من نشوة غزّة إلى نكبة فلسطين ولبنان- بقلم جوزفين ديب

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 10, 2024

من “نشوة” غلاف غزّة في 7 أكتوبر 2023 و”نشوة” 8 أكتوبر جنوب لبنان، إلى وضوح علامات “النكبة” في فلسطين عموماً، ولبنان كلّه. الأكيد أنّ استمرار الحديث عن “الانتصار” بات مأساة بحدّ ذاته. بعد مسار اتّخذته إسرائيل بتنفيذ “استقلالها الثاني” بعد “استقلالها 1948″، من الضفة الغربية وغزة، وصولاً إلى جنوب لبنان وبيروت. والمكابرة ستؤدّي بنا إلى انتحار جماعي. بعد 7 أكتوبر قرّر نتنياهو أن يبادر إلى “تغيير خريطة الشرق الأوسط”، ناعياً “أوسلو”، ومستعيداً “سلام مدريد”… ولبنان الرسمي رفض كلّ التحذيرات، منذ الأشهر الأولى، وأصرّ على الاستمرار في حرب كان يقيناً أنّه سيكون ضحيّتها الأكبر.

“إسرائيل التي تعرفونها انتهت وما بعد هذا التاريخ ستتعرّفون على إسرائيل جديدة”. هكذا اتّخذت إسرائيل قرارها بالردّ على عملية طوفان الأقصى. ومنذ ذلك الحين بدأت الوساطات الدولية لمنع تدحرج المنطقة إلى حرب كبرى. فكيف تلقّفت حركات المقاومة التحذيرات الجدّية بأنّ نتيجة الحرب لن تكون لمصلحتها؟

بداية من غزّة: بدأت حركة حماس بمطالبها بـ”تبييض السجون”، وفكّ الحصار عن القطاع و”إنهاء آخر احتلال” على وجه الأرض، وصولاً إلى الاعتراف بأوسلو وحلّ الدولتين، وذلك في الورقة المشتركة مع منظمة التحرير الفلسطينية في ما سمّي “مصالحة فلسطينية فلسطينية”.

إلا أنّ مسار الحرب لم يكن كما تشتهي حماس، وعلى الرغم من المجازر التي ارتكبها العدوّ الإسرائيلي استمرّ التمسّك برفع السقوف حتى اغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنية. بعدها، وبعد تدمير القطاع وقتل أهله، وتشريد الملايين في خيم على الطرقات، عادت حماس إلى شروط ما قبل الحرب: وقف إطلاق النار، انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وإعادة إعمار قطاع غزة. وهو ما كان متوافراً للغزّيين قبل الحرب، باستثناء من استطاعت حماس إخراجهم من المعتقلات على الرغم من دخول الآلاف غيرهم إليها.

فشلت كلّ التحذيرات، وباتت المطالبة بالعودة إلى غزة قبل الحرب مستحيلة بعد الحرب.

الحزب في لبنان… وإهمال التّحذيرات

لم يكن هذا المسار بعيداً عن الحزب في لبنان. فاللبنانيون تابعوا مستجدّات غزة وانهيارها يوماً بيوم. إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً لتلقّف المبادرات الدولية المتكرّرة طوال سنة كاملة والدعوات الدولية والموفدين الذين طلبوا عدم التصعيد… حتّى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

لقد توالت العروض على الحزب بحفظ ماء وجهه أكثر من مرّة. ومن هذه العروض ما سبق أن فصّلناه في موقع “أساس” عن تحرير الأراضي المحتلّة في جنوب لبنان، وتحديد النقاط الحدودية لمصلحة لبنان، والبدء بالتنقيب عن النفط وإعادة إعمار البلد ووضعه على السكّة لتنفيذ الإصلاحات والنهوض بالاقتصاد وإعادة إعمار الجنوب.

إلا أنّ ذلك، وعلى الرغم من أنّه أتى من أكثر من جهة دبلوماسية غربية وعربية، لم يكن كافياً لوقف حرب الإسناد والقبول بالمخرج الدولي. استشهد الأمين العام للحزب، دافعاً فاتورة تموضعه إلى جانب غزة. وبعدئذٍ سقطت قيادات ميدانية وماليّة وسقط مدنيون ودمّرت الضاحية والجنوب والبقاع، وخسر الحزب طرق إمداده، ولا يزال البعض يرفض الاقتناع بأنّ التحذيرات كانت جدّية ولم تكن تهويلاً كما كان يصفها كثيرون.

حرب أم إبادة؟

لم يكن 2023 – 2024 عام الحرب، بل كان جريمة إبادة البشر والحجر.

بين “سيوف حديدية” و”سهام الشمال” و”اليد الطويلة” أجاب نتنياهو على كلّ من قال إنّه لا يستطيع أن يفتح جبهات عدّة في الوقت نفسه. حرص نتنياهو على أن يكون لكلّ اغتيال ولكلّ غارة رسالة. فتدرّج في حربه كمن يلتهم فريسته معنوياً قبل اغتيالها جسدياً. أعظمها وأخطرها وأشدّها وقعاً كانت في اغتيال القائد الجماهيري الملهم الذي يعطي القوّة لكلّ بيئته وجمهوره، والفارض “وهرته” على كلّ اللبنانيين. اختار نتنياهو ما يعرف بسرب الـ69 وطائرات الـF15 لاغتيال الأمين العام للحزب في رسالة واستعراض قوّة يقول فيها: “أنا من يرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد”.

