قيادات حركة صوفية سنية نسائية اختفت - بقلم طارق أبو زينب

  • شارك هذا الخبر
Saturday, January 4, 2025

في أواخر الستينات، ظهرت في دمشق جماعة "القبيسيات"، وهي حركة صوفية سنية نسوية تأسّست على يد منيرة القبيسي تحت إشراف المفتي السوري أحمد كفتارو. بدأت هذه الجماعة بهدف نشر تعاليم الدين الإسلامي والقيم الروحية بين النساء، لكن سرعان ما تحوّلت إلى قوّة بارزة في المجتمع والسياسة السورية.

تمكّنت "القبيسيات" من جذب الطبقات الثرية والنخب السورية عبر استراتيجية مبتكرة، إذ أسّست مدارس خاصة تجمع بين التعليم الأكاديمي والمنهج الديني الصارم. ومن خلال هذه المؤسسات، تربّت أجيال من المؤيّدين المخلصين للنظام السوري، متجاوزة القيود التي فرضها حافظ الأسد على الأنشطة الدينية. كان الدعم الرسمي من النظام بمثابة دعم طويل الأمد لبناء قاعدة جماهيرية وفكرية قوية.

من الحياد إلى دعم الأسد

مع اندلاع الثورة السورية في 2011، اختارت "القبيسيات" الوقوف إلى جانب النظام السوري، لتصبح حليفاً رئيسياً له في الصراع ضد المعارضة. ووفقاً لمصادر مطلعة على الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، لم تكن "القبيسيات" مجرّد جماعة دينية، بل كانت جزءاً من شبكة تحالفات سرية ساعدت النظام على تعزيز سلطته. وأظهرت الجماعة ولاءها المطلق عبر لقاءات مع بشار الأسد في القصر الجمهوري بين 2011 و2024، حيث تم تعيين شخصيات بارزة في مناصب رسمية، مثل فرح حمشو التي أصبحت عضواً في مجلس الشعب، وسلمى عياش التي أصبحت معاوناً لوزير الأوقاف في 2014، وخلود سروجي مستشارة إعلامية في وزارة الأوقاف. وأسهمت هذه المناصب في تعزيز مكانة الجماعة داخل هيكل الدولة السورية، ما جعل ولاءها جزءاً أساسياً من معادلة القوى في البلاد.

الولاء والانضباط

تُدار "القبيسيات" بنظام هرمي صارم، يركّز على الولاء والانضباط التام. يتم تمييز حجاب المنتسبات بحسب الألوان التي تشير إلى مراتبهن داخل الجماعة، بدءاً بالأبيض للمبتدئات، وصولاً إلى الأزرق الداكن للقيادات العليا. وكانت هذه الهرمية أداة لبسط نفوذ الجماعة داخل سوريا وخارجها، حيث امتدّ تأثيرها إلى دول مثل الأردن ولبنان والكويت تحت مسميات مختلفة كـ "الطباعيات"، و "السحريات"، و "بيادر السلام".

ما بعد سقوط النظام

من أبرز سمات العلاقة بين "القبيسيات" والنظام السوري هو التقارب مع إيران، الذي بدأ مع بداية الثورة السورية. وفقاً لمصادر متخصصة في الحركات الإسلامية، كانت "القبيسيات" تشارك بانتظام في فعاليات مشتركة مع السفارة الإيرانية في دمشق. وأثار هذا التقارب تساؤلات حول أبعاده السياسية، وبخاصة مع الدعم الإيراني المستمرّ لنظام الأسد. كما عُرفت القيادية خلود سروجي بتمجيدها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ما عزز الشكوك حول تأثير هذا التحالف على نشاطات الجماعة.

وأشارت المصادر إلى أن السنوات الأولى للثورة شهدت انشقاقات داخل الجماعة بسبب موقفها الموالي للنظام وعلاقتها المثيرة للجدل مع إيران. هذه الانشقاقات أسفرت عن تأسيس "حرائر القبيسيات"، وهو تجمع داعم للثوّار في المناطق المحررة. ورغم تجنب "القبيسيات" في الماضي التورّط في السياسة، أظهر موقفهن خلال الثورة التحالفات العميقة مع النظام.

ورغم ذلك، يبقى مستقبل الجماعة غامضاً بعد سقوط النظام، حيث اختفت قياداتها من دمشق، وتُثار التساؤلات حول قدرتها على إعادة بناء وجودها في ظلّ التحوّلات السياسية. هل ستتمكن الجماعة من التكيّف مع الواقع الجديد؟ أم أن سقوط النظام سيطوي صفحتها نهائياً من التاريخ الديني والسياسي لسوريا؟


نداء الوطن