حملة "التخويف" الممنهجة التي يتمّ الترويج لها من التداعيات السلبية لانضمام لبنان إلى قافلة التطوّر التكنولوجي في العالم على صعيد الاتصالات من خلال التعاقد مع شركة "ستارلينك" ليست بالأمر المستجدّ... فهي كانت قائمة في الحكومة السابقة يوم تكاثر الحديث عن أهمية التعاقد مع "ستارلينك" بعيد تعاظم مخاطر انقطاع خدمة الإنترنت المتردّية والتواصل مع العالم خصوصاً في زمن الحرب. فما هي خلفيات هذا الموقف، وما هي الفوائد من دخول هذه الخدمة إلى لبنان؟
كانت ذريعة الاعتراض على تعاقد الدولة اللبنانية من خلال وزارة الاتصالات مع شركة "ستارلينك" لتوفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للشركات العالمية التي لديها مكاتب في لبنان أو المؤسّسات التي تتعامل مع شركات في الخارج في ظلّ ضعف الإنترنت في لبنان، ترتدي طابعاً أمنياً بامتياز في عهد الحكومة الميقاتية السابقة، وها هي اليوم تتحوّل إلى سياسية.
هذه الحملة كان يقودها "حزب اللّه" بذريعة أن تلك الخطوة تجعل لبنان منكشفاً أمنياً على العدوّ الإسرائيليّ. أما اليوم وبعد موافقة القوى الأمنية على التعاقد مع "ستارلينك" وفي عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون، تبدّدت تلك الحجج وبات هذا الموضوع قابلاً للبتّ به من قبل وزارة الاتصالات نظراً إلى الفائدة التي ستعود على لبنان وعلى الشركات المحلّية التي تتواصل مع الخارج .
من الناحية التقنية، التعاقد مع "ستارلينك" يتيح للبنان تلقّي الإنترنت عبر كوكبة من الأقمار الاصطناعية للمؤسسات في حالات الطوارئ ما يحول دون انقطاع لبنان عن العالم بسبب خدمة الإنترنت المتردّية والتي تنقطع مع كل "هبّة هواء".
ويقول عضو لجنة الاتصالات النائب سعيد الأسمر لـ"نداء الوطن" إن "حجّة حزب اللّه الذي يقود حملة معادية على هذا المشروع كانت إتاحة المجال للعدو الإسرائيلي للتنصّت على لبنان. فالبلد مكشوف أمنياً والأجهزة الأمنية أخذت على عاتقها إمكانية متابعة تلك المسألة والمراقبة ووافقت على استخدامها في لبنان وهنا تنتفي الحجّة الأمنية وتحلّ محلّها الحجّة السياسية".
ويعزو الأسمر سبب معارضة "حزب اللّه" هذا المشروع إلى ما يلي: "يعتبر حزب اللّه أنّ إيلون ماسك صاحب شركة "سبيس إكس" التي تدير مشروع "ستارلينك" أي الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، مقرّب من العدوّ الإسرائيلي لذلك يرفض أن تكون لديه حصّة في لبنان. وفي الحقيقة برأيي، إنّ رفضه سببه عدم قدرة حزب اللّه على مراقبة "داتا" الاتصالات، باعتبار أن الـ"داتا" في لبنان مكشوفة للحزب في أماكن محدّدة بطريقة أو بأخرى ويمكن أن تفلت الأمور منه. وبذلك، إن أحد أسباب الرفض عدم قدرة حزب اللّه على الإمساك بالـ"داتا"وتغطيتها أمنياً. من هنا، يقود تلك الحملة الممنهجة ضد مشروع "ستارلينك"".
وإذ اعتبر أن "التعامل مع "ستارلينك" هو مطلب غالبية الشركات التي تعمل مع الخارج"، شدّد على أن "لا أحد قادر على الوقوف بوجه التطوّر التكنولوجي الذي تتسارع وتيرته ومن الأفضل أن يكون ذلك المشروع منظّماً داخل الدولة اللبنانية وتحت رقابة الأجهزة الأمنية على أن يتمّ استخدامه خلسة من دون التمكّن من خضوعه للمراقبة من قبل الأجهزة الأمنية".
شركات خدمات الإنترنت
أما في ما يتردّد عن معارضة شركات مقدّمي خدمات الإنترنت في لبنان على هذا المشروع، يعتبر الأسمر أن "بعض شركات الـISP كان عن حسن أو سوء نيّة ينوي الحصول على حصّة من السوق أو أن يكونوا موزّعين resellers لـ "ستارلينك" إلّا أنه تبيّن لهم أن "ستارلينك" تبيع مباشرة خدماتها وأن الاتفاق مع الدولة اللبنانية هو مباشرة بين "ستارلينك" ووزارة الاتصالات لذلك "عِتلوا همّ" وخشي مقدّمو الخدمات أن تتأثر حصّتهم السوقية. إلّا أن ذلك لن يحصل لأنّ الشركات التي تشترك بـ "ستارلينك" لن تعتمد عليه كمزوّد أساسيّ للإنترنت بل سيكون خطة بديلة back up plan ولا يمكن للشركات سوى أن تعتمد على مقدّمي الخدمات الموجودة في لبنان الـISP".
