تعرفة ترامب... حتى التكنولوجيا لم تسلم

  • شارك هذا الخبر
Saturday, February 8, 2025

لا يقتصر تأثير السياسات الأميركية المتسارعة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ توليها السلطة في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي على الداخل الأميركي والدول المستهدفة بعقوبات فرض رسوم وتعريفة جمركية على صادراتها فحسب، ولا حتى على الاقتصاد العالمي ككل ومستقبل العولمة فحسب، إنما تشكل تلك السياسات معضلة لشركات الاستشارات للأعمال ومؤسسات التصنيف الائتماني الكبرى.

ففي ظل حال عدم اليقين وصعوبة توقع الخطوة التالية للإدارة الأميركية، ومن ثم فإن ردود فعل الشركاء عليها، يصعب على تلك المؤسسات وضع تصورات وتقديرات لأداء الاقتصادات المختلفة والتصنيف السيادي للديون وتصنيف الشركات. وتمثل عملية التصنيف أساساً مهماً لقدرة الدول والشركات والأعمال على وضع استراتيجياتها المستقبلية للنشاط والأداء.

وأصدرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع تقريراً مطولاً حول تأثير فرض التعريفة الجمركية التي أعلنها الرئيس ترمب على قطاع التكنولوجيا والإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات. وصدرت المؤسسة تقريرها بشرح واف لبيان كيفية أنها لا تستطيع حالياً تقدير تأثير فرض التعريفة الجمركية على الوضع التصنيفي للكيانات المصنفة لديها، ومع ذلك يضع التقرير تصورات لتأثير تلك العقوبات، خصوصاً على قطاع التكنولوجيا والإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات في ضوء ما حدث مطلع هذا الشهر مع التحفظ الشديد في شأن الاحتمالات المستقبلية.

الأضرار على التكنولوجيا

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوامر تنفيذية بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات الولايات المتحدة من المكسيك وكندا والصين، مع استثناء واردات الطاقة الكندية لأميركا بأن تكون التعريفة الإضافية المفروضة عليها 10 في المئة. وقبل موعد إنفاذ القرار في الرابع من فبراير (شباط) الجاري، بيوم واحد علق البيت الأبيض فرض الرسوم والتعريفة الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر، بعدما أعلن ترمب التوصل إلى اتفاق في شأن مراقبة الحدود بين البلدين وأميركا.

أما العقوبات على الصين فبدأ تنفيذها في موعدها الأسبوع الماضي، وردت الصين بفرض رسوم وتعريفة جمركية على واردات من أميركا بنسب تنفذ من الـ10 فبراير، وفتحت السلطات الصينية تحقيقات في اتهامات بالاحتكار وانتهاك المنافسة ضد شركة "غوغل" التي تملكها مجموعة "ألفابيت" الأميركية.

تضاف العقوبات الجديدة إلى عقوبات مفروضة من قبل على بكين، سواء في فترة رئاسة ترمب الأولى أو خلال فترة رئاسة جو بايدن في أربعة أعوام الماضية. وفور إعلان البيت الأبيض القرار، أعلنت الصين فرض عقوبات بنسبة 10 في المئة على واردات النفط وآليات تستخدم في الزراعة والغاز الطبيعي المسال وبعض أنواع السيارات والشاحنات من الولايات المتحدة، وفرضت قيوداً على تصدير بعض المعادن المهمة للولايات المتحدة مثل "التنغستين" المستخدم في صناعة كثير من الإلكترونيات وأشباه الموصلات.

بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي فإن واردات أميركا من المنتجات التكنولوجية من كندا ليست كبيرة بما يؤدي إلى أضرار مهمة، لكن نسبة 70 في المئة من أجهزة الكمبيوتر الشخصي وأجهزة التلفزيون التي تستوردها الولايات المتحدة من العالم تصنع وتجمع في المكسيك، وزادت تلك النسبة عما كان عليه الوضع في فترة رئاسة ترمب الأولى، مما يعني زيادة انكشاف السوق الأميركية على واردات تلك السلع التكنولوجية من المكسيك.

المشكلات مع الصين

رغم أن انكشاف السوق الأميركية على واردات منتجات التكنولوجيا من الصين تراجع قليلاً عن فترة رئاسة ترمب الأولى، فإن الواردات من منتجات مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول والكمبيوتر اللوحي (تابلت) وأجهزة ألعاب الفيديو الصينية لا تزال تشكل نسبة 75 في المئة من واردات أميركا عالمياً من تلك المنتجات.

