"اللقاء اللبنانيين الشيعة": محاولة لفتح نافذة في جدار الاحتكار- بقلم إبراهيم الرز

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, June 3, 2025

انعقد مساء الأحد الماضي مؤتمر سياسي حمل عنوان "لقاء اللبنانيين الشيعة" في قاعة 900 بـ"سي سايد أرينا"، شارك فيه العشرات الناشطين والمثقفين والسياسيين المستقلين الشيعة. اللقاء ليس تجمّعًا عابرًا، ولا مجرد مساحة للتعبير، فقد أراده المجتمعون أن يكون انطلاقة فعلية نحو بناء مشروع سياسي في محاولة جديدة تهدف إلى تمثيل فعلي للطائفة الشيعية من خارج منظومة الثنائي الشيعي، الذي احتكر القرار والتمثيل لعقود. والمؤتمر جاء في لحظة مفصلية، وهو لم يكتف بالبعد السياسي، بل سلط الضوء على الهموم الفعلية للطائفة الشيعية، ليشير إلى مكامن الفوضى التي تسود اوساطها الشعبية، ويتطرق إلى سيادة العصابات وانتشار المخدرات والمافيات في أكثر من منطقة، مع استمرار طغيان منطق الدويلة، والخروج الكامل عن الدولة ومؤسساتها. من هنا، فإن أي مبادرة جدية لا بد أن تبدأ من هذه الأرضية، لا أن تتجاوزها، وأن تسعى إلى إعادة تنظيم الداخل الشيعي، لا التكيّف مع اختلالاته.
من هنا طرح المجتمعون ضرورة النزول إلى الأرض وعقد لقاءات وتنظيم نشاطات لمساعدة الشرائح الاجتماعية في المناطق الشيعية على التفريق بين الالتحاق بمن يحتكر الطائفة وبين الالتحاق بركب المواطنة والالتزام بالقوانين بما يؤمن لهذه الشرائح حاضرا ومستقبلا لهم وللأجيال المقبلة.

جاد الأخوي، رئيس ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين، اعتبر أن الرسالة الأولى من هذا المؤتمر موجهة بوضوح إلى الثنائي الشيعي، ومفادها أن هناك تمثيلاً سياسياً شيعياً خارج معادلاته واصطفافاته. أما الرسالة الثانية، فهي إلى قوى 14 آذار، التي – منذ العام 2005 – لم تتعامل بجدية مع واقع الشيعة في لبنان، وكأنها تخلّت عنهم وتركتهم رهينة الطرف الأقوى. بالنسبة إلى الأخوي، فإن أي ائتلاف وطني فعلي لا يمكن أن يُبنى من دون مشاركة الشيعة الذين لا ينضوون تحت لواء الثنائي. هم كثر، موجودون، ويتطلعون إلى الشراكة، لكنهم يُقابلون بالإنكار أو الإقصاء. ويذكِّر بأن محاولات عديدة جرت في السابق لبناء تجمعات سياسية عابرة للطوائف، تؤمن بمشروع وطني جامع، لكن التجربة اللبنانية السياسية كانت دائمًا تعاكس هذه الرغبة. في كل تحالف وطني شامل شارك فيه، كان يلاحظ أن الشيعة يُتركون وحدهم في منتصف الطريق. ولهذا، جاء هذا اللقاء من داخل الطائفة الشيعية، لا للخروج من الوطنية، بل للدخول إليها من الباب الحقيقي الذي يفتح على الواقع لا الوهم.

