الأخوة المسابكيون والرهبان الفرنسيسكان وآخرون منسيون خلال مذابح ١٨٦٠ في دمشق - بقلم الدكتور جوزيف الياس كحالة

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, December 17, 2024

دخلت سنة ۱۸۳۱ جيوش محمد علي الكبير الى بلاد الشام بقيادة ابنه إبراهيم باشا ومع دخوله بدأت مرحلة جديد من تاريخ البلاد، أهمها إعطاء صلاحيات واسعة إلى الأقليات الدينية المقيمة في بلاد الشام، وذلك على حساب المسلمين والدروز. وقد أدى هذا الى حدوث بعض المناوشات بين الدروز والمسيحيين في مناطق متعددة من جبل لبنان والبقاع، فكانت ثورة الدروز في حوران عام ۱۸۳۸ ، وتبعتها في جبل لبنان اشتباكات طائفية أقل حدة حصلت بين عامي ١٨٤٠ و ١٨٤٥ بين الموارنة والدروز.

مع حلول العام ١٨٦٠ قامت مجازر في لبنان. جاءت هذه الفتنة كمرحلة ثالثة بعد اشتباكات طائفية أقل حدة كما أسلفنا حصلت عامي ١٨٤٠ و ١٨٤٥ بين الموارنة والدروز. وقد بدأ الصراع بعد سلسلة من الاضطرابات بين الفلاحين الموارنة وملاكي الأراضي من الدروز . ففي العام ۱۸۵۸ قام أحد قادة الفلاحين الموارنة بالمطالبة بإلغاء الامتيازات التي تميزت بها الطبقة الإقطاعية، لكن السلطة الحاكمة رفضت طلبه، مما دفع بالفلاحين الفقراء إلى التحضير للثورة. وكان ذلك في كانون الثاني ١٨٥٩.

قام يوسف بك كرم في العام ١٨٦٠ ، بتزعم انتفاضة مسلحة، للتصدي للمهاجمين الدروز الذين استهدفوا مشايخ جبل لبنان فنهبت أراضيهم وحرقت منازلهم بعد هزيمتهم وطردهم الإقطاعيين الموارنة، سيطر الفلاحون المتمردون على معظم أراضي كسروان وأسسوا عليها حكمهم. وبدعم من رجالات الدين الموارنة، بدأ الفلاحون الموارنة بالتحضير لانتفاضة جديدة ضد الاقطاعيين الدروز وبالمقابل بدأ الدروز، وبدعم من الوالي العثماني، التحضير للرد على هؤلاء.

لكن سرعان ما امتدت هذه الأحداث إلى مدن اللاذقية وزحلة وجبل عامل ودمشق وغيرها من المناطق في بلاد الشام. كان من نتائجها أن قتل أكثر من ٢٠ ألف مسيحي، ودمرت العديد من القرى اللبنانية المسيحية والدرزية. وقد أقام الفلاحون الدروز، خلال المذبحة، حصارًا حول الأديار والبعثات الأوربية ثم أحرقوها.
إنسحبت جيوش إبراهيم باشا من بلاد الشام عام ١٨٤٠ . لكن قبل انسحابها بعام واحد أصدر السلطان العثماني محمود الثاني (٤) مجموعة من القوانين، أطلق عليها تسمية التنظيمات"، ساوى من خلالها بين مواطني السلطنة بالحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو القومية.