إيجابيّات التعاقد مع "ستارلينك"
انطلاقاً من هنا ندرج الإيجابيّات التالية التي ستعود من هذا المشروع:
- بما أن كلفة اليد العاملة "رخيصة" وتقديمات الاتّصالات الأساسية غير متوفّرة تقنياً إن اعتماد برنامج الـstarlink كخطة بديلة للإنترنت يريح المستثمر من أداء خدمة الإنترنت المتردّي ويجذب استثمارات أجنبية إلى لبنان فيزيد عدد الشركات العالمية التي ستفتح مكاتب لها في لبنان.
- وفي ظلّ ما يسمّى بزمن الاستجابة من الأقمار الصناعية latency في خدمة "ستارلينك" أي البطء في التواصل إلى حدّ ما في تلك الخدمة، لا يمكن الاعتماد على "ستارلينك" بشكل أساسي لأن نطاق التردّد تقنياً محدود ومعروف بالـ Limited bandwidth، وستعتمد في حالة الطوارئ.
بذلك لن تتمكن "ستارلينك" من تغطية الإنترنت في لبنان كما تفعل شركات مقدّمي خدمات الإنترنت من خلال الـ 4g و الـ "فايبر أوبتيك" (السريع)، لذلك سيشكّل ذلك البرنامج الخيار C في سلّم عملها اليوميّ، وسيجنّبها مخاطر انقطاع تواصل الشركات التي تتعامل مع الخارج وتلك التي لها مكاتب في لبنان وتوقّف عملها في حال حصلت مشكلة على الخطوط الأرضية أو على إنترنت الكابل البحري.
- على عكس ما يقال إن خدمة "ستارلينك" لن تحقّق أي عائد للدولة، إن تلك الخدمة ستدرّ على الدولة عائداً بنسبة 25 % من الاشتراكات. فإذا كانت تسعيرة الاشتراكات الشهرية لـ "ستارلينك" ضمن الخيارات الموجودة للشركات لا تقلّ عن الـ 100 أو 110 دولارات، ستحصل الدولة اللبنانية على عائد بـ 25 %، النسبة التي لا تحصّلها الدولة من أي شركة أخرى لا تقلّ رزمة الإنترنت فيها عن 50 دولاراً.
إذاً على مستوى المردود لصالح الدولة اللبنانية يقول الأسمر "نحن بأفضل حالاتنا ولكن في الوقت نفسه لا نريد أن نضرّ الشركات اللبنانية التي لن تتأثر لأنها ليست حصرية (إذ هناك شركات أخرى تعمل عبر الأقمار الصناعية مثل Vissat و Cable one وكلفتها مرتفعة).
يتابع الأسمر: "نشجّع من لديه تواصل عبر الأقمار الصناعية أن يقدّم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية فتحتدم المنافسة والشركات تختار الأفضل والأوفر للعمل معها وتلك الشركات هي: شركات الاتصالات والأدوية والمؤسسات المالية والهندسية وشركات التسويق التي يتمحور عملها في التسويق الرقمي إلى الخارج..." .
ونظراً إلى عدم الاعتماد على "ستارلينك" بشكل أساسيّ لن تتأثر حتماً شركات مقدّمي الخدمات المحلية وستبقى خدمة 4G والـ "فايبر أوبتك" الأساس، علماً أنه لا يمكن كما أكّد الأسمر أن "يقف قطاع الاتّصالات في لبنان بوجه التطوّر تحت حجج أمنية وسياسية إذا أعطت الأجهزة الأمنية نفسها الموافقة عليها".
حزام أمان للشركات
هذه الخدمة ستكون بمثابة حزام أمان لتبقى الشركات في لبنان، ما سيؤثر على الاقتصاد اللبناني. من دون إنترنت بديل أو متواصل ستغادر البلاد الشركات مثل شركات التسويق التي تعمل إلى الخارج من لبنان في التسويق الرقمي.
يختم الأسمر: "أن يكون لدينا خطة بديلة في الاتصالات ليس أمرا خاطئاً، خصوصاً أننا نحمي اقتصادنا ونستقطب مجدّداً الاستثمارات الخارجية بفضل تأمين الإنترنت بشكل متواصل، فلا نخشى عندها أي عدوان أو تخريب على شبكة قطاع الاتصالات. سكت الحق عن الباطل فتوهّم الباطل أنه على حق".