أفرزت الإدارة الأميركية في الخامس من تشرين الحالي "دونالد ترامب" رئيساً سابع وأربعون للولايات المتحدة في ظل مجموعة من التحديات الكبرى على كافة الصعد السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية منها، مع اشتعال العديد من الساحات الإقليمية، فمن جنوب شرق آسيا الى جبهة روسيا واوكرانيا ونزاعات افريقيا المسلحة الى استعار جبهة الشرق الأوسط التي تُعتبر من أهم الساحات تأثيراً على مستقبل العالم لما لها من أهمية على الجفرافيا الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية… كثُرت التساؤلات حول مصير المناطق آنفة الذكر بعد تصدي "ترامب" لإدارة البيت الأبيض،، فهل نحن ذاهبون إلى مرحلة "سلام واستقرار" بعد الوعود التي قدمها؟ أم أن المجريات الميدانية لهذه الساحات قد يكون لها رأي آخر؟ هل سيمنع "ترامب" على حد زعمه انقاذ العالم من حرب عالمية؟ أم أن رؤيته ووعوده بأمن الكيان وتوسيع جغرافيته ما زال ملتزم بها؟ ان الإجابة العلمية الموضوعية على هذه الاسئلة مرتبطة بوثاقة في مقدمة وبُعدين (اقتصادي واستراتيجي): بدايةً، وكما ذكرنا سابقاً فإن الولايات المتحدة تحكمها إدارة وأهداف، تتغيّر سياسة الديمقراطي والجمهوري في تنفيذ الخطط ولكن الهدف واحد هو السيطرة على الموارد الاقتصادية وتأمين الأمن الاستراتيجي للمشاريع الذي يشكّل بوابة لمفهوم "الحكم والسيطرة". وما الحرب إلا وسيلة يتم اللجوء اليها بعد فشل الاتفاق الديبلوماسي في توزيع المصالح وادارة المشاريع.. وفي إطلالة سريعة على توضيح الأهداف المرتبط بالحكم والسيطرة وتوزيع الادوار بين الجمهوري والديمقراطي، نرى ما يلي:
٢٠٠١-٢٠٠٩ (جمهوري- "بوش"): - ١١ ايلول ٢٠٠١: احداث تفجير برجيّ التجارة في نيويورك لنرى مفاعيلها في الشرق الاوسط بمفهوم "الحرب على الارهاب" من رعاة الارهاب. - ١١آذار ٢٠٠٣: في سياق الديمقراطية ظاهرياً غزت القوات الاميركية العراق ولكن مصالحها الاقتصادية -الطاقة والنفط تحديدًا-كانت الهدف على الصعيد الآني، واجهاض ولادة مشروع محور الممانعة على الصعيد الاستراتيجي،، ليخلّف صراعات مذهبية ودينية ودمار وارهاب. - ١٢ تموز ٢٠٠٦: مخاض ولادة الشرق الاوسط الجديد الذي أفشلته المقاومة العسكرية في الميدان والسياسية في ادارة المفاوضات، (تجدر الاشارة هنا ان عملية "خلّة وردة" اخذها الاسرائيلي كذريعة للبدء بتنفيذ مشروعه العسكري والميداني بعد فشل تطبيق القرار ١٥٥٩ بشقه المتعلق بنزع سلاح المقاومة). - ٢٠٠٨-٢٠٠٩: دخول مفاوضات الملف النووي الايراني في حائط مسدود، مع رفض "بوش" قيام اسرائيل بضربة للمفاعل الايرانية.
٢٠٠٩-٢٠١٧ (ديمقراطي -اوباما-) - ٧ كانون الأول ٢٠١٠: بدأت مفاعيل الفوضى الخلاقة تظهر بتطبيق خطة "جورج سورس" للنظام العالمي الجديد، فتحرّكت الشعوب بالثورات مطالبةً بإسقاط الانظمة، من تونس الى ليبيا الى مصر واليمن والبحرين لتكون اخر فصولها في سوريا. - ١٥ آذار ٢٠١١: في سياق الربيع العربي وبمظاهراتٍ خرج فيها السوريون مطالبين باسقاط النظام، بدأ الإرهاب بتغلغل الى الساحة السورية ليحولها الى ساحة صراع مفتوح وحلبة نزال تتصارع فيه الدول كلّ من أجل مصالحه، أما الاهداف الغربية فانقسمت الى كسر النظام الذي يعتبره المحور ممراً وداعماً للمقاومة المهددة لأمن إسرائيل ، بالإضافة الى السيطرة على موارد الطاقة البديلة والقرار الاستراتيجي لمنطقة شرق المتوسط لتأمين الممر الآمن للطاقة البديلة-الغاز- الى اوروبا، وهنا تجدر الاشارة الى ان دخول روسيا في الحرب الدائرة عام ٢٠١٥ كان من هذا المضمار حيث تسعى جاهدة في منع غاز المتوسط من استجراره الى اوروبا برعاية اسرائيلية. ولكن ايضا كُسر هذا المشروع أمام صمود محور الممانعة. - ٢١ نيسان ٢٠١٥: بدأت الحرب السعودية اليمنية بهدف ضمني أميركي يمنع وصول خط الحرير الصيني الى البحر الاحمر، وبهدف صيني يسعى الى تأمين الممر الاستراتيجي الآمن لمشروع الحزام والطريق، ما لبث أن انتهى الصراع بمصالحة إيرانية سعودية برعاية صينية. - ٢٠١٤-٢٠١٦: مراوحة في الاتفاق النووي الايراني ما بين الاتفاق بين ايران والدول ٥+١ ورفض من قبل السعودية ونتنياهو.
