هل كان الزلزال ضروريّاً لإنهاء المغامرة الإيرانيّة؟ - بقلم رضوان السيد
شارك هذا الخبر
Tuesday, October 15, 2024
تضاءل الحديث عن ترتيبات اليوم التالي لتوقّف الحرب على غزة. وانصبّ الحديث على اليوم التالي في لبنان. وفي هذا الصدد هناك مشهدان لا مشهد واحد.
يتصوّر المشهد الأوّل أن يتوقّف إطلاق النار وينصرف الدوليون إلى إجراءات تطبيق القرار رقم 1701، وفي الوقت نفسه إجراء ترتيبات لانتخاب رئيس “توافقي” للجمهورية. والبارز في مشهد هذا التصوّر الفرنسيون والرئيس ماكرون بالذات الذي تحدّث إلى الرئيس بري قبل ثلاثة أيام بعدما تحدّث إليه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن.
وقد انفتح هذا المشهد باجتماع الثلاثة ميقاتي وجنبلاط عند بري.
لكنّ موقف برّي عاد إلى الغموض على الرغم من تكليف الحزب والإيرانيين له بإجراء ما يراه مناسباً. لماذا لم يمضِ برّي في إنفاذ أو محاولة إنفاذ هذا التصوّر على الرغم من صدوره عنه في الأساس، وكلامه مع بلينكن وماكرون؟ قيل لأنّ التكليف لم يحصل في الحقيقة بدليل تردّد الإيرانيين.
يقال أيضاً إنّ الإيرانيين مهتمّون بالدرجة الأولى بالاطمئنان على مصائر الحزب أو إنّهم لا يعطون كلمتهم الأخيرة إلّا بعد تبيُّن ماهية الضربة الإسرائيلية أو الردّ الإسرائيلي على إيران. إذ إنْ كانت الضربة كبيرة فلا شكّ أنّه سيكون للحزب على الرغم من الضربات الكبرى عليه دورٌ في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية من خلال بالستيّاته الكثيرة التي لم تُستخدمْ بعد.
ومن تفرّعات المشهد الأوّل هذه الهجمات الإسرائيلية في كلّ أنحاء لبنان والإعلان أنّهم يهدفون إلى تمكين المهجَّرين الإسرائيليين من العودة إلى قراهم في الشمال، وبخاصة أنّ ضربات الحزب على شمال الكيان لم تتوقّف بعد.
لكن لو كان الهدف إعادة النازحين إلى قراهم لأمكن بالتفاوض الوصول لذلك باعتبار أنّ الحزب سيوقف هجماته بالجنوب على الشمال أو لن يستطيع الجيش اللبناني، حسب هذه الفرضية، الذهاب بقوّاتٍ معزَّزةٍ إلى منطقة الليطاني: فهل يكون هدف إعادة المستوطنين كلاماً سياسياً من أجل الاستمرار في الحرب على الحزب إضعافاً أو سحقاً لتأمن إسرائيل لسنواتٍ من هذه الجهة كما تعتقد أنّها صارت آمنةً في غزة؟
هكذا تكون عقبات إنفاذ القرار الدولي آتيةً من الجهتين: جهة برّي ومن ورائه الحزب والإيرانيون، وجهة إسرائيل في أهدافها غير المعلنة. فهم يصرّون كلّ الوقت على أنّ هذه الحرب ليست كحرب عام 2006.
استعادة اجتياح 1982
لنصل إلى المشهد الآخر أو الثاني، والكلام عنه يتردّد في الصحافة الأميركية. تتحدّث تلك الصحف عن مشهدٍ يشبه مشهد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. فقد كان الهدف إخراج منظّمة التحرير من لبنان، وقد حدث.
والهدف الثاني الذي لم يتحقّق هو المجيء بسلطة موالية لإسرائيل تعمل معها اتفاقية سلام، وقد انتُخب بشير الجميّل رئيساً بالفعل، لكنّه قُتل، وأمّا مفاوضات السلام مع سلطة أمين الجميّل فقد فشلت كما هو معروف بسبب المعارضة السوريّة، وظهور معارضة داخلية تنامت وشارك فيها الحزب في خطواته الأولى بضرب السفارة الأميركية في بيروت والقوات الأميركية والفرنسية التي جاءت إلى بيروت لحماية المخيّمات ومساعدة السلطات اللبنانية على العودة للفعّالية.
يفترض هذا المشهد أو السيناريو إنهاءً لقوى الحزب وسلاحه ومقاومته في حربٍ جوّيةٍ طويلة، وفي الوقت نفسه وبسرعة إنهاك الحزب في منطقة الليطاني وإبعاده إن لم يمكن القضاء عليه تماماً.
