9 كانون 2… الانتخاب في بيروت والناخب في واشنطن!- بقلم أنطوني جعجع
شارك هذا الخبر
Saturday, December 21, 2024
جميعهم ذاهبون الى مجلس النواب في التاسع من كانون الثاني، لكن أحداً منهم، حتى الآن على الأقل، لا يبدو واثقاً من احتمال الخروج برئيس للجمهورية يلبي مواصفات هذا أو شروط ذاك، تماماً كمن يبحث عن ابرة في كومة قش.
وما يساعد على نشر مثل هذا الانطباع الرمادي عدم وجود حيثية مارونية قادرة على الاستقطاب أو على تدوير الزوايا في شكل يعطي المعارضة حكماً سيادياً تبتلعه قوى الممانعة أو حكماً وسطياً تمشي به قوى المعارضة، اضافة الى أن القوى الخارجية التي تحظى بتأثير ما في التركيبة النيابية اللبنانية لم تحسم أمرها بعد وتكتفي بالمراقبة من مكان وتمرير رسائل من مكان وجس نبض في كل مكان.
اجماع واحد يَجمع الفريقين، ومعهما نواب التغيير والوسط، هو استحالة تأمين ٨٦ صوتاً لأي مرشح في غياب واحد من أمرين: الأول التوافق المسبق الذي يبدو متعثراً حتى الساعة، الثاني زلزال استراتيجي آخر يشبه ما حدث في سوريا ويفرض نظرية الغالب والمغلوب بطريقة حاسمة ونهائية.
والسؤال هنا، أين يمكن أن يقع هذا الزلزال ومن هو هدفه التالي بعد يحيى السنوار وحسن نصر الله وبشار الأسد؟
هل يمكن أن يكون عبد الملك الحوثي في اليمن أم “الحشد الشعبي” في العراق أم الامام خامنئي نفسه في ايران؟ وهل يمكن أن يكون إسقاط فلاديمير بوتين وإخراجه من سوريا؟ وهل يمكن أن يكون اشتباكاً اسرائيلياً – تركياً في الميدان السوري أو اجتياحاً اسرائيلياً قد يصل الى تخوم دمشق أو غارات تدميرية تطاول الترسانات الايرانية وتحرك الشارع الذي يبدو جاهزاً لأي ثورة، مدعومة اقليمياً ودولياً، تفضي الى ازالة حكم الأئمة في الجمهورية الاسلامية؟
أسئلة كثيرة بعضها منطقي وبعضها يبدو أقرب الى التمنيات منه الى الحتميات، لكنها تبقى أسئلة مطروحة في منطقة أثبت تاريخها طويلاً أن رمالها من بارود وأن كل من يحكمها أو يتورط فيها انما يمشي بين الألغام أو في رمال متحركة في أفضل الأحوال.
حتى الآن، وعلى الرغم مما يتردد عن حظوظ هذا المرشح وحظوظ ذاك، فان عرابيهم ليسوا جديين تماماً في دعمهم ولا حتى واثقين من فوزهم بالكرسي الأول في البلاد، مكتفين بتعداد الأصوات المضمونة من جهة، والأصوات المترددة من جهة ثانية وبكلمة السر من كل الجهات في ما يشبه اللعب عبثاً في الوقت الضائع أو على الأقل في الوقت الذي لم يحن وقته بعد.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية، بعيداً من أي تحولات استراتيجية قد تحدث في المنطقة، أن الرئيس نبيه بري يحاول الاحتفاظ بالمثلث الذي يتسلح به منذ اتفاق الطائف حتى الآن، وهو مثلث السلطة والسلاح والمال، مُبلغاً من يراجعه في الأمر أنه لن يمشي بأي رئيس يمكن أن يضعه في المقاعد الخلفية في نهاية حياته السياسية أياً تكن المتغيرات سواء في الداخل والخارج.