مقتل الآباء الباسيليين المخلصين والراهب الشويري
أقدمت مجموعة من المعارضين لهذه القوانين بشن هجوم على طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، أدى إلى استشهاد عدد من الرهبان الباسيليين المخلصين، وذلك في ٢٧ حزيران ١٨٦٠ ، وهم :
۱ - الأب روفائيل زلحف (١٨٣٢ - ١٨٦٠)
ولد في ميدان الشام، أبرز نذوره الرهبانية في 9 تشرين الأول ۱۸۳۲ وله من العمر أربع وعشرون سنة. سيم كاهنا في ٦ كانون الأول سنة ۱۸۳٦. خدم النفوس في مصر ثم في دمشق، ولما هجم الدروز والمسلمون على المسيحيين بالاتفاق مع الحكومة التركية، اختبأ الأب زلحف في بيت نقولا مساميري في حارة الخضر. وهناك داهمه الدروز في الدهليز فضربوا مساميري على رأسه وطرحوه بين حي وميت، ثم خلعوا باب الدار وألقوه فوق الأب زلحف وراحوا يدخلون البيت ويخرجون منه، وهم يدوسون الباب الملقى فوق الراهب حتى توفي، بحسب ما رواه جرجي بيطار المعاصر لتلك الأيام التي كانت أسوأ ما سجله التاريخ الحديث.

۲ - الأب بولس زغيب (١٨١٥ - ١٨٦٠)
ولد في دمشق، أبرز نذوره الرهبانية في ۲۰ شباط ۱۸۱۵ ، ثم سيم كاهنا في 6 أيار ۱۸۲۲. أرسل إلى الخدمة في الشام ومنها نفي سنة ۱۸۲۲ مع بعض إخوته الرهبان إلى جزيرة أرواد بسبب إيمانهم الكاثوليكي، فذاقوا العذاب والنفي والتشريد مدة اثنين وأربعين يوما، ولما أفرج عنه عاد إلى خدمة النفوس في دمشق بعزيمة ثبتها العذاب. انتخب رئيسا على دير معلولا ولم يلبث أن عاد إلى خدمة النفوس في الشام، فذبح لما هجم الدروز والإسلام على حارة النصارى في دمشق ونهبوها وأحرقوها وقتلوا من وقع تحت أيديهم في مدة سبعة أيام.

- الأب ديمتري عبسي (١٨٢٩ - ١٨٦٠)
ولد في دمشق، أبرز نذوره الرهبانية في 3 شباط ۱۸۲۹ ، ثم سيم كاهنا في ٢٩ أيلول سنة ١٨٣٥. خدم أولاً في مصر ثم انتخب سنة ١٨٤٦ وكيلاً للرهبانية في دمشق، فعمل على تحسين سكن الرهبان، وبنى بركة في أنطوش المدينة، ثم بنى في ميدان الشام أنطوشا للرهبانية ما سبب ديونا باهظة على كاهل الرهبان عين سنة ١٨٥٢ مرشدًا للراهبات فبنى داخل الحصن حجرتين لسكناهن، ثم خدم في القاهرة، وعاد بعدها إلى دمشق حيث قتله الدروز في ۲۷ حزيران ١٨٦٠.

- الأب عازر مكتف ( ١٨٦٠)
هو ابن يوسف صيفي مكتف، ولد في دمشق أبرز نذوره الرهبانية في 5 حزيران ۱۸۳۲ ، ثم سيم كاهنا في ٥ آب ۱۸۳٦. خدم في أمكنة كثيرة حتى سنة ١٨٥٣ حين فقد بصره، عولج كثيرا فلم يستفد فاحتمل مصيبته بصبر جميل وتسليم لإرادة الله. وبينما كان ذات مرة في دمشق في زيارة للمعالجة ذبحه الدروز في ۲۷ حزيران ١٨٦٠.

ه - الأب فلاسيوس بسيريني (١٨٣٥ - ١٨٦٠)
هو يوسف حنا بسريني ، ولد في دمشق، أبرز نذوره الرهبانية في ١٧ شباط ١٨٣٥، وسيم كاهنا في ۱۰ شباط ١٨٤٨ كان بسيط القلب فاضلاً تقيا ، ذبح في دمشق في ۲۷ حزيران .١٨٦٠.

