عن إنتهاء الفراغ الرئاسي في لبنان.. تقرير لمركز الحبتور للأبحاث

  • شارك هذا الخبر
Friday, January 10, 2025

نشر مركز الحبتور للأبحاث تقرير كان قد كتب عن الجلسة الإنتخابية الرئاسية 2025 التي عقدت يوم أمس جاء فيه:

جدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري دعوته إلى عقد جلسة عامة للمجلس في التاسع من يناير 2024 لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد دخول الفراغ الرئاسي عامه الثالث، وتأتي هذه الدعوة مع استمرار أزمة شغور منصب الرئيس في لبنان منذ 31 أكتوبر 2022، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون الذي أنهت ولايته فراغًا رئاسيًا دام 29 شهرًا بعد 45 محاولة سبقت انتخابه للوصول للنصاب القانوني، و منذ الفراغ الحالي، عجز المجلس عن اختيار رئيس بعد أثني عشر جلسة كان أخرها في 14 يونيو 2024، مما يعكس تعقيدات العملية السياسية في البلاد.


كما لم تنجح المبادرات الداخلية في الآونة الأخيرة في إنهاء الشغور والتوافق على مرشح، كما لم تتوقف مساعي ممثلي الدول الخمس -الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر- لمحاولة تذليل العقبات التي تحول دون توافق القوى السياسية على التوصل إلى آلية تنهي معضلة الشغور.


ومع استمرار عدم اليقين حول هوية الرئيس المقبل، تتداول الأوساط السياسية في لبنان عدة أسماء مرشحة من بينهم قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، الذي تتجه الأنظار بقوة صوبه باعتباره مرشحًا توافقيًا محتملًا بشكل كبير. و تُطرح الجلسة القادمة آمال كبيرة في أن تسفر عن نتائج إيجابية واختيار اسم بعينه لساكن قصر بعبدا الجديد، مما يطرح تساؤلات حول قدرة القوي السياسية على حسم الفراغ الرئاسي والاتفاق على مرشح في ضوء التغيرات السياسية الحالية في لبنان والمنطقة؟

ليست المرة الأولي
شهدت الانتخابات الرئاسية اللبنانية في السنوات الأخيرة تحديات في انتخاب رئيس نتيجة الانقسامات السياسية العميقة، مما أدى إلى فراغ رئاسي في بعض الأحيان. يُظهر تاريخ لبنان أن انتخاب رئيس الجمهورية غالبًا ما يكون عملية شاقة ومعقدة، تتأثر بالانقسامات السياسية والتدخلات الخارجية.



تاريخيًا، شهد لبنان عدة حالات مهمة من الفراغ الرئاسي، وخاصة خلال فترات عدم الاستقرار السياسي والصراع، حيث واجه لبنان تحديات مماثلة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، والتي شهدت حالات متعددة من الشغور الرئاسي. حيث تميزت الحرب الأهلية بانهيار النظام السياسي واغتيال الرئيس بشير الجميل في عام 1982، مما ترك الرئاسة شاغرة لفترات طويلة. كما أدت صراعات القوة بين الفصائل المختلفة ونفوذ القوى الأجنبية، وخاصة سوريا وإسرائيل، إلى تفاقم الفراغ السياسي. إلى أن تم التوصل إلى اتفاق الطائف في عام 1989 الذي هدف إلى استعادة النظام السياسي وشمل أحكامًا للرئاسة، لكن التوترات الطائفية الأساسية استمرت في فرض تحديات على الحكم المستقر.



وقد حدثت حالة أخرى مهمة في عام 2007، عندما انتهت فترة ولاية الرئيس إميل لحود دون انتخاب خليفة له. وكان هذا الوضع مرة أخرى نتيجة للجمود السياسي، حيث لم تتمكن القوي السياسية المتنافسة من الاتفاق على مرشح، مما أدى إلى فراغ طويل استمر حتى انتخاب ميشال سليمان في عام 2008. وقد سلط الشلل السياسي خلال هذه الفترة الضوء على هشاشة النظام السياسي في لبنان، والذي يعتمد غالبًا على الإجماع بين مجموعاته الطائفية المتنوعة.



