قامت القواتُ الخاصةُ الإسرائيلية، بعمليةٍ نوعيةٍ في منطقة القلمون السورية حيث توجد جبال مشتركة مع لبنان، في منطقةٍ عجزتْ طائراتُها المسلّحة بقنابل خارقة للتحصينات عن تدمير أكبر مخابئ «حزب الله» الصاروخية.
وتوغّلت هذه القوة في عمليةِ إنزالٍ من دون أي مقاومةٍ تُذكر إلى مواقع عدّة محصَّنة وفَخَّخَتْها ودمّرتْ المخازن والصواريخ الإستراتيجية بداخلها.
كذلك نفّذتْ قواتٌ خاصة عملياتٍ مماثلةً في منطقة القنيطرة للقضاء على كل الصواريخ والأسلحة الإستراتيجية التي لم تستطع طائراتها تدميرها من خلال مئات الغارات التي شنّتْها على سورية خلال أيامِ بهدف تهديم قدرات «وحدة الجولان» التابعة للحزب التي رَفَضَ الرئيس السابق بشار الأسد استخدامَها أيام الحرب على لبنان الثالثة، انطلاقاً من الأراضي السورية، ليكسر «محورَ المقاومة» كحلفٍ مترابطِ المصير قبل أن تُسْقَطِه الثورةُ السورية.
وتؤكد مصادر موثوقة، أن «الحرس الثوري الإيراني والمستشارين العسكريين كانوا قلّصوا وجودهم في سورية بعد قرار الأسد بمنع إطلاق أي رصاصة تجاه إسرائيل» منذ السابع من أكتوبر 2023 عند انطلاق «طوفان الأقصى».
وأضافت أن «الأسد لم يشأ الردّ على ضرباتِ إسرائيل المؤلمة والمدمّرة على المواقع والمخازن الإيرانية الإستراتيجية لرغبته بتوجيه رسالة للغرب بأنه لن يشارك في الحرب ضد إسرائيل ولا يدعم حركة حماس، واقتصر دوره على الدعم اللوجستي وتصنيع الصواريخ المتوسطة المدى».
كذلك رفض الأسد أن يطلق «حزب الله» صواريخَه من جميع مخازنه الإستراتيجية على خطوط الحدود اللبنانية - السورية في مواقع محصَّنة في القلمون وفي منطقة الجولان - القنيطرة.
وكان الحزب يملك وحداتٍ صاروخيةً إستراتيجيةً يخزّنها داخل الأراضي السورية في بطن الجبال بموافقة الأسد على استخدام هذه الصواريخ في حال الحرب.
وعند بدء جبهة الإسناد التي فَتَحَها الحزب لتخفيف وطأة الحرب على غزة - والتي لم تُبْعِد الحرب عن القطاع لإصرار إسرائيل على تدميرها، ولم تنفع سوى لتدمير لبنان في نهاية الأمر رغم جذْب ثلث القوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية - طَلَبَ الأسد من إيران و«حزب الله» عدم استخدام الأراضي السورية كمسرحٍ للعمليات الحربية ضد إسرائيل.
وتالياً لم تَعُدْ طهران ترى جدوى من الاحتفاظ بقواتٍ ليست بصغيرة في سورية تقدّم الدعمَ للجيش السوري الذي تعوّد ألّا يقاتل إلا بوجود ألوية للحلفاء داخل صفوفه.
الدعم الإيراني
وكانت إيران تقدّم الدعمَ العسكري والمادي واللوجستي ومطابخ الطعام الضخمة في مدن عدة - ستة على الأقل - لإطعام ألوية حلفائها وكل الألوية السورية التي تعمل معها (وليس كامل الجيش) وبما يُعَدُّ بعشرات الآلاف من الوجبات اليومية.
كما قدّمت النفط، وكانت تستلم المال بالعملة السورية لإنفاقه داخل سورية على حلفائها. وتدين دمشق بعشرات المليارات من الدولارات لإيران ثمن النفط الذي زوّدت سورية به بمعدّل 50 ألف برميل يومياً.
إلا أنه، ومع اشتداد المعارك في غزة وخرْق إسرائيل لقواعد الاشتباك مع لبنان، رَفَضَ الأسد طلبَ «حزب الله» باستخدام وحدة الجولان ووحدة القلمون، صواريخ إستراتيجية مخزّنة هناك ونَصَحَ بنقْلها إلى داخل لبنان لأنه «لا يريد لأحد أن يستخدم الأراضي السورية، لأن الشعب لا يحتمل حروباً جديدة».
ومن غير المستبعد أن تكون إسرائيل قد عَلِمَتْ من خلال استخباراتها أن هذه المخازن أُخْرِجَتْ من الخدمة وهي ممتلئة بالصواريخ ولن تُضرب في اتجاهها.
ومن المحتمَل أن تكون تل أبيب بادرتْ باغتيال القادة والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وبتدمير عدد كبير - مازال العديد من الصواريخ في مخابئ محصَّنة في لبنان - من الصواريخ المخزَّنة في مواقع فوق الأرض، بناءً على محدودية أعداد الصواريخ التي يستطيع الحزب إطلاقها ضد إسرائيل.