٦ - الأب ديمتري سعد (١٨٤٩ - ١٨٦٠)
ولد في دمشق، أبرز نذوره الرهبانية في ۱۲ تشرين الثاني ١٨٤٩ ثم سيم كاهنا في ١٥ آب ١٨٥٢ ، أرسل إلى خدمة النفوس في دمشق، ولم يطل به الزمن حتى ذبحه الدروز مع رفاقه الرهبان

- الأخ سمعان جبارة (١٨٣٩ - ١٨٦٠)
ولد في دمشق، أبرز نذوره الرهبانية في ۲۰ تموز ۱۸۳۹ ولم يقتبل الدرجات الكهنوتية لأن يده قطعت إيان حوادث جرت في معلولا سنة ۱۸۵۱ ، فبقي في دمشق يخدم إخوته الرهبان إلى أن ذبحه الدروز في ۲۷ حزيران ١٨٦٠.

الأب أندراوس فارس (۱۸۱۳ - ١٨٦٠)
أما من الرهبان الباسيليين الشويريين، فقد استشهد في 9 تموز ١٨٦٠ ، رميا بالرصاص الأب أندراوس فارس، وهو حنا فارس، من مواليد دمشق العام ۱۸۱۳. إنضم في العام ۱۸۲۹ الى الرهبانية الباسيلية الشويرية، وسيم كاهنا على مذابحها في العام ١٨٣٧. إنتقل عام ١٨٥٩ إلى مدينة دمشق حيث خدم رعية سيدة النياح في حارة الزيتون. استشهد في أحداث عام ١٨٦٠ ، وهو في السابعة والأربعين من عمره.
وفي صبيحة يوم ۷ تموز ۱۸۶۰ ، قامت مجموعة من الفتيان تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والرابعة عشرة بالدخول الى حي باب توما الواقع داخل أسوار المدينة القديمة، وراحوا يستفزون سكان الحي، موجهين لهم الكلام البذيء، والحط من قيمة الصليب، حيث رسموه باللون الأحمر على الأرض ثم مشوا عليه بالأقدام.

الهجوم على الكنيسة المريمية ومقتل الخوري يوسف مهنا الحداد
هجم المتمردون في التاسع والعاشر من شهر تموز ۱۸۶۰ على الكنيسة المريمية التابعة الطائفة الروم الأرثوذكس. نتج عن هذا الهجوم سقوط عدد كبير من الشهداء المسيحيين وعلى رأسهم الخوري يوسف مهنا الحداد (۱۷۹۳ - ١٨٦۰) الذي كان يحمل القربان المقدس وهو في طريقه من داره - حيث كان يحتفظ بالقربان المقدس - الى الكنيسة
المريمية. فما إن رأه المهاجمون صاح أحدهم هذا امام النصارى، أن قتلناه قتلنا معه كل النصارى". هنا أدرك الخوري يوسف أن ساعته قد دنت فأخرج القربان المقدس وابتلعه كي لا يدنسه المهاجمون. وإذ بهؤلاء ينقضون عليه بالفؤوس والرصاص حتى شوهوه تشويها فظيعا، ثم ربطوه من رجليه وصاروا يطوفون به في الأزقة والحارات مسحوبا على الأرض إلى أن هشموه تهشيما، وأسلم روحه بين يدي ربه.

ولد الخوري يوسف في مدينة دمشق العام ۱۷۹۳ بعد اتقانه اللغتين العربية واليونانية راح يعمل في نسج الحرير الدمشقي. لكنه رغم عمله تابع علومه في اللغة العربية وقواعدها على الشيخ محمد العطار الدمشقي. ثم تزوج وهو في التاسعة عشرة من عمره.

وفي الرابعة والعشرين اختير ليكون كاهنا، فرقاه بطريرك الروم الارثوذكس سيرافيم الأول (1) في العام ۱۸۱۷ إلى رتبة الكهنوت المقدس. وقد استشهد كما أسلفنا في العاشر من شهر تموز، خلال مجازر العام ۱۸٦٠، وأعلنه المجمع الإنطاكي المقدس لكنيسة الروم الأرثوذكس المنعقد في الثامن من شهر تشرين الأول من عام ۱۹۹۳، قديسا في الكنيسة الارثوذكسية.