وكانت أحدث وأبرز حالة من الفراغ الرئاسي بين مايو 2014 وأكتوبر 2016، عندما ظل لبنان بلا رئيس لأكثر من عامين. وقد نشأ هذا الوضع بسبب الجمود السياسي بين القوي السياسية المختلفة داخل البرلمان اللبناني، والتي فشلت في انتخاب خليفة للرئيس ميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في مايو 2014. وقد اتسم الفراغ بعدم وجود توافق بين الكتل السياسية الرئيسية، مما يعكس الانقسامات الطائفية العميقة الجذور وتأثير القوى الخارجية في السياسة اللبنانية. وقد أدى غياب الرئيس خلال هذه الفترة إلى تحديات كبيرة في مجال الحكم، بما في ذلك عدم القدرة على تمرير التشريعات الحاسمة ومعالجة القضايا الوطنية الملحة مثل الأمن والاستقرار الاقتصادي. في عام 2016، ووصل عون إلى رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف العام من شغور رئاسي واستناداً إلى تسوية سياسية بين حزب الله.


ومنذ عام 2016، أصبح من المتعارف عليه أن يدعو رئيس مجلس النواب إلى جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، حتى في حال عدم اكتمال النصاب أو عدم الوصول إلى نتيجة.


مركز الحبتور للأبحاث
×
الصفحة الرئيسية → البرامج البحثية → الدراسات السياسية → عود على بدء: هل ينتهي الفراغ الرئاسي في لبنان؟

الانتخابات الرئاسية في لبنان إسرائيلالمملكة العربية السعوديةالولايات المتحدة الأمريكيةفرنساقطرلبنانمصر
عود على بدء: هل ينتهي الفراغ الرئاسي في لبنان؟
8 يناير 2025
كتب بواسطة
مصطفى أحمد
جدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري دعوته إلى عقد جلسة عامة للمجلس في التاسع من يناير 2024 لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد دخول الفراغ الرئاسي عامه الثالث، وتأتي هذه الدعوة مع استمرار أزمة شغور منصب الرئيس في لبنان منذ 31 أكتوبر 2022، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون الذي أنهت ولايته فراغًا رئاسيًا دام 29 شهرًا بعد 45 محاولة سبقت انتخابه للوصول للنصاب القانوني، و منذ الفراغ الحالي، عجز المجلس عن اختيار رئيس بعد أثني عشر جلسة كان أخرها في 14 يونيو 2024، مما يعكس تعقيدات العملية السياسية في البلاد.


كما لم تنجح المبادرات الداخلية في الآونة الأخيرة في إنهاء الشغور والتوافق على مرشح، كما لم تتوقف مساعي ممثلي الدول الخمس -الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر- لمحاولة تذليل العقبات التي تحول دون توافق القوى السياسية على التوصل إلى آلية تنهي معضلة الشغور.


ومع استمرار عدم اليقين حول هوية الرئيس المقبل، تتداول الأوساط السياسية في لبنان عدة أسماء مرشحة من بينهم قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، الذي تتجه الأنظار بقوة صوبه باعتباره مرشحًا توافقيًا محتملًا بشكل كبير. و تُطرح الجلسة القادمة آمال كبيرة في أن تسفر عن نتائج إيجابية واختيار اسم بعينه لساكن قصر بعبدا الجديد، مما يطرح تساؤلات حول قدرة القوي السياسية على حسم الفراغ الرئاسي والاتفاق على مرشح في ضوء التغيرات السياسية الحالية في لبنان والمنطقة؟

ليست المرة الأولي
شهدت الانتخابات الرئاسية اللبنانية في السنوات الأخيرة تحديات في انتخاب رئيس نتيجة الانقسامات السياسية العميقة، مما أدى إلى فراغ رئاسي في بعض الأحيان. يُظهر تاريخ لبنان أن انتخاب رئيس الجمهورية غالبًا ما يكون عملية شاقة ومعقدة، تتأثر بالانقسامات السياسية والتدخلات الخارجية.



تاريخيًا، شهد لبنان عدة حالات مهمة من الفراغ الرئاسي، وخاصة خلال فترات عدم الاستقرار السياسي والصراع، حيث واجه لبنان تحديات مماثلة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، والتي شهدت حالات متعددة من الشغور الرئاسي. حيث تميزت الحرب الأهلية بانهيار النظام السياسي واغتيال الرئيس بشير الجميل في عام 1982، مما ترك الرئاسة شاغرة لفترات طويلة. كما أدت صراعات القوة بين الفصائل المختلفة ونفوذ القوى الأجنبية، وخاصة سوريا وإسرائيل، إلى تفاقم الفراغ السياسي. إلى أن تم التوصل إلى اتفاق الطائف في عام 1989 الذي هدف إلى استعادة النظام السياسي وشمل أحكامًا للرئاسة، لكن التوترات الطائفية الأساسية استمرت في فرض تحديات على الحكم المستقر.