لا جدوى من تكرار سياق الحرب، بل الأجدى تقويم ما صدر من نصائح ومفاوضات حاولت الحؤول دون الدخول في هذا المسار. منها ما كان متواطئاً، لكن منها ما كان صادقاً أيضاً.

التّعلّم من التّجارب التّاريخيّة: نكسة الـ67

في الماضي غير البعيد، لا تزال النكسة العربية في عام 1967 أمام إسرائيل حاضرة في الذاكرة. يومها لم يكابر العرب، وتحديداً جمال عبد الناصر. بل اعترف بالهزيمة واعتبرها “نكسة” وعاد إلى قواعده الشعبية والعسكرية لتحضير نفسه، وحقّق جيشه انتصاراً على إسرائيل في حرب 1973، بعد 3 سنوات من وفاته، على يد خليفته أنور السادات. لم يتّخذ الحزب في لبنان العبرة، بل مضى في مسار بدا منذ بداياته انتحاريّاً بسبب حسابات أيديولوجية أو حسابات إقليمية لا فرق. النتيجة واحدة.

قالت مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” إنّ “نتنياهو لن يوقف حروبه قبل الوصول إلى أهدافه. تماماً كما يقول في غزة. وهدفه أن تقود إسرائيل بشراكة مع الخليج منطقة الشرق الأوسط لتحقيق الأمن الأبديّ والازدهار لإسرائيل”. وأضافت المصادر: “في رؤية نتنياهو أنّه لا يريد لاتفاق أوسلو الذي وقّعه إسحق رابين وأبو عمّار أن يُستعاد على الطاولة، بل يريد استعادة اتفاق مدريد للسلام بغضّ النظر عن مدى قدرته على تحقيق ذلك في المدى القريب أو البعيد”.

حقائق مؤلمة: من الـPagers إلى غزّة

كما بات معروفاً، بحسب تقرير نشرته “واشنطن بوست”، فإنّ “الموساد” عمل منذ عام 2015 على صفقة الـPagers المفخّخة. وأمضى “الموساد” السنوات التسع الأخيرة يتنصّت على كلّ اتّصالات الحزب التي كانت مكشوفة تماماً لإسرائيل. إلى درجة أنّ الأمين العام نفسه كان مكشوفاً لإسرائيل التي تمكّنت من رصد حركته وأماكن اقامته، بالإضافة إلى كلّ القياديين. وهذا ما يفسّر دقّتها في الإصابات ومعرفة أماكن كلّ القياديين الميدانيين، والمسؤولين الماليين في الحرب.

وعليه، لا بدّ من الاعتراف بأنّه في السنوات الخمس عشرة الماضية كان اللبنانيون يعيشون في “وهم” أنّهم أقوياء لمواجهة إسرائيل في أيّ حرب مقبلة، أوّلاً بناء على نتائج حرب تموز 2006، وثانياً بناء على خطاب وسردية الحزب في الداخل اللبناني، إلى أن وقعت الواقعة واغتيل الصفّ الأوّل في الحزب، في الميدان والمال وليس في السياسة. وهذا ما يفترض نقاشه لاحقاً.

أمّا عن غزّة، فبناءً على دراسة أصدرتها الأمم المتّحدة، تحتاج إعادة بناء القطاع 16 عاماً. هذا إذا انتهت المعارك الآن، وإذا وفّرت الأسرة الدوليّة الأموال الضروريّة. هذا عن الحجر. أمّا عن البشر، فكلّ التقارير تشير إلى وجود حوالي عشرة آلاف جثّة تتحلّل ببطء تحت ركام غزّة، إضافة إلى مئات آلاف القنابل غير المنفجرة. وهو ما يجعل إزالة الركام عمليّة محفوفة بالمخاطر.

أمّا المناطق التي تتعرّض للقصف في لبنان، فهي لا تختلف عن غزة. فقد تحدّثت تقارير إنسانية عن “تبخّر” أكثر من 300 شخص في اغتيال نصرالله وحده، بالإضافة إلى كلّ من لا يزال تحت الركام من دون قدرة على النجاة.

لحظة مصيريّة: هل نعترف؟

تمرّ المنطقة في لحظة مصيرية، وفي لبنان، بين موقف إيران وموقف الحزب، وبين مواقف القوى الداخلية، أصبحت الهوّة كبيرة تنذر بانقسام لن تكون تداعياته قليلة. وبالتالي فإنّ النكبة ستتحوّل إلى نكبات. في حين تنهي إسرائيل قصف بنك أهدافها من دون أيّ رادع.

لذلك كان كلام نائب الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم اليوم أكثر من خطر ومستفزّ ليس فقط للّبنانيين من غير المؤيّدين للحزب، بل لمأساة إنسانية هي قنبلة موقوتة على الطرقات لا يمكن توقّع توقيت انفجارها، من النازحين وصولاً إلى القصف الذي يتوسّع إلى كلّ المناطق.

أمّا مقاومة الإجرام الإسرائيلي فهي حقّ وواجب لن تمحوهما هذه النكبة لأنّه سيخرج دائماً بأشكال متعدّدة كما سبق أن فعل.

لكن بين هذه الحقيقة التاريخية وبين عمل نتنياهو على محو كلّ شكل من أشكال المقاومة لفرض شروط مدريد، لا بدّ من التوقّف قليلاً والبحث العقلاني، بعيداً عن الأيديولوجية التي قد تذهب بالبلد إلى الانتحار.


أساس ميديا