عبد القادر الجزائري وكبار الدمشقيين
ومن المعلوم أنه كانت هناك جماعات شبه عسكرية درزية ومسلمة نظمت المذابح بتحريض من السلطات العسكرية العثمانية. واستمرت المذابح ثلاثة أيام ما بين ۹ و ۱۱ تموز، قتل خلالها حوالي ٢٥ ألف مسيحي بما في ذلك بعض أفراد البعثات الأجنبية.

وقام بعض من كبار المسلمين في مدينة دمشق، وعلى رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري (1) بإنقاذ العديد من المسيحيين الذين دمرت منازلهم وحرقت كنائسهم. فقد حاول الأمير عبد القادر الجزائري التفاوض مع سلطات الحاكمة في مدينة دمشق، كذلك الأمر مع شيوخها وعلمائها محاولاً إقناعهم أن ما يفعلونه هو ضد تعاليم الإسلام، لكنهم لم يصغوا إليه، بل منعوه من أن يقاتل المتمردين فاقتصرت مهمته ومهمة شرفاء مدينة دمشق وأعيان المسلمين على مد يد العون للمسيحيين وإنقاذ ما أمكن منهم. فشرع رجالات عبد القادر وغيره من النبلاء بالطواف في طرقات الحي المسيحي من المدينة يبحثون عن اي شخص مسيحي أصابته يد المتمردين، لإنقاذه وجلبه إلى بيت احد المسلمين الأتقياء الذين غصت بيوتهم بأبناء مدينتهم الهاربين من نار الموت.

الهجوم على دير الآباء الفرنسيسكان
هجم المتمردون في ليلة ۹ - ۱۰ تموز على دير الآباء الفرنسيسكان الواقع في حي باب توما، لكنهم لم يستطيعوا الدخول من الباب الرئيسي للدير، فتسللوا من الباب الخلفي الى حرم الدير وقتلوا الرهبان الفرنسيسكان الثمانية المقيمين في الدير ومعهم ثلاثة من العلمانيين، من آل مسابكي، وقد سموا لاحقا بالأخوة المسابكيين. وقد عرفت تلك الليلة بليلة العار وليلة الدم والليلة الظلماء، وهي صفحة عار في تاريخ المدينة. فقد شعر الرهبان الثمانية والأخوة المسابكيين بما ينتظرهم من عواقب الهجوم، فتقدموا من سر المصالحة معترفين بخطاياهم، ثم تناولوا القربان المقدس مستعدين للحظات الشهادة لأجل ايمانهم.

أما الرهبان الفرنسيسكان، فهم ثمانية رهبان سبعة من أصول إسبانية وواحد نمساوي: عمانويل رويس كارمليو بولتا نيكانور دي صوريا، بيرو سولير، نيقولا ماريا تورس فرانشسكو بينازو، خوان جاكومو فرنانديز إلى الأب إنجلبرت كولاند النمساوي الجنسية.
الأخوة المسابكيون

هم ثلاثة أشقاء سوريين دمشقيين تعود جذور عائلتهم في مدينة دمشق الى القرن السابع عشر. وهم علمانيون يتبعون الكنيسة المارونية، وأسماؤهم فرنسيس، وعبد المعطي وروفائيل، والدهم نعمة المسابكي. رباهم والدهم ووالدتهم على الصلاة وخوف الله، وحفظ الآداب، وممارسة الفضائل المسيحية. قال بعضهم إن جذور عائلتهم تعود الى لبنان، لكن ليس من مصادر تاريخية تؤكد ذلك، بخاصة أنه في ذلك الزمن، كانت البلاد واحدة يحكمها العثمانيون، ولكل ولاية وال يحكمها بتعيين من الباب العالي. والجدير ذكره أن العائلات كانت تتنقل من مدينة الى أخرى من دون أي حدود تمنعهم من ذلك. فها إن المطران جرمانوس فرحات الماروني (۸)، تنحدر عائلته من أصول لبنانية، وهو من مواليد مدينة حلب. وكان يقول عن نفسه أنا حلبي أصيل. كذلك الأب جرجس سعد الماروني، الذي ولد في مدينة حلب وعاش ومات فيها، واللائحة طويلة سواء في مدينة حلب أو دمشق أو غيرها من المدن السورية الحالية والعكس صحيح، فها مثلاً عائلة المطران التي تقطن لبنان الحالي تعود جذورها الى منطقة حوران في سورية الحالية. كذلك عائلة اليازجي أصلها من مدينة حمص، سورية الوسطى. أما عائلة المعلوف فأصلها من حوران سورية، وعائلة فرعون عائلة دمشقية نزح فرع منها الى لبنان الخ.

