ليلة هوليووديّة في الشرق الأوسط - بقلم نبيه البرجي

  • شارك هذا الخبر
Sunday, October 27, 2024

ليلة هوليوودية في الشرق الأوسط. الاخراج أميركي والتنفيذ "اسرائيلي". القنوات التلفزيونية الأميركية التي لفتتها دقة السيناريو، تساءلت اذا كنا أمام مسرحية هزلية من النوع الذي يعرض عادة في البيفرلي هيلز، أم أنه الكرنفال الذي يكشف دقة اللحظة الاستراتيجية إن في الولايات المتحدة أو في "اسرائيل"؟

حتى الساعة الأخيرة، كان الأميركيون يشككون بالتزام بنيامين نتنياهو بالضربة المحدودة، ليبدو من جهة أن أميركا (البنتاغون بصورة خاصة) ما زالت تؤثر في السياسات "الاسرائيلية"، ومن جهة أخرى أن نتنياهو لا يزال يحتفظ بشخصيته البهلوانية. المشهد في منتهى الوضوح، الرجل يواجه مأزقاً حقيقياً في جنوب لبنان.

كل ما يحدث على الأرض يفاجئ ويصدم القيادة السياسية والقيادة العسكرية في "تل أبيب". سلسلة طويلة ومعقدة من محاولات الاختراق على جبهة تمتد 75 كيلومتراً، ليواجه الغزاة برجال المقاومة يخرجون من خنادقهم. في غزة قيل ان المقاتلين يخرجون من قبورهم.


بالرغم من كل ذلك الخراب الذي ضرب كل أشياء الحياة، وبالرغم من ذلك العدد من الضحايا، لكأن الناس تغتسل من اليأس الذي أصابها لدى اغتيال السيد حسن نصرالله. ما يحدث في الجنوب يثير الذهول، كما يثير هلع الجنود "الاسرائيليين" الذين يهربون من المواجهة. الكثيرون منهم اشتكوا من أن "القيادة تركتنا لنعود جثثاً الى أمهاتنا".

العالم كان يظن، بعد انطلاق نحو 100 طائرة "اسرائيلية" (انه الكرنفال فعلاً) باتجاه ايران، أن ليلة الجمعة - السبت ستكون شبيهة بما فعله الأميركيون في طوكيو ليلة 10 أذار 1945، حين أغارت 300 طائرة أميركية على المدينة بالقنابل الحارقة، ليظهر أن ليلة طوكيو لم تكن أقل هولاً من ليلة هيروشيما.

المشهد هنا كان مختلفاً. لم تقترب أي طائرة "اسرائيلية" من الأجواء الايرانية، ولم تقترب أي قنبلة لا من المنشآت النووية، ولا من المنشآت النفطية، ليس لأن الأميركيين يريدون الابقاء على النظام في ايران، وهم الذين يعتبرون أن الثورة دخلت في الشيخوخة وفي الترهل، ولا بد من ان تسقط من الداخل، ومع اعتبار حدة الاحتقان الاقتصادي هناك، وان كان واضحاً أن اختيار مسعود بزشكيان كان لتغيير الكثير من المفاهيم ومن الرهانات، باتجاه نظرة جديدة الى الأفق.


لو ضرب أي من تلك المنشآت بالصورة التي تزعزع النظام، لكان الرد في منتهى الشدة (لاحظتم التعليقات الايرانية الهادئة). واذ لا يستطيع "الاسرائيليون" استيعاب مثل ذلك الرد، كان لا بد أن تكون الضربة النووية، ما يعني دخول الشرق الأوسط في الخراب الأبوكاليبتي.

وراء الضوء يحكى عن "الصفقة الأميركية ـ الايرانية"، والى حد القول ان الايرانيين الذين "باعوا "حزب الله" عسكرياً يستعدون لبيعه سياسياً". هذا ليس بالصحيح. المعلومات الموثوقة أن طهران ضاعفت اهتمامها بالحزب وعلى المستويات كافة، وقد فاجأ الداخل والخارج بأنه استعاد ديناميكيته في سرعة قياسية، وبعد تلك الصدمات المتتالية التي بدا في وقت من الأوقات، أنها لن تقلب المشهد اللبناني فقط راساً على عقب، بل المشهد الشرق أوسطي أيضاً...

ثمة شيء ما سيتغير. تركيا وقطر تضغطان على حماس لابرام صفقة الرهائن ووقف النار. هذا حتماً له انعكاساته على لبنان، بعدما بدا أن الضربة "الاسرائيلية" جزء من السيناريو اياه، وببدء التقهقر "الاسرائيلي" في الجنوب اللبناني.


هذا لا يحد من حال التوجس مما يتم اعداده للداخل اللبناني. الكثير يحكى عن الانتشار العملاني "للموساد" في البلد، تزامناً مع الحديث عن الفتن المتنقلة التي، من الطبيعي أن تكون المدخل الى ما هو أكثر خطورة بكثير. ولكن، بعد تجربة بعض القوى اللبنانية مع "اسرائيل" في السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، يبدو أن الخيار "الاسرائيلي" هو في الاغتيالات.

مَن راهنوا على ضرب المقاومة من الداخل، وقد وصل بهم الرهان حد تسمية رئيس الجمهورية العتيد وكذلك رئيس الحكومة، يتحدثون عن العين "الاسرائيلية" الحمراء في اتجاه الرئيس نبيه بري، الذي اذا غاب عن المسرح السياسي، بعد غياب الأمين العام لحزب الله، ضاعت المقاومة، وتفرق أنصارها أيدي سبأ.

كثيرون في هذه الأيام، الذين أيديهم على قلوبهم...

الديار