٢٠١٧-٢٠٢١ (جمهوري -"ترامب") بدأ في هذه المرحلة التحضير للنظام العالمي الجديد، وتخللت هذه المرحلة العديد من الاحداث المفصلية التي اسست لما نحن فيه اليوم، من جعل منطقة الشرق الأوسط ساحة نزال وتصفية حسابات واستنزاف، الى ازمة كورونا، الى الإتفاقات الابراهيمية لما لها من دور في انهاء قضية الصراع العربي الاسرائيلي الى اغتيال رأس النووي الإيراني ورأس فيلق القدس العسكري. ٢٠٢١-٢٠٢٥ (ديمقراطي-"بايدن") ضمن وحدة الاهداف مع اختلاف الخطط او توافقها، اتت مرحلة "بايدن" ممتلئة بالأحداث التي ما لبثت أن اشتعلت الساحات حروباً دموية عنوانها "الاستنزاف الطويل" تكتيكياً، والجغرافيا الاقتصادية استراتيجياً،، فمن حرب الغاز ومصادر الطاقة تُستنزف روسيا في "وحل" اوكرانيا،، الى الشرق الاوسط والممرات الاقتصادية الكبرى، بخوض فيها الكيان الاسرائيلي "حرب الوجود" آما المحور فيخوض نزال "البقاء" بمعركة مفادها أن الشرق الأوسط لم يعد يحمل مشروعين. وتجدر الاشارة ان الايراني حاول امتصاص صدمة حادثة "رئيسي" وانقسام الجمهور داخلياً واتمام اللمسات الاخيرة في برنامجه النووي، بنقل الحكم بشكل درامتيكي الى الاصلاحي ع أمل استمرار "الديمقراطي" بادارة البيت الابيض.
٢٠٢٥-…. (جمهوري-"ترامب") خالفت نتائج الانتخابات الاميركية هذا الاسبوع جلّ التوقعات فلم تحتدم المعركة الانتخابية ولم تتقارب النتائج بل تماهت عملية الانتقال بانسياب ناعم وأُعلنت النتيجة بأقل من ساعات،،، ولكن ماذا بعد تصدّي "ترامب"؟؟ الجواب، لا شيء سيتغير،،، وإن الذي بدأه "بايدن" سيُكمله "ترامب" وهذا ما بدا واضحاً وجلياً في ٣ لقاءات علنية (عربية/ mtv/ مطعم عباس في ميشيغن) كاشفًا عن وضوح الخطة للمرحلة المقبلة بالمحاور التالية: -ايقاف الحرب والسلام دائم في الشرق الاوسط : عبارة استساغها البعض كالغريق المنتظر "قشة" نجاة ممن ظنّه بأنه حمل وديع رافعاً راية السلام البيضاء، ولكن الحقيقة كامنة في أفعى ليّن ملمسها والسم ناقع في جوفها،، والغريب في كل ذلك لا بل التناقض البيّن يأن العالم يعيش منذ ال٢٠٠١ كذبة مكافحة الارهاب وكل إرهاب "اسرائيل" لم يلقَ حتى إدانة من ادارة الجمهوري ولا الديمقراطي بل كان الدعم المطلق اللامحدود للكيان الذي يزعم "ترامب" بأن سيحقق سلام ووئام بين "الكيان" وجيرانه. -الاتفاقيات الابراهيمية: ان الذي بدأه "ترامب" في ال٢٠٢٠ من اتفاقيات "تطبيع" من المحيط العربي يحمل هدف تكتيكي بالمعنى الاقتصادي المرتبط بأمن الممرات الاقتصادية، وهدف استراتيجي مرتبط بأهداف وركائز النظام العالمي الجديد الخمس المبني على خطة "جورج سورس"،، وهذا ما سيجهد "ترامب" من اكماله، ولن يحقق ذلك الا بعد تحقيق المرحلة الاولى المرتبطة بانهاء خطر المحور والمقاومة (لذلك ولتأكيد المؤكد، ان احداث ٧ تشرين ذريعة للبدء بالمشروع وانه لو لم يكن هناك ٧ تشرين لخُلقت الذريعة) -امن اسرائيل: هذا الكيان الذي أوجد في قلب العالم الاسلامي والعربي بخدعة غربية وتواطؤ شرقي بعد السيطرة على الشعوب وسلبها ارادتها، افتقد الى عمقه الاستراتيجي ما جعله جاهداً يوّقع اتفاقات تطبيع مع انظمة مرتهنة، ولكن بعد ٤ سنوات من البدء بتنفيذ "اتفاق أبراهام"، لم يعد هذا الكيان يكترث بتهديد امنه لانه جعل من بقاء الانظمة المرتهنة مرتبطة ببقائه، وها هو اليوم يُحيي ما كان قد دفنته المقاومة اللبنانية ب"حلم الدولة الكبرى" معيداً أمجاده بالسيطرة على ما بين الازرقين، فالتحكم بإرادة الشعوب أضمن من احتلال الأرض،، أما بما يخص فلسطين فلا رهان على حلّ الدولتين والذي يُفكر بها فمصير اسحاق رابين بانتظاره.
ختاماً، هذه حقائق الأرض، ورغم صعوبة المرحلة وسودويتها يبقى التوكل على الله هو حسبنا والرهان بعد الله وصاحب أمرنا على منعة مقاومتنا وصمود أهلنا، كما إن ردّ الأمر إلى الله وصاحب الأمر هو الملاذ الاخير وانا على يقين بأن المخرج من تدبيرهم حيث أن سنن الالهية غير قابلة للتعطيل (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا)،، (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ … وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا) في الخلاصة، إن النظام العالمي الجديد لن يُبصر النور، ولعنة العقد الثامن ستبقى تُلاحق الكيان حتى زواله،،