وعلى وقع الضعف الشديد للحزب، وغياب الطرف السوري هذه المرّة، تجري إقامة السلطة اللبنانية الجديدة التي تطبّق القرارات الدولية، ولا حاجة إلى الحديث الآن عن اتفاقية للسلام لعدم إثارة عوائق وإشكاليّات لا داعي لها، ما دام الهدفان سيتحقّقان: أمن إسرائيل، وإعادة الجمهورية اللبنانية للعمل، إذ لن تستطيع ذلك إن بقي الحزب وإيران في ما وراء الليطاني، وعلى كتف بيروت.
إنّ هذا السيناريو الذي لم يصبح مشهداً عليه دلائل تتمثّل في الغارات الإسرائيلية الشاملة لكلّ الأنحاء، وتهجير الشيعة من معظم الجنوب، وملاحقتهم باعتبارهم بيئة حاضنةً في كلّ لبنان، والإثارة الشعبية ضدّ الحزب من جانب بيئته المنكوبة، ومن جانب سائر اللبنانيين الذين ما عادوا يتحمّلون ضغوط اللجوء على الرغم من قصر المدّة. والأمر الآخر يتّصل بالوضع العامّ لإيران وميليشياتها بالمنطقة.
فهناك من يقول إنّه من ضمن تكتيكات التفاوض مع إيران للتحكّم في الردّ الإسرائيلي عليها إعادة النظر في مصائر ميليشياتها في لبنان وسورية. إيران لا تريد حرباً تنهزم فيها، وهي تصرّح بأنّها لا تريد الحرب بالفعل ويطوف دبلوماسيّوها بالمنطقة والعالم للإقناع بذلك وتخفيض درجة الردّ الإسرائيلي. فهل يكون خيار السلامة لديها التخلّي عن الميليشيات، ومنها الحزب، وامتداداتها في سورية والعراق.. واليمن، كما شرب الخميني السمّ لكنه أوقف إطلاق النار مع العراق عام 1988؟!
طموح إسرائيليّ أم أميركيّ؟
هل هو طموحٌ إسرائيلي أم أميركي؟ فحتى في إسرائيل يقال إنّه ليس من مصلحة إسرائيل الحرب الطويلة الأمد، بل تأمين حدودها فقط. أمّا الأميركيون فلديهم استراتيجياتهم الشاسعة في البرّ والبحر والجوّ وأساطيلهم حاضرة في كلّ مكان، وكذلك من طموحاتهم إخراج الروس وضبط الأتراك.
يبدو إردوغان منزعجاً جداً في الفترة الأخيرة ليس من أجل غزة وفلسطين فقط. بل ومن الخطط الشاسعة لإسرائيل ومن ورائها أميركا. فهو يعتبر أنّ غزواً إسرائيلياً لسورية يشبه ما يحصل في لبنان يهدّد الأمن القومي التركي، ويطلب من زميلَيه الروسي والإيراني الانتباه أكثر لأمن سورية ووحدة أراضيها.
لقد عقد البرلمان التركي أخيراً جلسةً سرّيةً خرج بعدها إردوغان متوعّداً، وقد كثرت إمداداته للقوات التركية في سورية في الشهرين الأخيرين على الرغم من أنّه يلتمس التفاوض مع الأسد. ثمّ هناك الموقف البارد للأسد من الحرب كلّها، على الرغم من استقباله للمبعوثين الإيرانيين على مضض، وكأنّما الضربات الإسرائيلية اليومية على الإيرانيين في سورية تحدث في مكانٍ آخر. ويقال إنّه حصل تقاربٌ بينه وبين الأميركيين على الرغم من وقوف الروس والإيرانيين على أكتافه العريضة.
خلال أقلّ من شهرين تتغيّر الإدارة الأميركية، لكنّ الاستراتيجيات لا تتغيّر، والتنافس الدولي بل التصارع مستمرّ. ولا شكّ أنّ هناك نقلة استراتيجية في المنطقة كلّها، يوجّهها ترامب إن فاز بالصدمات، وتوجّهها هاريس إن فازت بالمفاوضات الطويلة الأمد على طريقة أوباما.
بين حربَي 1967 و1973 نشر صادق جلال العظم كتابه: “العصر الإسرائيلي”، ففي خضمّ أيّ عصرٍ نحن؟ نتنياهو يتفاخر بأنّه يستطيع الضرب في كلّ مكان، وأنّه يصنع شرقاً أوسط جديداً.
وقد خسرت إيران خسائر هائلة في الهيبة والحسابات، وهو ما لم تشهده منذ تعاظم مكاسبها بالغزو الأميركي للعراق عام 2003.
لكنّها ما انهزمت بعد. أمّا الفلسطينيون واللبنانيون… والعرب فقد خسروا بدون حدود، فهل كان هذا الزلزال الهائل المضمّخ بالدم ضروريّاً لإنهاء المغامرة الإيرانية الكبرى؟!