ولم يستطع الحزب الاستعانة بمخازنه الإستراتيجية داخل سورية ونقْلها بسهولة إلى داخل لبنان بسبب المراقبة الدقيقة الجوية الإسرائيلية لأي دعمٍ لوجستي يأتي من سورية. وتالياً، فقد ضُربت كل الطرق الشرعية والتهريبية بين لبنان وسورية، وهذا ما وَضَعَ تل أبيب في موقع متقدم على الحزب، من دون أن تستطيع هزيمته بسبب قوات المقاومة الجغرافية (أبناء القرى) مدعومةً من الوحدات الخاصة في جنوب لبنان والتي صمدت في مواقعها ومنعتْ تقدُّم القوات المحتلة وأَفْشَلَتْ أهدافَها بالسيطرة على منطقة جنوب نهر الليطاني بحد أدنى.
لا اتفاق سرياً
وتؤكد المصادر الموثوقة نفسها، أن لا صحّةَ لما يتناقله الإعلامُ عن «اتفاقٍ سِرّي بين الأسد وإسرائيل» يزعم الكشفَ من خلاله مواقع انتشار الحرس الثوري، وذلك لأن حركة المستشارين وأماكن وجودهم لم تكن يوماً سراً وكانت شبه عَلَنية.
فالمخازن الإستراتيجية كانت تحت رعاية قوات سورية معيّنة فرزتْها القيادة السورية لدعم الحلفاء. وتالياً، فإن الساحة السورية - التي اغتيل فيها عماد مغنية في كفرسوسة عام 2008 - كانت ومازالت مكشوفةً لأجهزة الاستخبارات المتعددة بإدراك القيادة.
لكن ما مَنَعَ إسرائيل من ضرْب المواقع الإيرانية ومَخازن «حزب الله» كان توازن الردع الذي فُقِدَ يوم كَسَرَ الأسد ظَهْرَ «محور المقاومة» وخرج منه برفْضه الانضمام إلى وحدة الساحات والسماح باستخدام الأراضي الحدودية السورية - اللبنانية كمنطلقٍ لتوسيع الحرب ومساحتها ومسرح عملياتها ضد إسرائيل.
لذا أصبحتْ المقاومةُ موجودة، كلٌّ في مسرحه، ولم يَعُدْ ما عُرف بـ «محور المقاومة» يجمع أطرافاً متعددة، بل باتت هناك مقاومة شعبية موجودة في مسارح متعددة منفردة لا ترتبط بوحدة المصير والتضحيات.
لذلك، فإن موقف الأسد - النابع من رفْضه لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم الطلب الإيراني - الروسي واعتقاده أن علاقاته العربية كافية لتأمين رفْع العقوبات عنه وعن سورية وأن عدم مشاركته بالحرب دعماً لغزة ستنقذه - أَسْقَطَهُ وعجّل في تسليم المدن الرئيسية بعد رفْض جيشه القتال، والانسحاب المنظّم الذي أدى إلى هروبه إلى روسيا وإنهاء حُكْمِه.
ولأيام عدة، وبعد سقوط الأسد، قامت إسرائيل بأكثر من 500 غارة أطلقت خلالها 1800 قذيفة وصاروخ ضدّ كل مخازن «حزب الله» الإستراتيجية التي لم تتجرأ على تدميرها طوال أيام الحرب خوفاً من فرْض معادلةٍ تجبر الأسد على السماح لـ «حزب الله» باستخدام الوحدات الصاروخية المنتشرة في سورية بأسلحتها المدمّرة.
وقَضَتْ أيضاً على كل المعامل والصناعات الحربية وسلاحيْ الجو والبحر لتترك للسوريين أسلحةً تُستخدم لأغراض أهلية أو دفاع محلي. وفَقدت سورية تالياً أي قدرة على حماية أراضيها على جميع حدودها المشترَكة مع فلسطين المحتلة والعراق وتركيا.
واستمرت هذه الغارات يومياً على دمشق وأريافها واللاذقية وكل المحافظات بما في ذلك الحسكة التي توجد فيها القوات الأميركية.
وتقدّمت القوات الإسرائيلية لتصل إلى بُعد نحو 17 كيلومتراً من العاصمة دمشق لتقف على مستوى جغرافي مقابل للبقاع الغربي اللبناني، وهو موقع لطالما أراد جيش الاحتلال الوصول إليه للالتفاف على الحدود اللبنانية وإيجاد فرصة الدخول من مناطق تختلف عن الجنوب اللبناني الصعب في حال الحرب للقضاء على «حزب الله» الذي أصبح في وضع جغرافي صعب.
كما أن إسرائيل باتت على بُعد 25 كيلومتراً من معبر الحدود السورية - اللبنانية.
ويبدو أن القيادة الجديدة تحرص على تقديم نفسها للعالم منفتحةً حتى على الجميع ولا ترغب بحروب جديدة في نظريةٍ قديمة، بأن قوةَ سورية «تكمن في ضعفها».