وقد حدثت حالة أخرى مهمة في عام 2007، عندما انتهت فترة ولاية الرئيس إميل لحود دون انتخاب خليفة له. وكان هذا الوضع مرة أخرى نتيجة للجمود السياسي، حيث لم تتمكن القوي السياسية المتنافسة من الاتفاق على مرشح، مما أدى إلى فراغ طويل استمر حتى انتخاب ميشال سليمان في عام 2008. وقد سلط الشلل السياسي خلال هذه الفترة الضوء على هشاشة النظام السياسي في لبنان، والذي يعتمد غالبًا على الإجماع بين مجموعاته الطائفية المتنوعة.



وكانت أحدث وأبرز حالة من الفراغ الرئاسي بين مايو 2014 وأكتوبر 2016، عندما ظل لبنان بلا رئيس لأكثر من عامين. وقد نشأ هذا الوضع بسبب الجمود السياسي بين القوي السياسية المختلفة داخل البرلمان اللبناني، والتي فشلت في انتخاب خليفة للرئيس ميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في مايو 2014. وقد اتسم الفراغ بعدم وجود توافق بين الكتل السياسية الرئيسية، مما يعكس الانقسامات الطائفية العميقة الجذور وتأثير القوى الخارجية في السياسة اللبنانية. وقد أدى غياب الرئيس خلال هذه الفترة إلى تحديات كبيرة في مجال الحكم، بما في ذلك عدم القدرة على تمرير التشريعات الحاسمة ومعالجة القضايا الوطنية الملحة مثل الأمن والاستقرار الاقتصادي. في عام 2016، ووصل عون إلى رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف العام من شغور رئاسي واستناداً إلى تسوية سياسية بين حزب الله.


ومنذ عام 2016، أصبح من المتعارف عليه أن يدعو رئيس مجلس النواب إلى جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، حتى في حال عدم اكتمال النصاب أو عدم الوصول إلى نتيجة.



حالات الفراغ الرئاسي في لبنان
Table with 7 columns and 4 rows.
الفترة الزمنية مدة الفراغ الرئيس السابق الرئيس الجديد أسباب الفراغ أبرز الأحداث تداعيات الفراغ
1 1988-1989 حوالي عام أمين الجميل رينيه معوض انتهاء ولاية الرئيس دون اتفاق على خلفية الحرب الأهلية اغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوض بعد 17 يومًا من انتخابه تفاقم الانقسامات السياسية، زيادة حالة عدم الاستقرار
2 2007-2008 حوالي 6 أشهر إميل لحود ميشال سليمان انقسام سياسي حاد بين قوى 8 آذار و 14 آذار اتفاق الدوحة توترات سياسية وأمنية، تعطيل المؤسسات الدستورية
3 2014-2016 حوالي سنتين ونصف ميشال سليمان ميشال عون انقسامات سياسية وتداعيات الحرب في سوريا أطول فترة فراغ رئاسي في تاريخ لبنان شلل في المؤسسات، تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية
4 2022- حتى الآن حوالي ثلاث سنوات ميشال عون غير معلوم أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، انقسامات سياسية حادة استمرار الفراغ حتى الآن تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، شلل شبه كامل في المؤسسات الدستورية
رسمبياني: مركز الحبتور للأبحاثGet the dataCreated with Datawrapper


تُظهر هذه الحالات أن الفراغ الرئاسي في لبنان غالبًا ما يكون نتيجةً التفاعل بين السياسة الطائفية والتأثيرات الخارجية والضعف المؤسس، وهو ما يؤدي هذا الفراغ إلى تفاقم الأزمات وتعطيل عمل المؤسسات، مما يهدد استقرار البلاد ومستقبلها. ففي الحالة الأخيرة عجز البرلمان على اختيار رئيسًا للبلاد بعد عدة محاولات نتيجة عدم وجود تحالف سياسي في البرلمان يكفي بمفرده من المقاعد ما يحسم الاختيار، مما يتطلب تفاهم بين الكتل المتنافسة من أجل الاتفاق على مرشح

آلية انتخاب الرئيس في لبنان
ينتخب رئيس الجمهورية في لبنان وفقًا للدستور اللبناني من قبل مجلس النواب. وتبدأ العملية بدعوة رئيس مجلس النواب لجلسة انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي بشهر أو شهرين على الأكثر. وفي حال عدم توجيه الدعوة، يجتمع المجلس تلقائيًا في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس.