وأما المساكبيون الثلاثة، فهم:
فرنسيس هو كبير أخوته، متزوج من اليصابات شيحا من الطائفة اللاتينية. ثمرة زواجه ثلاثة ذكور وخمس بنات. كان يعمل في تجارة الحرير، وما أدراك ما هو الحرير الدمشقي، الذي تشتهر به دمشق.

نال من عمله في التجارة ثروة وافرة، ساعدته أن يعيش في بحبوحة، وفي تأمين حاجات أسرته المادية والدنيوية. كما كان لا يبخل من تقديم تبرعاته المادية الى الكنيسة، حيث كان يشعر أنه لا بد أن يضحي بقسط من ماله في سبيل دينه. ولم تنحصر وجاهته بين أبناء ملته فقط، بل تعداها إلى الملل الأخرى، فكانت له منزلة خاصة عند الحكام، ولدى كبار مشايخ المسلمين وتجارهم.

أما من الناحية الدينية، فقد كان ملما بتعاليم الكنيسة وكل ما يجب على المسيحي من ممارسة الصلوات والصيام. اذ كان يمارس شعائره الدينية بكل دقة، ويسهر على الحفاظ عليها في عائلته. ويروى أنه في أحدى أيام الصيام رأى إحدى بناته تناولت شيئًا من الطعام قبل الظهر، فأنبها بشدة على مخالفتها الصيام. وكثيرا ما كان يقفل محله التجاري قبل موعد الإقفال غير حافل بما يلحقه من الخسارة، لينطلق الى الكنيسة ليشارك في الصلوات الطقسية، أو ليشارك في رتبة درب الصليب وصلاة المساء. أما تعبده للسيدة مريم العذراء، فكان شديدًا، اذ كان كل يوم يتلو المسبحة الوردية. ولشدة تعبده أعطته نعمة الشهادة على درجات مذبح الأم الحزينة.

بعد استشهاد فرنسيس غادر ابنه ميخائيل مدينة دمشق متوجها الى مدينة بيروت، وسكن هناك، ودخل في خدمة الآباء اليسوعيين، في ترجمة وتنقيح المطبوعات التي كانت تصدر

عنهم. عاش بينهم كراهب الى أن وافته المنية عام ۱۸۷۰ . وقد يكون سبب هجرة ميخائيل الى بيروت، قول بعضهم أن عائلة المسابكي، عائلة لبنانية.

عبد المعطي أب لثلاث بنات وذكرين. كان يسكن مع أخيه فرنسيس في دارة واحدة، كما كانت العادة المتداولة في تلك الأزمنة، ويعمل في مهنة التدريس في مدرسة الآباء الفرنسيسكان. كان شديد العناية ليس فقط بمهمة التدريس، بل أيضا، في تهذيب أخلاق الطلاب، وفي تعليمهم مبادئ الدين المسيحي وتحريضهم على الصلاة وتجنب الوقوع في الخطيئة، والتضحية في سبيل دينهم وايمانهم يروى عنه أنه كثيرا ما كان يردد على تلاميذه، في أثناء شرح التعليم المسيحي، أنه على المسيحي أن يكون في حالة استعاد دائم لسفك دمه حبا للمسيح، وأن أعظم سعادة للإنسان، وأجل نعمة هي نعمة الاستشهاد. وقبل استشهاده بساعات، قال لتلاميذه في دير الفرنسيسكان حيث كانوا لجأوا مع اللاجئين: "يا أبنائي تذكروا ما قلته لكم مرارًا عديدة في المدرسة عن أن نعمة الاستشهاد هي نعمة خاصة لا تعطى للجميع، فيجب أن نطلبها من الله بتوسل، وهذا هو الوقت المناسب لطلبها بالإلحاح. قولوا معي ربي أعطني نعمة أن أموت من أجلك".

