لبنان وسوريا الشبكة المعقدة- بقلم د. شارل شرتوني

  • شارك هذا الخبر
Sunday, December 22, 2024

إن التطورات السياسية في لبنان وسوريا هي متناقضة للغاية، حيث تشير التطورات إلى حقبة جديدة قد تكون مليئة بالفخاخ والأسرار المؤذية للسياسات الداخلية والإقليمية. هذا فإن سقوط حزب الله ونظام الأسد يفتتح فصلاً جديدًا في حياة كل من البلدين لبنان وسوريا، بالرغم من خصوصياتهما الاجتماعية والسياسية. أما الديناميكيات التحويلية للهجوم المضاد الإسرائيلي أثارت توقعات سياسية غير تقليدية وغير مألوفة في المنطقة، ووضعت تساؤلات حول الإغلاق السياسي والعسكري الذي حال دون سيطرة السرديات الإصلاحية والمصالحة، وتعطيل جميع الجهود لتحقيق تغييرات جوهرية ومسارات بديلة.
إن الأيديولوجيات المبتذلة التي كانت سائدة استمرت فقط طالما بقيت علاقات القوة القائمة على السيطرة على المجتمعات والعقول العربية، والنهاية المتوقعة للإمبريالية الإيرانية وانهيار النظام السوري يشيران إلى زوال الشعارات الأيديولوجية (القومية العربية، الإسلاموية، وخطابات العالم الثالث البالية) التي منعت التغيير السياسي والاجتماعي من أن تأخذ مجراها الطبيعي في المنطقة، وسبب الفشل لا يقتصر على المجال العسكري فقط، بل يطاول النصوص السياسية والحقائق التي أبقت هذه المنطقة بعيدة عن التحولات السياسية والاجتماعية التي أحدثتها الموجات الديمقراطية والليبرالية التي أعقبت انهيار الديستوبيا الشيوعية وترتيباتها الجيوسياسية والسياسية.
السؤال هو لماذا بقيت المجتمعات العربية والإسلامية على الهامش، ولماذا أُجهضت أجنداتها الإصلاحية بشكل منهجي؟ الجواب يكمن بالانهيار الجاري لمشاريع القوة الإيرانية، وتدمير منصاتها العملياتية، وتفكيك مخططاتها الأيديولوجية مما يفسر بدرجة كبيرة الديناميكيات السياسية الناشئة وصعود الأجندات الإصلاحية التي تعتمد على أجندات سياسية ديمقراطية وليبرالية، وإعادة تأكيد السيادة الوطنية، والاستعداد للانخراط في مسار حل النزاعات القائم على التبادلية الأخلاقية والمفاوضات والتسويات السياسية.
وعلى الرغم من خطورة الوضع الحالي، فإنه يفتح آفاقًا جديدة ويعطي فرصًا سياسية بديلة، ومع ذلك يبقى هذا الأفق المحتمل مجرد تطلعات طالما أن الأجندات الإمبريالية للإسلاميين، أيًا كانت توجهاتهم، والنزعات الاستبدادية، لا تزال تعيق الحياة السياسية، كما أن النظام الإيراني، بعد خسارة منصاته الأيديولوجية والعسكرية في لبنان وسوريا وغزة، يحاول المناورة لمواجهة الديناميكيات التحويلية بينما قدراته وأوراقه تتهاوى، ولهذا فإن التغيير حتمي، ولا داعي للاسترسال في الحديث عن ضرورة انتهاز المعارضات للفرص المتاحة لتجاوز العراقيل وفرض مسار سياسي جديد.
إن هزيمة حزب الله في لبنان وسوريا يجب أن تؤدي إلى إزالته من الحياة السياسية وتقويض إستراتيجيته لاستعادة ما خسره في الحرب عبر السياسة، ونتائج إستراتيجية السيطرة التي قادتها إيران في الشرق الأدنى كانت مدمرة بما يكفي لتهديد مكانتها وشرعيتها، علماً أن إستراتيجية المنصات العسكرية المتكاملة أدت إلى تدمير بلدين (لبنان وسوريا) ومناطق غزة والعراق واليمن، وتحويلها إلى أراضٍ قاحلة تستخدم للإرهاب والجريمة المنظمة، ومما لا شك فيه أن النظام الإيراني هو مثل القاعدة وداعش ويقع على نفس الامتداد الأيديولوجي والاستراتيجي، بغض النظر عن تموضعه المؤسسي والسياسي المحدد.
نشير إلى أن لبنان ليس لديه فرصة لإعادة بناء نفسه طالما أن الفاشية الشيعية مصممة على تحدي الثقافة السياسية التوافقية والليبرالية، واستغلال مؤسسات الدولة، ومواصلة إستراتيجية التخريب ودورات العنف العبثي، والهدنة التي تم التوصل إليها قبل شهر لا يبدو أنها تؤدي إلى نتائج إيجابية فيما يتعلق بتسليم الأسلحة، وتفكيك البنى التحتية العسكرية، والتخلي عن السياسات التخريبية. هذا ومن الواضح أن انحياز حزب الله إلى النظام السوري البائد والساقط، ومحاولته استمالة دعم هيئة تحرير الشام، ونيته الواضحة لمواصلة الحرب مع إسرائيل، كلها مؤشرات على عدم رغبته في تغيير السردية والمسار السياسي.
وفي نفس السياق فإن استيلاء هيئة تحرير الشام على النظام السوري وما يحمله من غموض يثير تساؤلات مشروعة حول توقعاته السياسية المقبلة، الإمبريالية الإسلاموية، والغرور الأيديولوجي. إن استيلاء الهيئة السلمي والأجواء الاحتفالية للعملية الجارية يتماشى تمامًا مع التصريحات السياسية التي أدلى بها زعيمها أحمد الشرع (الجولاني)، الذي نأى بنفسه عن التصريحات الأيديولوجية وأكد على أولوية المصالحة الوطنية والاتفاق الوطني لتقرير الخيارات الإستراتيجية التي يجب أن توجه إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا، وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإلغاء نظام العقوبات.
من الأكيد أن هذا الإعلان عن النوايا للشرع مطمئن طالما أنه يخضع لاختبار الواقع ويؤكد أسسه، في حين أن أشجار الميلاد في المدن السورية الكبرى تشير بشكل حاسم إلى نهج التطبيع، ومع ذلك، فإن مخاطر الانتقال تتراوح بين الراديكالية الإسلامية، والسياسات القطرية والتركية والسعودية، وفشل الحوار السياسي بين المكونات العرقية والدينية الكبرى، واستئناف العنف السياسي وعدم الاستقرار المدني، وانهيار الحوكمة.