وتنص المادة 73 من الدستور اللبناني “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، فيما تشير المادة 75 إلى أنه يعتبر مجلس النواب الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر”، كما يبدو واضحاً من المواد المذكورة من الدستور اللبناني أن الاستحقاق الرئاسي استحقاق دستوري، ويجب على المجلس النواب إجراؤه قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ولكن لم يتمكن للبنان من بعد “اتفاق الطائف” الذي تم التوصل إليه في عام 1989 أن ينجز الانتخابات الرئاسية بموعدها المحدد، وعادة ما يشهد كرسي الرئاسة إما تمديداً أو فراغاً، وذلك بسبب التعقيدات السياسية والطائفية القائمة على نظام التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية مما يزيد من تعقيدات هذه العملية ويجعل اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليف شخصية بتشكيلها يستغرق في العادة أشهراً عدة.



ولم يشير الدستور اللبناني إلى وجود مسار محدد يتعين على المرشحين اتباعه لتقديم ترشيحاتهم، مما يعني أن دعم الكتل النيابية لأسم معين يُعتبر العامل الحاسم الذي قد يقرب هذا المرشح من الوصول إلى قصر بعبدا الرئاسي.



وفقًا لنص المادة 49 من الدستور اللبناني “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح



ويُجرى التصويت بالاقتراع السري، حيث ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب (86 صوتًا للفرز من أصل 128) من أجل التصويت للرئيس في الدورة الأولي، و بالغالبية المطلقة في الدورة الثانية.



وفي كل مرة يحضر النواب ويشاركون في الجلسة الأولى التي لا يُنتخب فيها أحد ثم ينسحبون، فيُفقد النصاب لعقد جلسة ثانية، وهكذا دواليك، هذا مع الإشارة إلى أن هناك جدلاً واسعاً في لبنان بشأن حجم النصاب المطلوب في الجلسة الثانية، لكنها مسألة لا تغيّر شيئا في جوهر أسباب الفراغ.

معضلة التوافق على الرئيس القادم
تواجه عملية انتخاب الرئيس الجديد في لبنان مجموعة من التحديات المعقدة التي تتعلق بالأوضاع الداخلية والخارجية. من أبرز هذه التحديات هو عدم التوافق السياسي بين القوى اللبنانية. حيث تسود حالة من الانقسام حول المرشح المناسب للرئاسة، مما يجعل الوصول إلى توافق أمرًا صعبًا. الثنائي الشيعي، المتمثل في حركة أمل وحزب الله، يتمسك بترشيح سليمان فرنجية، بينما يدعم آخرون، مثل وليد جنبلاط، قائد الجيش جوزيف عون، ومع عدم وجود فصيل سياسي يمتلك الأغلبية الكافية لإيصال مرشحه إلى الرئاسة، يصبح التوافق بين الكتل النيابية أمرًا ضروريًا.



و في إطار البحث عن حلول لتسوية الأزمة الرئاسية في لبنان، طرح اسم العماد جوزيف عون كمرشح محتمل، حيث اقترح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اسمه ضمن ثلاثة أسماء بديلة عن سليمان فرنجية وميشال معوض نظرًا لقدراته على مواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها لبنان حاليًا. و في سياق المناقشات حول ترشيح العماد جوزيف عون للرئاسة، أبدى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع استعداده لانتخابه، بينما سبق أن أعلن رئيس البرلمان نبيه بري أن انتخاب عون يتطلب تعديل دستوري لتجاوز شرط الاستقالة قبل سنتين من موظفي الفئة الأولى.



تنص المادة 49 من الدستور اللبناني على شرط هام يمنع الموظفين الكبار، بما في ذلك العسكريين، من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أثناء وجودهم في الخدمة، ما لم يتركوا مناصبهم قبل ذلك بفترة زمنية محددة تصل إلى سنتين على الأقل. ومع ذلك، فقد تم في الماضي إجراء تعديلات أو استثناءات دستورية لتسهيل انتخاب قادة عسكريين مثل إميل لحود وميشال سليمان، مما قد يفتح الباب لمرشحين آخرين في المستقبل، ومع استقالة الحكومة، يُعتبر هذا التعديل مستحيلًا، مما يعني أن “الثنائي الشيعي” قد قطع الطريق على دعم ترشيح العماد عون.