بعد استشهاد عبد المعطي غادرت ابنته إفرازيا الى مدينة بيروت، حيث قدمت حياتها لخدمة جمعية مار منصور . فاهتمت بأولاد الفقراء، خاصة البنات منهم. كذلك شغلت مهام إدارة جمعية بنات مريم الى حين وفاتها في ۳۰ آب ۱۹۱۲.

رفائيل، عاش حياته بتولاً ولم يتزوج. كان بسيطا في لباسه وتصرفاته. فعاش قول السيد المسيح "إن لم ترجعوا فتصيروا كالأطفال لا تدخلون ملكوت السماوات".
عاش حياته فقيرا لا يملك شيئا من قنى هذه الدنيا، سوى البساطة والتعبد الله تعالى وللسيدة مريم العذراء، كان كنزه وغناه بالله، وأكبر دليل على هذا الغنى الروحي نيله نعمة الشهادة التي لا تمنح إلا للأخصاء المقربين.

الطريق الى التطويب فالقداسة
قررت الكنيسة الكاثوليكية في أواخر نيسان من سنة ١٩٢٦، رفع الرهبان الشهداء الفرنسيسكان الثمانية الى مرتبة الطوباويين. علم رئيس أساقفة دمشق الماروني بهذا القرار، فتذكر الأخوة المسابكيين الموارنة الذين نالوا إكليل الشهادة مع الرهبان الفرنسيسكان. فقام بجمع ما توفر له من الآثار الخطية، والتي كان قد جمعها سابقا من دون سابق قصد، فثبت لديه مقتلهم من أجل الإيمان. وبناءً على طلب من القاصد الرسولي في مدينة دمشق، وبالاتفاق مع البطريرك وأساقفة الطائفة المارونية، رفع طلب إلى البابا بيوس الحادي عشر ملتمسين منه أن يعلن أن الإخوة المسابكيين طوباويون استشهدوا في سبيل ايمانهم قلبى البابا رغبتهم بعد أن درس مجمع دعاوي القديسين، وأعلنهم طوباويين في السابع من شهر تشرين الأول عام ١٩٢٦.

بعد ثمانية وتسعين من الأعوام، أعلن البابا فرنسيس الأول، رفع الرهبان الفرنسيسكان والأخوة المسابكيين إلى صفوف القديسين فاحتفلت الكنيسة الكاثوليكية في مدينة روما بهذا العرس السماوي في ۲۰ تشرين الأول عام ٢٠٢٤.

نداء
صحيح أن القديس ليس حكرًا على كنيسة معينة، بل هو قديس في الكنيسة الجامعة كافة المؤمنين. لكن ليت الكنيسة الملكية الكاثوليكية تحذو حذو الطوائف الكاثوليكية الأخرى وتفتح دعوى تطويب الرهبان المخلصيين والراهب الشويري الذين استشهدوا رميا بالرصاص في أثناء المذابح التي أسلفنا ذكر بعض مراحلها.

الاسباب المباشرة وغير المباشرة لمذابح دمشق
شهد السطان محمود الثاني هو السلطان الثلاثون للدولة العثمانية. ولد في ۲۰ تموز ۱۷۸۵، وتوفي في 1 تموز ۱۸۳۹. استلم مقاليد السلطنة في العام ۱۸۰۸ عهد حركة إصلاحات هامة، حاول فيها إيقاظ السلطنة العثمانية، وإعطاءها قوة دفع الى الأمام، لتتماشى مكانتها مع معطيات العصر بحسب الأنظمة الأوربية. ففي المجال الحربي، وجه اهتمامه نحو بناء فرق عسكرية، بحسب النظام الحديث المتبع في عصره. كما قام بتنظيم صفوف الانكشارية وإصلاح أحوالهم. ومن أعماله أيضا، أسس المدارس الابتدائية لتعليم اللغة التركية، وقراءة القرآن، ومبادئ اللغة العربية. كما أنشأ المدارس الثانوية لتعليم

علوم الرياضيات والتاريخ والجغرافيا. وطور مدرسة اللغات التي كان قد أقامها السلطان مصطفى الرابع، لتخريج المترجمين.

