9 كانون: نقلب الصفحة أم نقلب البلد من جديد؟- بقلم صلاح سلام
شارك هذا الخبر
Monday, December 30, 2024
مازالت مناورات التذاكي والتشاطر تعرقل تظهير صورة الإنتخابات الرئاسية، رغم الإقتراب المضطرد لموعد الجلسة الإنتخابية، والذي تم تحديده نتيجة توافقات دولية وعربية، متممة لإتفاق وقف إطلاق النار في ٢٧ تشرين الثاني الماضي.
هذا الضياع المهيمن على أجواء الكتل النيابية يعود أساساً إلى الخلافات المستفحلة بين الأطراف السياسية، وفشل كل محاولات إيجاد أرضية للحد الأدنى من التشاور والحوار. فضلاً عن غياب رجال الدولة، الذين يُغلِّبون مصالح البلد على مصالحهم الشخصية، وحساباتهم الفئوية، ويسعون للتوصل إلى حلول خلاّقة للأزمات المتناسلة.
يُضاف إلى كل ذلك، عدم توحيد روزنامة الألويات الملحّة، لإنقاذ البلد من مهاوي الإنهيارات المتلاحقة، وإستمرار عمل بعض الأطراف الداخلية لمصلحة أجندات خارجية، ضاربين عرض الحائط بمصالح البلاد والعباد.
زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون للرياض شكلت إختراقاً في جدار المراوحة الفارغة التي يدور فيها الملف الرئاسي، لأنها إستنفرت رادارات الأطراف السياسية لرصد النتائج التي يمكن أن تسفر عنها، خاصة وأن قائد الجيش مازال في مقدمة المرشحين للرئاسة الأولى، ويحظى بدعم أميركي صلب، وتشجيع عربي ملحوظ في أكثر من عاصمة عربية.
الزيارة أحيطت بحفاوة مميّزة، بدءاً من الطائرة الخاصة التي وضعت بتصرف الجنرال للإنتقال إلى الرياض، إلى الإستقبال الخاص من قبل وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، الذي يُعتبر «رجل المهمات الصعبة» التي يكلفه بها شقيقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى المحادثات على مدى يومين كاملين مع أقرانه من المسؤولين العسكريين وكبار الأمنيين.
التكتم الذي أحيطت به المحادثات وما آلت إليه من نتائج،زادت من فضول الخصوم والمنافسين، لمعرفة إتجاهات رياح الإستحقاق الرئاسي، وتقييم حظوظ بقية المرشحين، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه. ولكن حركة الإتصالات النيابية والحزبية، بقيت على برودتها، ولم تحقق أي إختراق في جدار الإنقسامات الراهنة، خاصة على الصعيد الماروني، حيث لم تُفلح المساعي، التي بُذلت على أكثر من صعيد، في تحقيق أي تقارب بين القوات والتيار العوني، وما زالت السبل مقطوعة بين معراب والرابية، فيما أصوات النواب المسيحيين موزعة بين أكثر من كتلة.
واللافت في سياق موازٍ، أن الإتصالات المكثفة الناشطة بين النواب السنّة قد حققت تقدماً، يمكن المراهنة على تعزيزه، عشية الجلسة الإنتخابية، بحيث يضم نصف عدد النواب السنّة على الأقل، أبدوا إلتزامهم بالإدلاء بأصواتهم لمرشح واحد٬هو غالباً قائد الجيش حتى الآن، وإذا لم تحصل تغيّرات خارجية مفاجئة، وبذلك يكون السنّة قد إستعادوا دورهم الوازن في الإستحقاقات الدستورية، وإعتُبِروا بمثابة بيضة الميزان في الخيارات المفصلية.
وفي حين حسم الزعيم وليد جنبلاط موقفه، وكان أكثر جرأة من غيره بترشيحه قائد الجيش للرئاسة الأولى، فإن موقف الثنائي الشيعي مازال موضع إنتظار من أطراف محلية وجهات خارجية، نظراً لحجم الكتلة النيابية الشيعية من جهة ( ٢٧ نائباً)، ولإرتباط موقف حزب لله على الأقل، بتعاطي الرئيس العتيد بملف سلاح الحزب من جهة ثانية، على خلفية ملحقات إتفاق وقف النار الذي حصر وجود السلاح في أيدي الجيش والسلطات الأمنية الشرعية.
الجدال الدائر حول بقاء السلاح شمال الليطاني وفي مختلف المناطق الأخرى، لا يساعد على تجاوز البلد الكوارث التي نزلت على رؤوس اللبنانيين، كل اللبنانيين ولو بنسب متفاوتة، والإنتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، وما تحتاجه من إستقرار داخلي، ووجود سلطة متماسكة، ودولة قادرة على إستعادة الثقة، تستطيع جذب الإستثمارات والمساعدات العربية والدولية، التي بدونها لن يستطيع لبنان أن يستعيد عافيته. لقد سمع مسؤولون لبنانيون من عواصم المساعدات العربية والدولية، كلاماً صريحاً وواضحاً، بإستحالة تقديم المساعدات اللازمة بوجود «دولة» داخل الدولة اللبنانية، وبوجود سلاح مع أطراف داخلية خارج سيطرة الشرعية الرسمية، التي تتحمل وحدها مسؤولية الأمن والإستقرار في البلد.
هذا الملف المهم والحساس يتطلَّب تناوله ومعالجته بمنتهى الجدّية، وبعقل بارد وأعصاب هادئة، بعيداً عن المزايدات والإنفعالات، وبكثير من الواقعية، على خلفية المتغيّرات التي حصلت في لبنان بعد ٢٧ أيلول، وما جرى في الإقليم بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، والضربات المتلاحقة التي قصمت ظهر محور الممانعة، وأظهرت إيران بأنها غير قادرة، ليس على الدفاع عن الحلفاء وحسب، بل وإيضاً عاجزة عن حماية أمنها الإستراتيجي، في ظل الإختلال الفادح بموازين القوى مع العدو الإسرائيلي، المدعوم، بلا حدود، بالترسانة الأميركية والأطلسية.
لبنان أمام فرصة تاريخية للنهوض من كبوته، والخروج من مستنقعات الإنهيارات والأزمات المتناسلة.
وحزب لله أمام فرصة مشابهة للحفاظ على بنيته السياسية، وإخراج البيئة الحاضنة من تداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة، وتسريع خطوات إعادة الإعمار، مع الإحتفاظ بمركزه المرموق في المعادلة الوطنية. فهل نقلب صفحة المآسي يوم ٩ كانون الثاني أم نقلب أوضاع البلد من جديد ؟