ومن جانب أخر يحظى عون، بترحيب عربي ودولي، يُشاع أن الجانب الفرنسي قد طرح اسم قائد الجيش للرئاسة خلال اجتماع الدول الخمس المعنية بلبنان في باريس في فبراير الماضي، بهدف مناقشة الأزمة اللبنانية وتحقيق توافق حول مرشح توافقي. بالإضافة إلى دعم بعض اللبنانيين. إلا أن الانقسامات الداخلية بين السياسيين اللبنانيين تعيق التوافق على انتخابه وهو ما برز في أخر جلسة عندما حصل على صوت واحد فقط. بينما يعارض جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر وصهر الرئيس السابق ميشيل عون، وصول عون إلى الرئاسة، مبررًا ذلك بأنه خان الرئيس السابق.



في المقابل، يتمسك النواب الشيعة بمرشحهم سليمان فرنجية، رئيس تيار “المردة” والنائب والوزير السابق، و يُعتبر من أقدم المرشحين للاستحقاق الرئاسي في لبنان، حيث حصل على دعم “الثنائي الشيعي” المتمثل في “حزب الله” وحركة “أمل” منذ مارس 2023. وقد خاض فرنجية منازلة انتخابية واحدة فقط في يونيو 2024، خلال الجلسة الانتخابية الثانية عشرة، التي شهدت منافسة قوية بينه وبين مرشح المعارضة و”التيار الوطني الحر”، الوزير السابق جهاد أزعور. انتهت تلك الجلسة بفوز أزعور بـ59 صوتًا مقابل 51 صوتًا لفرنجية، قبل أن ينسحب نواب “الثنائي الشيعي” لإفقاد الدورة الثانية نصابها.



على الرغم من تراجع حظوظ فرنجية بشكل ملحوظ بعد الحرب الإسرائيلية على “حزب الله” وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان مقربًا منه، إلا أنه لم يعلن حتى الآن عن سحب ترشيحه. وفي آخر تصريح له، أكد فرنجية استمراره في المنافسة، مشيرًا إلى استعداده للتفاوض حول اسم مرشح آخر إذا تم التوافق عليه في جلسة التاسع من يناير 2025، ولكنه يشترط أن يكون الاسم المقترح وازنًا يتناسب مع المرحلة الحالية.



من بين المرشحين الآخرين وزير المالية السابق جهاد أزعور، الذي يتمتع بعلاقات واسعة مع الدول الغربية والعربية ولديه رؤية إصلاحية للاقتصاد اللبناني، لكنه يفتقر إلى دعم الثنائي الشيعي. كما يُعتبر المصرفي سمير عساف مرشحًا محتملاً بدعم من الرئيس الفرنسي ماكرون، لكن فرصه داخليًا تبدو ضئيلة.



سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، يترشح أيضًا للمنصب رغم إدراكه للمعارضة الواسعة له، وهو يمتلك أكبر عدد من النواب المسيحيين في البرلمان. وقد وضع شروطًا لقبول ترشيح عون، معربًا عن رغبته في معرفة برنامجه السياسي للرئاسة.



يُعتبر زياد بارود، الحقوقي والوزير السابق الذي شغل منصب وزير الداخلية في عام 2008، مرشحًا محتملًا للرئاسة اللبنانية. يُطرح اسمه كمرشح توافقياً، رغم عدم إعلان أي كتلة نيابية دعمها له، كما أنه لم يتلقَ أي رفض من الفرقاء السياسيين. يُعرف بارود بعلاقاته الجيدة مع معظم الأطراف السياسية، إلا أن ترشحه للبرلمان عام 2018 على لائحة “التيار الوطني الحر” أثر سلبًا على علاقاته ببعض أفرقاء المعارضة، خصوصًا بين المسيحيين.



في 12 ديسمبر 2024، أعلن النائب نعمة افرام، رئيس المجلس التنفيذي لمشروع “وطن الإنسان”، ترشحه لرئاسة الجمهورية وفق ثوابت معينة حددها. ورغم عدم تبني أي كتلة لترشيحه، إلا أن علاقته جيدة مع جميع قوى المعارضة ومع البطريركية المارونية، مما يعزز من فرصه كمرشح محتمل في ظل الظروف الحالية.