فأفسح في المجال من خلالها مشاركة غير المسلمين في الحياة الثقافية والاقتصادية، كما سمح لغير المسلمين بالدخول الى المدارس وتعلم اللغة العربية التي كانت حكرًا على المسلمين، وإثر صدور هذه القوانين، نشأت علاقات تجارية مميزة بين مسيحيي الشرق والدول الأوربية. كما وظف العديد من المسيحيين الدمشقيين وغير الدمشقيين في مهام الترجمة لصالح القنصليات الأوربية الموجودة في مدينة دمشق، مما ساعدهم على بناء ثروة مالية، وحصانة ديبلوماسية، وأكثر من ذلك الحصول على الجنسيات الأوربية.
أما على صعيد التجارة، فقد زاد غنى التجار المسيحيين على حساب التجار المسلمين، حيث عمل عدد منهم كوكلاء للشركات الأوربية في دمشق. وبذلك أصبحوا أسياد السوق التجارية في المدينة. وبدأوا يسلفون الأموال للتجار المسلمين، ووصل بهم الأمر إلى تسليف الحكام العثمانيين.

جاءت القوانين المتعلقة بالدين أشبه بالثورة العلمانية، فقد رفعت الجزية المفروضة على غير المسلمين كما ألغيت الفروض التي تجبر على غير مسلم اعتناق الإسلام، كذلك ألغيت عقوبة القتل لمن يرتد عن الإسلام، وشملت القوانين والإصلاحات قطاع العدل والمحاكم الجنائية، حيث أقرت القوانين منع التعذيب والعقوبات الجسدية، كقطع اليد.
كان من نتيجة هذه القوانين أن رفضها المسلمون المحافظون في مدينة دمشق جملة وتفصيلا. واعتبروها مخالفة للشريعة الإسلامية، بخاصة في ما يتعلق بمساواة غير المسلمين بالمسلمين. وبدأ التململ والاستياء يسود أوساطهم وذلك مما ساهم في الحقد والتعصب ضد المسيحيين في دمشق.

بعض من مصادر البحث
1 - السنكسار الرهباني المخلصي، https://obsib.org
۲ - بولس نزهة الرهبانية الباسيلية الشويرية، الجزء الثالث، سجل الرهبان (۱۸۲۹-٢٠١٦). بيروت لبنان ۲۰۱۷
- مبيض سامي مروان نكبة نصارى الشام أهل ذمة السلطنة وانتفاضة ١٨٦٠. بيروت - لبنان .٢٠٢١
- مشاقة ميخائيل كتاب مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان مصر ۱۹۰۸
- زكار سهيل تاريخ بلاد الشام في القرن التاسع عشر. دمشق - سورية ٢٠٠٦.
ه - كرياكي غسان مقالة وصمة عار في تاريخ دمشق منشورة على موقع قنشرين
https://www.qenshrin.com
V - نجيم المطران غي المطران في نجيم يشرح عبر " قلم غار " اهتمام الكنيسة المارونية في لبنان بملف تقديس شهداء https://alamghar.com دمشق موقع قلم غار
- عليان حمزة مقال دروس من مذبحة المسيحيين في دمشق. جريدة الجريدة، ٢٤ أيار ٢٠٢٤.
- نجيم المطران في شهداء دمشق (سنة (١٨٦٠) ، مقال منشور في موقع مجلة المنارة.
https://almanara-magazine.net
۹ - جلوف المطران حنا، عظتان الأولى في ۱۰ تموز ۲۰۲٤ ، والثانية في ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٤.