، أن "الجيش اللبناني يمتلك القدرة والإمكانات لضبط الحدود مع سوريا، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع الرواتب ومستوى المعيشة، اذ يشكل عماد للوطن".
وأوضح أن "المساعدات التي يتلقاها الجيش، وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، تلبي احتياجاته الأساسية، مما يُمكّنه من القيام بمهامه".
كما أشار الخبير الاستراتيجي إلى أن "انتشار أربعة أفواج برية على الحدود اللبنانية-السورية يُعد كافيا لتنفيذ مهمة ضبط الحدود"، لافتا إلى أن الحدود" كانت سابقا مفتوحة لحزب الله بين منطقة القلمون السورية والبقاع اللبناني، ما حال دون انتشار الجيش اللبناني بشكل مكثف كما ينبغي.
كما أن "غياب التعاون من قبل الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري السابقة، والتي كانت تعمل بتنسيق مع حزب الله، زاد من تعقيد مهمة الجيش اللبناني في تلك المرحلة"، بحسب ذات المتحدث.
ومن جهته، أشار العميد الركن المتقاعد نادر إلى أن الجيش اللبناني تمكن من ضبط الوضع داخل الأراضي اللبنانية، لكن المشكلة تكمن في الجانب السوري حيث "لا توجد مرجعية أمنية واضحة أي جيش رسمي.
فالجيش السوري تم حله، وأصبحت السلطة الأمنية بيد مجموعات متعددة من الميليشيات"، ومع ذلك أكد نادر أن "التنسيق بين الجانبين لا يزال موجودا عبر جهاز التنسيق الخاص. الضابط اللبناني يتواصل مع الجانب السوري، لكن المشكلة تكمن في غياب سلطة تنفيذية سورية واضحة".
"فرصة" وكانت الحدود السورية اللبنانية في عهد نظام الأسد، قد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".
ولم يكن أن يتم ذلك خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها لا تزال مستمرة حتى الآن.
وقال الخبير العسكري السوري أيوب إن "ضبط الحدود يجب أن يكون من الطرفين"، مضيفا: "المنطقة صعبة وحزب الله أسس فيها منذ سنوات. كما استغل العشائر هناك للعمل لصالحه".
وأعرب عن اعتقاده أن المعارك التي شهدتها الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا لها أسباب متعددة، مشيرا إلى أن "السبب المباشر يتمثل في وجود قرى داخل الأراضي السورية يقطنها لبنانيون من الطائفة الشيعية، تعرضوا إلى انتقام من المجموعات المسلحة السورية بهدف تهجيرهم بسبب تأييدهم لحزب الله".
أما السبب غير المباشر، فيتعلق بأن "الاشتباكات التي حدثت في تلك المناطق قد تحمل طابعا ظاهريا يوحي بأنها نزاعات بين العشائر والسوريين، إلا أن حزب الله هو الذي يواجه، مستغلا اسم العشائر لإرسال رسائل متعددة، من بينها تأكيد وجوده الفاعل، وقدرته على التحرك وحماية الحدود بسلاحه"، وفق العميد المتقاعد.
الخبير ملاعب، أشار إلى أن "السلطة السورية الجديدة تعهدت أمام القوى العربية والدولية بإغلاق ملف تهريب المخدرات كخطوة أولى نحو استعادة الدعم الدولي".
وقال إن "هذا الملف قد يكون بوابة لدعم الإدارة السورية الجديدة، في حال الالتزام بتنفيذ الوعود، وقد يفتح الباب أمام ترسيم الحدود مستقبلاً".
وعلى الصعيد اللبناني، اعتبر ملاعب أن "انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة لبنانية جديدة يمثلان فرصة لإعادة القرار السياسي إلى مساره الطبيعي"، ويصف هذا التطور بأنه "إنجاز مهم للبنان"، الذي عانى طويلا من تهريب السلع والمخدرات عبر حدوده مع سوريا.
وأوضح أيضا أن "لبنان كان إحدى الوجهات الأساسية لعمليات التهريب من سوريا"، وأن "ضعف نفوذ حزب الله وتشكيل حكومة تمثل جميع الأطياف اللبنانية يحدّ من قدرة الحزب على الاستفادة من هذه الأنشطة غير المشروعة".
كما شدد ملاعب على أهمية "صياغة استراتيجية دفاعية وطنية مبنية على مفهوم الأمن القومي، يتم اعتمادها عبر الحكومة ويوافق عليها المجلس النيابي"، وزاد أن "هذا النهج يمكن أن يساهم في تحسين الوضع العربي والدولي للبنان وسوريا على حد سواء، ويعيد الانتظام الإداري في المؤسسات اللبنانية، من الجمارك إلى الأمن والجيش، ما يعزز استقرار البلاد".