الانقلاب على "الانقلاب": الزحف نحو الجنوب وفي شوارع بيروت- بقلم غادة حلاوي

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 27, 2025

أبدى الجنوبيون تصميماً لافتاً للعودة إلى بلداتهم وقراهم في جنوب لبنان، بالرغم من حجم الضحايا الذين سقطوا جراء الاعتداءات الاسرائيلية على المدنيين العزل، الذين أرادوا العودة في مسيرات مدنية راجلة أو محمولة، مع انتهاء مدة الستين يوماً من الحرب الاسرائيلية على لبنان. هذا التصميم وجه رسائل متعددة الاتجاهات على المستويات المحلية، العربية والدولية.
يوم أحد محطة مفصلية. اختلطت فيه رسائل الأمن بالسياسة. لم تقتصر أبعاد اللحظات التاريخية التي وثقتها عدسات المصورين، على زحف الجنوبيين شوقاً لقراهم وبلداتهم التي كانت محتلة. حاكت مشهدية التداعي جنوباً، مشهدية غزة بتفاصيلها. لكأن المقصود التقاء الساحتين على إعلان واقع جديد منتفض على المشككين بالنصر في الحرب على إسرائيل.

التخلص من الاتفاق
تقصّد حزب الله، أن يصحح ما اعتبره خللاً في التعاطي السياسي معه في الداخل والخارج، يوم وقع اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل. ذاك الاتفاق الذي سلم بوجوده ولم يسلم بالقراءات التي ضيقت عليه الخناق، وخلطت ما بين شمال الليطاني وجنوبه. منذ إعلانه، إثر الالتزام به وعدم خرقه رغم المحاولات الإسرائيلية لإحراجه من خلال انتهاك الاتفاق بالاعتداءات المستمرة أو بالانقلاب على الاتفاق، واستمرار تواجده على نقاط معنية في الجنوب.

تقصد حزب الله الالتزام ببنود الاتفاق، وطوال فترة الستين يوماً كان يتوقع تخلف إسرائيل عن الانسحاب تطبيقاً لمندرجاته، بينما فشلت السبل الديبلوماسية لإلزامها بذلك. كانت التحضيرات اكتملت لملاقاة اللحظة. إجبار إسرائيل على الانسحاب بقوة الشعب الذي هو أساس المقاومة، وأن هذه المقاومة هي الشعب ولا يمكن الفصل بينهما أو اشتراط انسحابه إلى شمالي الليطاني. و من هنا، مبعث مقولة الحزب، ثلاثية جيش شعب ومقاومة، حيث تقدم الشعب في عمله المقاوم تبعه الجيش، فكان عملهما مكملاً. بامتناعها عن الانسحاب أنهت إسرائيل مفاعيل الاتفاق لوقف النار، لم يحرك الراعي الأميركي ساكناً. ومن كان ضامنه (أموس هوكشتاين) بات من الماضي. تلقف حزب الله اللحظة في ذروة النقاش الحكومي وبيانها الوزاري، وذاك البند الذي يتحدث عن ثلاثيته. لم يعد مهما ذكر المقاومة كمصطلح هنا. فالشعب يؤدي الغرض وهل يمكن إغفال حقه بالمقاومة؟

البيان الوزاري
كان المتوقع أن تتحرك الديبلوماسية الأميركية الفرنسية وحتى دول الخماسية لإلزام إسرائيل بالانسحاب كي تسحب من المقاومة الأوراق التي تقوي موقفها، فيتم إنقاذ بداية العهد ورئيسه الذي انتخب بلحظة اتفاق دولي إقليمي. التحرك الفرنسي لم يؤد غرضه، ملف لبنان لم يحن أوانه في جدول أعمال دونالد ترامب.

مشهدية الجنوب المعمدة بدم 22 شهيداً وأسر 6 مواطنيين من قبل إسرائيل وعشرات الجرحى، استكملها حزب الله بمسيرات لعشرات الدراجات النارية التي جالت المناطق وتسببت بإشكالات في أكثر من منطقة واستمرت حتى ساعات متأخرة من الليل، بينما كان الرصاص ملعلعاً في سماء الضاحية ومحيطها.

استفتاء ثان قريباً
القصة لم تنته فصولاً بعد، والموعد مع زحف إلى الجنوب سينطلق من البقاع في الساعات المقبلة من اليوم. جميعها رسائل توزعت في أكثر من اتجاه. جماهيرياً كان بمثابة استفتاء تعمده حزب الله للقول إنه هو والشعب توأمان، سيكتمل فصله الثاني في مراسم تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والذي يريد أن يحاكي حزب الله من خلاله العالم كدلالة على قوة حضوره وتمثليه.

ولم يكن تشكيل الحكومة بعيداً عن تلك الرسائل التي حملها أحد الانقلاب على اتفاق وقف النار، فانقلاب مماثل يريده الثنائي في وجه أي صيغة حكومية تفرض عليه تمثيلاً من خارجه بحجة رفض توزير سياسيين في الحكومة. خلال الاجتماع الذي جرى بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف نواف سلام، كان الحديث صريحاً بأن الأمور لا تمشي بالشكل الذي يريده الأخير ومن خلفه. حمل سلام إلى بري ثلاثة أسماء ليختار من بينها لحقيبة المالي: طلال فيصل سلمان، رائد شرف الدين، ولمياء مبيض. رفضهم بري الذي بقي مصرا على توزير ياسين جابر.

وان كانت عقبات التشكيل ليست محصورة بالثنائي، بالنظر إلى رفض سلام منح التيار حصة وازنة في الحكومة توازي حصة القوات اللبنانية، إلا أن عقدة المالية تعد الأقوى بنظر المشكلين.

هنا أيضاً، كانت رسالة حزب الله لأن يثبت حضوره وكلمته في الحكومة، فيؤكد رفض أي محاولة لفرض حكومة أمر واقع قد يتحمس لها الرئيس المكلف، بينما سيعارضها رئيس الجمهورية جوزاف عون.

إذاً في أحد الزحف إلى الجنوب ثبت حزب الله حضوره في جنوب الليطاني، وضع الفريق المفاوض على الاتفاق وقبل بترتيباته أمام امتحان إثبات عدم وجود تنازلات مخفيّة في الاتفاق تؤخر الانسحاب، ووضع الدولة أمام مسؤولياتها من ناحية احترام السيادة وتثبيت حضور الجيش، وتشكيل حكومة قادرة على المواجهة سياسياً وعسكرياً.

يوم انقلاب الحزب على "الانقلاب" الذي كان يرى خطوات استكماله في الحكومة، انتهى شعبياً، لتبدأ بلورته في الاستثمار السياسي، بدءا من الاتفاق مع إسرائيل إلى تشكيل الحكومة المطلوب أن تكون حكومة سياسية مع وجوه موثوقه. هنا أيضاً، وفي السياسة، لا يمكن فصل المشهدية عن لقاءات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، التي طلب فيها تشكيل الحكومة بأسرع وقت ولو كانت حكومة أمر واقع، أي على حساب الوقوف على خاطر الثنائي.