فرصة لن تتكرر
تُعتبر الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية فرصة سانحة حيث يشهد المشهد السياسي في لبنان حراكًا رئاسيًا واسعًا، لم تشهد السنة الماضية أي جلسة جدية لانتخاب للرئيس في لبنان، حيث أعطى “الثنائي الشيعي”، المكون من حركة “أمل” و”حزب الله”، الأولوية للقتال لدعم غزة في النصف الأول من العام، ثم للتصدي للحرب الموسعة التي شنتها إسرائيل على لبنان في النصف الثاني منه. هذا التركيز على القضايا العسكرية والإقليمية قد أثر على جدول أعمال الانتخابات الرئاسية، مما أدى إلى تأجيلها بشكل مستمر. علاوة على تراجع نفوذ حزب الله بعد الضربات التي تلقها من إسرائيل والتي قودت هيكله التنظيمي وانتهت بوقف إطلاق النار والانسحاب التدريجي من الجنوب اللبناني.



كما يتأثر إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالعوامل الإقليمية والعالمية. تشمل هذه العوامل التغيرات المحتملة في سوريا وخاصة بعد سقوط نظام الأسد التي لعبت دورًا هامًا في تحديد هوية الرئيس اللبناني في الماضي، بالإضافة إلى التطورات الدولية مثل ترقب العودة المحتملة للرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كما تشهد الساحة السياسية تحركات ملحوظة من قبل المجتمع الدولي.



وتعكس هذه الضغوط أهمية انتخاب رئيس جديد لتلبية تطلعات الشعب اللبناني واستعادة سيادة البلاد. حيث بدت رئاسة الجمهورية اللبنانية مرتبطة بشكل غير رسمي باتفاق وقف إطلاق النار، حيث يُعتبر انتخاب رئيس جديد مدخلاً أساسياً لإعادة انتظام المؤسسات الدستورية. يُتوقع أن تتبع هذه الخطوة تشكيل حكومة غير مسيطر عليها من قبل “حزب الله”، وقادرة على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة غير الشرعية. كان الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قد أكد على أهمية الإسراع في انتخاب رئيس لبناني، بينما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتخاب رئيس دون تأخير، حيث أرسل ممثله الخاص جان إيف لودريان إلى بيروت في إطار جهود مستمرة لحل الأزمة السياسية.



ختامًا، تؤكد الطبيعة المتكررة لهذه الفراغات على الحاجة إلى الإصلاحات لتعزيز الاستقرار السياسي وضمان الحكم الفعال في مواجهة الأزمات المتعددة الأوجه في لبنان، ومع ذلك لا يزال المشهد السياسي حول جلسة انتخاب الرئيس اللبناني غير واضح، وتُشير التوقعات إلى أن الجلسة القادمة قد تكون حاسمة، حيث يُحتمل أن يتم خلالها انتخاب رئيس جديد، في ضوء بعض الإشارات إلى إمكانية وجود توافق بين القوى السياسية حول اسم قائد الجيش اللبناني جوزيف عون كمرشح للرئاسة، ولكن يتوقف الموقف النهائي لـ الثنائي الشيعي – حزب الله وحركة أمل- من ترشيحه على ضمانات تتعلق بالوضع الأمني في الجنوب وإعادة الإعمار بعد الحرب الإسرائيلية.



مما يطرح ثلاث احتمالات رئيسية للجلسة المقبلة أما توافق المعارضة و”الثنائي الشيعي” على اسم قائد الجيش، أو تقاطع بين القوى المسيحية حول اسم ما، أو تشتت الأصوات خلال الجلسة كما حدث في ال 12 جلسة السابقة.



لذلك فإن نجاح الجلسة القادمة في انتخاب رئيس جديد قد يمهد الطريق لاستئناف عمل المؤسسات اللبنانية بشكل عاجل، مما يساعد على معالجة القضايا الملحة مثل إعادة الإعمار بعد النزاعات وتحسين العلاقات مع الدول العربية والغربية. بناءً على هذه العوامل، تُعتبر الجلسة القادمة فرصة حقيقية للبنان للخروج من حالة الشغور الرئاسي وتحقيق تقدم نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي، وإلا فإن لبنان سيواجه تهميشًا دوليًا ويدخل في حالة من الغموض.