بين الغارة والغارة رعد... رجعت الشتوية - بقلم تقلا صليبا
شارك هذا الخبر
Sunday, November 3, 2024
"رجعت الشتوية... ضلّ افتكر فيي" حين يصدح صوت فيروزتنا وسفيرتنا إلى النجوم معلنًا عودة الشتاء، تحنّ قلوبنا إلى جلسات "الشاي" خلف الزجاج الذي يعكس ومضات البرق من حين إلى اخر، ونرتعش لجمالية صوت الشتاء المتساقط على الأسطح والشرفات، وتذوب حواسنا المشتاقة ل "عروس محمصة عالصّوبيا"... لكن هذا العام يا فيروزتنا لا يشبه كل الأعوام، فالشاي والعروس، والرعود والبروق، لن نستقبلها تحت أسقف منازلنا.
رجعت الشتوية ومعها أكثر من مليون نازح بالكاد مرّ الصيف عليهم، فما بالنا بالشتاء؟ أطفال افترشوا أحضان أهلهم لأن ما من سقف يحوي الدفئ خارجها، وأهالٍ تمسّكوا ببعضهم البعض، بعدما جرفت سيول الحرب تعب السنين، شيوخ تساقطت أوراق عمرهم المرة تلو المرة، والحرب تلو الحرب، وما عادوا يعرفون إذا كان من متّسع للوقت، ليعودوا ويبنوا ويستمتعوا بما بنوا، شابات اعتدن أن يتبارين عمّن الأجمل بينهن، صرن أسيرات مراكز الإيواء التي حرمتهن أبسط مقوّمات العيش.
"يا حبيبي... الهوا مشاوير" وأي مشاوير يا فيروزتنا؟ والسيارات محترقة، والطرقات مقطوعة، والمياه جرفت ما تبقى من مركبات، والاوتوسترادات عائمة، مجاريها ممتلئة نفايات، والوزارات المختصة "لم تنتبه" أن تنظّف المجاري قبل الشتوة الأولى، "الريغارات" بلا أغطية، لأن باعة الحديد يتاجرون بالسلامة المرورية، فيعرّون الطرقات والجسور ويسرقون معدّات شركة الكهرباء والمياه، وكل أنواع الكابلات والحديد التي "بتطلع بوجّن"...
"يا حبيبي... الهوا غلاب" وقد غلبتنا رياح الحرب ورياح الاقتصاد المنهار، ورياح الرابع من اب، ورياح المستشفيات المنهكة، ورياح المطار الوحيد الذي يستقبل طائراته على أنغام الغارات ودخانها، ورياح الهجرة التي جفّفت مجتمعنا من الشبّان، ورياح المدارس والجامعات المنهارة، ورياح الحرائق، ورياح الأيادي الخارجية التي تتلاعب بنا وتستعمل شبابنا أوراق رهان على طاولات التفاوض الإقليمية والدولية...
"لا تحزن يا حبيبي... إذا طارت العصافير" وكيف لا نحزن على بلدٍ طار بأكمله، فلا عاد الشتاء شتاءا ولا الصيف صيفا، بل صرنا نعيش في عين إعصارٍ دائمٍ، يقتلع كل شيء ويدمّر كل الناس، حتى صار الحزن يعصف بالقلوب بلا رادع، حتى صارت العصافير نفسها عاجزة عن الاستقرار على أرضنا المحروقة، حتى طارت العصافير كلها، في هجرة... لا عودة منها.
ولكن... كما تقولين يا فيروز... "وأنا عم بنطر على الباب... ولو فيي يا عينيّ... خبيك بعينيّ" هكذا نحن أيضا سننتظر... سننتظر خلف أبواب الأمل، خلف أبواب الدستور والقانون، خلف أبواب الدولة الموعودة، خلف أبواب بندقية الجيش... وحتى ذلك الحين... إلى الوطن نقول: يا عينيّ أولادك، في عينينا ستَختبِئ، إلى أن نمسح الدمع من عينيك، وحينها فقط، سنغنّي سويًّا خلف الزجاج... برائحة "الشاي والعروس"... على صوت المطر... مع فيروزتنا... "رجعت الشتوية".