وأضافت المصادر أن “حزب الله” ليس أفضل حالاً من بري، فهو يعيش حالتين سوداويتين: الأولى الشعور بالذنب حيال اللبنانيين وبيئته معاً، نتيجة الحرب التي خاضها، والشعور بالهزيمة نتيجة ما حصدته اسرائيل في غزة والجنوب وسوريا، محاولاً بالتنسيق مع بري الاتفاق على رئيس يضمن وصول رئيس للحكومة يتبنى بياناً وزارياً يحفظ له الشرعية السابقة التي تحمي سلاحه أولاً وتمنع الصدام مع الجيش ثانياً، وتحرمه من مبررات “المقاومة” ثالثاً لا سيما بعدما ترددت أجواء في دمشق تكشف أن أحمد الشرع قد يسحب ورقتي شبعا وكفرشوبا من قبضة ايران و”حزب الله”، ويوافق على ترسيم الحدود البرية مع لبنان وفق القرار ١٦٨٠ وعلى الغاء معظم الاتفاقات غير المتكافئة بين البلدين.
ومن الممانعة الى المعارضة، ليس سراً أن النائب السابق وليد جنبلاط، تلقف من الفرنسيين والأميركيين اسم قائد الجيش جوزيف عون فمشى به سريعاً قاطعاً الطريق على قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع من جهة وجبران باسيل من جهة ثانية والثنائي الشيعي من جهة ثالثة، والقرار المسيحي العام من جهة رابعة.
واذا كان هذا الخيار هو خيار جنبلاط من الأساس فلا بد من السؤال، ماذا كان يمكن أن يحمل الزعيم الدرزي الى معراب عندما كشف رغبته في لقاء جعجع الطامح ضمناً الى رئاسة الجمهورية؟ وماذا تغير الآن؟
تقول مصادر قريبة من المختارة ان جنبلاط كان يريد من لقاء معراب تشكيل جبهة قواتية – اشتراكية في مواجهة المد الشيعي الذي تغلغل بسلاحه في منطقة الجبل خلال الحرب، وأن هذا الأمر لم يعد أولوية بعد انتهائها وانحسار هذا المد نحو مواقعه السابقة.
لكن ذلك، وفق المصادر عينها، لا يعني أن اللقاء بين الرجلين سيكون لقاء شكلياً خصوصاً أن جنبلاط الذي يقرأ التحولات الدولية جيداً يعرف أن لا شيء مستحيلاً في السياسة، وأن ما يبدو بعيداً اليوم قد يبدو قريباً في الغد، مشيرة الى أن حسابات العرابين الدوليين لم تقفل بعد، ولن تقفل قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل.
وما ينطبق على المختارة ينطبق على معراب حيث يتردد على نطاق واسع أن فرص جعجع في الوصول الى قصر بعبدا لا تبدو معدومة في المطلق، وتشير المصادر الى أن خريطة الشرق الأوسط الجديد لم ترسم بعد، وأن الناخب الأكبر، أي أميركا، لم يقل كلمته بعد، ولم يشهر أسلحته في وجه المعترضين والمعرقلين، ومنها سلاح العقوبات التي تقض مضاجع الكثيرين من السياسيين اللبنانيين، وسلاح الانقلابات التي تحولت كابوساً في أروقة طهران.
انها التناقضات التي تلف البرلمان اللبناني من كل زواياه، والاحتمالات على أنواعها التي تتردد في الغرف المقبلة، ومنها احتمال تأجيل جلسة التاسع من كانون الثاني اذا رأى أحد الفرقاء أنه يحتاج الى المزيد من الوقت الثمين، وهو الوقت الأخير الذي قد يؤتي ثماره الآن أو قد لا يؤتيه أبداً وتحديداً في مداولات معراب وبنشعي ومعراب واليرزة وصولاً الى بكركي.
انها أخيراً الجلسة التي تعقد تحت شعار مرغم أخاك لا بطل، أو الجلسة التي تشهد انتخاب رئيس لبناني في بيروت بأوراق قد تسقط في الصناديق كما تسقط محاور الممانعة الواحد تلو الآخر، أو كما تسقط ضغوط ترامب على رؤوس معارضيه من غزة الى موسكو .