في فترة رئاسة دونالد ترمب الأولى (2016 – 2020) فرضت رسوماً جمركية على بعض مكونات المنتجات التكنولوجية الصينية مثل مفاتيح التحويل و"الراوتر" و"الموديم" والأقراص الصلبة للكمبيوتر وقطع كمبيوتر أخرى بنسبة 25 في المئة، وفرضت وقتها تعريفة جمركية بنسبة 10 في المئة على سلع تكنولوجية صينية مثل الهواتف الذكية وأجهزة خوادم الشبكات والكمبيوتر المحمول والطابعات وأجهزة ألعاب الفيديو، إلا أن أياً من تلك العقوبات لم يطبق إطلاقاً تقريباً.

ومع أن التغيير في سلاسل التوريد والإمدادات الذي بدأ في الأعوام الأخيرة جعل شركات أميركية تنقل تصنيع بعض منتجاتها من الصين إلى الهند وفيتنام وغيرها من الدول الآسيوية، وحتى إلى بعض دول أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، إلا أن قدراً كبيراً من سلاسل الإمداد العالمية يظل مصدره الصين، فضلاً عن المنتجات الصينية تماماً التي تغزو الأسواق العالمية ومنها السوق الأميركية.

ويتوقع تقرير "ستاندرد أند بورز" أن يستمر التوتر والمشكلات بين الولايات المتحدة والصين، ومن ثَم يحذر التقرير من أن الأضرار المحتملة الآن على قطاع التكنولوجيا والإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات ستزيد بصورة واضحة مع طول مدة العقوبات وفرض الرسوم الجمركية، واحتمال تصعيد الحرب بين أكبر اقتصادين في العالم. ومما يعزز ذلك التوقع المفاجأة الأخيرة بطرح الصين تطبيقاً للذكاء الاصطناعي "ديب سيك" تفوق على تطبيقات شركة "أوبن أي آي" الأميركية مع قلة كلفته بشدة واعتماده على رقائق إلكترونية أقل تطوراً.

تبعات على الاقتصاد العالمي

في حال مضت إدارة ترمب قدماً في فرض رسوم وتعريفة جمركية على أوروبا أيضاً بنسبة 10 في المئة كما رددت سابقاً، فإن التبعات على الاقتصاد العالمي، خصوصاً قطاع التكنولوجيا قد تدفع شركات التصنيف الائتماني لمراجعة تصنيفات شركات القطاع. ورغم أن تقدير المؤسسة بأن الشركات ستحمل المستهلك النهائي الكلفة الإضافية لتلك الرسوم والتعريفة الجمركية فإنها تتوقع أن تكون الزيادة محتملة، خصوصاً بالنسبة إلى المنتجات من الشركات الكبيرة مثل شركة "أبل" وغيرها، ذلك على اعتبار أن تلك الشركات تحاول الحفاظ على قاعدة زبائنها بالتعاون مع الموزعين وغيرهم في سلسلة الإمداد لضمان استمرار الولاء لمنتجاتها.

لكن إذا توسعت الإدارة الأميركية في فرض الرسوم والتعريفة الجمركية على بقية شركائها التجاريين، فإن ذلك سيسبب ضرراً كبيراً لقطاع التكنولوجيا في دول أوروبا، وربما يدفعها ذلك نحو زيادة التعامل مع الصين على حساب تعاملها مع الولايات المتحدة، وستكون النتيجة أضراراً على الطرفين على جانبي المحيط الأطلسي، وربما لمصلحة الصين.

تقدر مؤسسة "ستاندرد أند بورز" أن يكون معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2025 عند نسبة 3.2 في المئة في المتوسط، وذلك أقل قليلاً من معدلات النمو المقدرة للعام الماضي 2024 عند نسبة 3.3 في المئة، ويتوقع فريق البحث في المؤسسة ارتفاع الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات هذا العام بنسبة تسعة في المئة، أي أكثر قليلاً من نسبة ارتفاعه العام الماضي إذ كان عند نسبة ثمانية في المئة.

وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بصورة عامة يمكن لفرض الرسوم والتعريفة الجمركية من قبل الإدارة الأميركية أن يضر بشدة بالإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات، في الأقل بما يؤدي إلى تراجع نسبة النمو السنوية فيه كما هو متوقع سلفاً.

يتضمن تقرير المؤسسة نماذج للشركات والمنتجات التكنولوجية التي قد تعاني أكبر الضرر، خصوصاً تلك الشركات التي تعمد في تصنيع المنتجات على مكونات تستورد من الصين أو تلك التي تصنع وتجمع منتجاتها في الصين، فضلاً عن الشركات الصينية. وبنظرة سريعة على تلك النماذج، من شركة "أبل" وشركة "لينوفو" إلى شركة "هواوي"، يتضح أن الشركات الصينية ربما تكون أقل انكشافاً على الخسائر من نظيراتها الأميركية، لكن يبقى أن الضرر النهائي سيتحمله المستهلك لمنتجات التكنولوجيا ليس فقط في البلد الذي يفرض التعريفة الجمركية والبلدان التي تفرض عليها لكن في بقية أسواق العالم كله تقريباً.


اندبندنت عربية