السيد محمد الأمين، المنسق العام للقاء اللبنانيين الشيعة، أكّد أن هذا الاجتماع هو محطة ضمن مسار طويل، امتد على مدى سبع سنوات من الاجتماعات والمحاولات والحوارات. ليس عملاً طارئًا، ولا انفعالًا سياسيًا، فهو يشكل استمرارا لمسار يحمل عنوانًا واضحًا: فتح المجال للتعدد داخل الطائفة الشيعية، بعدما جرى طمس كل تنوّع سياسي وفكري واجتماعي فيها، بفعل الهيمنة المفروضة من قبل القوى المسلحة والمرجعيات الدينية. وشرح أن الهدف من اللقاء ليس احتكار التمثيل الشيعي، بل خلق منصة سياسية مفتوحة، تسمح بالتعبير عن الرأي، وتمنح الصوت المختلف داخل الطائفة قدرة على الوصول والتأثير. التسمية التي اختيرت، "لقاء اللبنانيين الشيعة"، ليست عنوانًا انعزالياً أو طائفياً، بل جاءت ردّاً على واقع بات فيه الشيعي المختلف غير مرئي، وغير مسموح له بأن يظهر. فبينما تعيش بقية الطوائف اللبنانية على إيقاع النقاشات والخلافات الداخلية، حُجِبَ هذا الحق عن الشيعة، وأُلغي الاجتهاد باسم الانضباط.

جاد الأخوي أعاد التأكيد أن تسمية اللقاء بهذا الشكل، أي من داخل الطائفة، ليست تراجعًا عن الطموح الوطني، بل خطوة اضطرارية للتموضع داخل النظام السياسي القائم. فالقانون الانتخابي – كما يقول – يُجبر الجميع على التفكير وفق الهوية الطائفية، حتى أولئك الذين يتبنون مشاريع سياسية مدنية. ولهذا، يقول: "نحن مضطرون أن نقول إننا نمثل الشيعة، لكي نخلق خياراً لمن يريد أن يتحالف معنا. لن يأتي أحد إلينا إذا لم نقل بوضوح: نحن هنا". ويضيف أن كثيرين لم يحضروا المؤتمر، لكنهم وعدوا بالمشاركة لاحقاً. المسار طويل، لكنه بدأ، هذه المرّة بخطاب صريح وخطة واضحة.

محمد الأمين شدد من جهته على أن هذا اللقاء منفتح على الجميع، وعلى كل القوى والمكونات اللبنانية الأخرى، لكنه ينطلق من خصوصية الواقع الشيعي، لأن المشكلة الأساس تكمن هناك، حيث السيطرة محكمة، والصوت الآخر مهدّد. ولا يمكن كسر هذا الواقع إلا بخلق إطار سياسي فعلي، ليس دعوياً دعوي اولا ثقافياً فحسب، بل يحمل مشروعاً انتخابياً وتمثيلياً، ويعمل على إنتاج قيادات بديلة ومرشحين مستقلين في كل المناطق ذات الغالبية الشيعية. ويؤكد أن اختيار بيروت مكاناً للقاء لم يكن اعتباطياً، بل لأنه يكاد يكون من المستحيل عقد مثل هذا الاجتماع في مناطق خاضعة مباشرة لسلطة الأحزاب الكبرى.

جاد الأخوي أشار إلى أن المؤتمر تخلله توزيع وثيقة سياسية أولية بعنوان "وثيقة 2030"، وهي مفتوحة للنقاش والتعديل، وليست بياناً فوقياً. وقال إن المنظمين سيتواصلون مع المشاركين للاستماع إلى ملاحظاتهم، تمهيداً لعقد لقاء أوسع وأشمل في وقت قريب. كما أشار إلى أن تغيير قانون الانتخاب ليس هدفاً قريب المنال، حتى بالنسبة للأحزاب الكبرى، لكن يمكن الدفع باتجاه إصلاحات جزئية مثل تفعيل "الميغاسنتر" وحق اقتراع المغتربين، وهي خطوات من شأنها أن تفتح المجال أمام دخول قوى مستقلة وجديدة إلى البرلمان.

محمد الأمين ختم بالإشارة إلى أن اللقاء ليس محطة يتيمة، بل بداية مسار سياسي متكامل، سيُستكمل بسلسلة ندوات في المناطق اللبنانية، بهدف التواصل المباشر مع الناس، وخلق مساحة فعلية للمعارضة الشيعية، التي لا تكتفي بالاعتراض النظري، بل تتجه نحو الفعل السياسي العملي، والمواجهة الانتخابية في الاستحقاقات المقبلة. هذا الحراك ليس محاولة لطلب الاعتراف من المنظومة، بل سعي جاد لإعادة تشكيل التمثيل الشيعي، من الداخل، وبأدوات مدنية واضحة، ووفق مشروع جامع لا يُقزم الهوية، بل يحررها.