خدمة قدّمها خطاب خامنئي- بقلم نديم قطيش

  • شارك هذا الخبر
Monday, October 7, 2024

تختصر خطبة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تأبين حسن نصرالله، كلّ العلل التي أصابت لبنان، ولم تزل.



دعوته للّبنانيين أن “قاوموا”، مصحوبةً بلغة غيبيّة وفئوية عن الشهادة ومضامينها المتعلّقة بالكرامة الإنسانية، ورؤاه السياسية عن نهاية إسرائيل وإيكال هذه المهمّة لشعب شبه أعزل، تذكير بالطريق المروّع الذي قادت إيران لبنان إليه خلال العقود الماضية.

لا بطولة في إصرار خامنئي على استمرار المقاومة، بل إمعان في تجاهل حقيقة لبنان الراهنة ومعاناته المريرة من الانهيار المؤسّساتي والاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والماليّ. يعيش لبنان الآن التطبيق العمليّ لنظرية حوّلته إلى جبهة أولى في معركة إيران الأيديولوجية مع إسرائيل، ويدفع ثمناً يهدّد مستقبله كلّه، في سبيل تفادي مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

طريق 1982

وإن كان لنا أن نتصارح بشأن شعار “طريق 1982” الذي يرفعه الآن الحزب لتقديم سرديّته عن النضال والكفاح والتضحية والوطنية، فإنّ هذه الطريق، وبرعاية مباشرة من إيران ومنطق خامنئي، قلّصت أدوار لبنان الكثيرة والمبهرة إلى دور واحد، وهو مقاومة إسرائيل لا تقفل أبواب الدبلوماسية بوجه المشاكل التقنيّة العالقة بيننا وبينها. ولأجل ذلك أُلغيت أدوار لبنان كلّها، حتى صار بالفعل “يشبه لبنان المقاومة” كما صدح يوماً رئيس كتلة الحزب البرلمانية محمد رعد! فهذا اللبنان المنذور بحسب خامنئي لإنهاء إسرائيل الحتميّ وضمان إزالتها من الوجود، يصير محتوماً عليه، في سبيل المعركة المقدّسة، أن يختبر المزيد من العنف وإراقة الدماء، بما يضمن تبديد كلّ فرص السلام والاستقرار له وللمنطقة من بعده.

لكن، ولحسن الحظّ ربّما، فإنّ خطاب خامنئي ليس مجرّد حكم بالإعدام على لبنان، بل هو وصفة لتدمير الجمهورية الإسلامية في إيران نفسها.

يعرف النظام في طهران أنّه تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية والشعبية، لا يستطيع تحمّل حرب شاملة مع إسرائيل
الفجور التّعبويّ الإيرانيّ

يعرف النظام في طهران أنّه تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية والشعبية وتهالك ترسانته العسكرية، لا يستطيع تحمّل حرب شاملة مع إسرائيل. الفجور التعبوي الإيراني لن يكون مختلفاً عن الفجور التعبوي للحزب الذي انكشف انكشافاً فاضحاً في هذه المعركة، حيث لا مئات آلالاف من الصواريخ ولا من يحزنون ولا جبهات موحّدة ولا من يحزنون ولا مئات آلاف المقاتلين الأجانب ولا من يحزنون. وهكذا سيكون حال إيران حين توضع أمام الامتحان. لن يكون شكل إيران أمام إسرائيل أقلّ مهانة من شكل روسيا أمام أوكرانيا!

خامنئي

لا يقلّل هذا الواقع من استعدادات خامنئي لتدمير الشعب الإيراني في سبيل طموحاته الأيديولوجية، ورؤاه الواهمة بشأن الهيمنة الإقليمية وسرديّة الشهادة والكرامة وتحويل البشر إلى مجرّد قرابين إلهية. فإيران كانت تعتقد حتى الأمس أنّ حماستها الأيديولوجية وقوّتها العسكرية غير التقليدية ستقودان إلى زوال إسرائيل، بيد أنّ الحقيقة أنّ مثل هذه الحرب، كما تخوضها إسرائيل الآن، ستجلب معاناة لا توصف للشعب الإيراني ودماراً غير مسبوق لنظام الملالي.

انتهى الزمن، الذي سُمح فيه لإيران بتحدّي إسرائيل بشكل غير مباشر، ولعقود طويلة، من خلال استراتيجية الحروب عبر الوكلاء وأبرزهم الحزب. خطاب خامنئي يمهّد الطريق أمام صدام مباشر، تمتلك إسرائيل بشأنه الكثير من الثقة والاستعداد وتترقّبه إيران بالكثير من الترقّب والخوف.

إصراره على عنوان “إنهاء إسرائيل”، لا سيما بعد 7 أكتوبر 2023، ما عاد ينظر إليه كخطاب ترويج معدّ لخدمة مصالح نظام ولاية الفقيه الأيديولوجية، بل بات خطراً حقيقياً يواجه منطقة بأكملها ما عاد ممكناً لها التسامح مع جنون الأيديولوجية والتثوير والميليشيات. كما بات يشكّل خطاب خامنئي تهديداً مباشراً للسلام والأمن العالميَّين، من خلال حديثه المباشر عن خطوط الطاقة وسلاسل الإمداد التكنولوجي وموقع إسرائيل في هذه المعادلة، بما يمهّد الطريق لحرب إقليمية أوسع.

تختصر خطبة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تأبين حسن نصرالله، كلّ العلل التي أصابت لبنان، ولم تزل
قد يكون خطاب خامنئي، على الرغم من عدم اكتراثه بمآسي اللبنانيين، هو أهمّ خدمة أُسديت للمنطقة، لما شكّله من جرس إنذار للمجتمع الدولي بشأن الحاجة الملحّة إلى إعادة تقويم دور النظام الإيراني في الأمن العالمي. استمرار إيران في تعزيز ما يسمّى المقاومة ومشروعها المتمحور حول تدمير إسرائيل ليسا مجرّد تصريحات أيديولوجيّة، بل بات ينظر إليهما بقناعة أكبر أنّهما مخاطر استراتيجية تهدّد بإشعال صراع إقليمي مدمّر.



بات العالم يدرك الخطر الحقيقي الذي تمثّله سياسات إيران، وساعة نظامها دنت بما لا يدع مجالاً للشكّ.