سوريا تستعيد دورها: حجر زاوية العرب- بقلم رضوان السيد
شارك هذا الخبر
Tuesday, June 3, 2025
يُظهر الرئيس السوري أحمد الشرع مقدرةً رائعةً ونشاطاً مشهوداً. لكنّ عنده إلى ميزات نظامه الجديد صعوبات خلّفها نظام الأسدين التخريبي والتقسيمي. لكنّ هذه الصعوبات يخفّف من أعبائها الإقبال الكبير من السعوديّة والخليجيّين الآخرين على احتضان سورية الجديدة ومساعدتها بشتّى السبل، ومن ذلك إقناع الأميركيين برفع العقوبات عنها. سورية تاريخٌ وحاضر في حياة العرب، وموقعٌ في العلاقات العربية والدولية، وهي تستحقّ “النجدة” التي تحظى بها من المملكة والخليجيّين الآخرين.
عجيب أمر الرئيس السوري أحمد الشرع، كأنّما هو يمارس العمل السياسي منذ نصف قرن! بالأمس كان وزير الخارجية السعودي مع وفدٍ كبيرٍ في سورية، والأحد سافر أحمد الشرع للكويت. بالطبع يحاول الرجل في كلّ الدول العربية، وفي أميركا وأوروبا، أن “يبيع” بلده كما يقال في لغة السياسة اليومية، بمعنى أنّه يهدف إلى الإقناع بجاذبيّة سورية التي خفتت منذ عدّة عقود. والجاذبيّة في حالة سورية لا تتمثّل في إغراءات الاستثمار فيها كما يظنّ كثيرون والإفادة من إعادة إعمارها فقط، بل وفي أهمّيّة موقع سورية وخطورته وخطورتها في المنطقة والعالم.
يُظهر الرئيس السوري أحمد الشرع مقدرةً رائعةً ونشاطاً مشهوداً. لكنّ عنده إلى ميزات نظامه الجديد صعوبات خلّفها نظام الأسدين التخريبي والتقسيمي المؤثّرة والمتأثّرة
ما أزال أُكرِّر في مقالاتي عبارة لباتريك سيل (صاحب الكتابين: الصراع على سورية، والأسد والصراع على الشرق الأوسط): سورية القويّة تؤثّر في العراق وتركيا ولبنان والأردن، وسورية الضعيفة يؤثّر فيها العراق وتركيا والأردن ويُستخدم لبنان ضدّها(!). كلّ هذا حصل أيّام الأسدين لجهتَي القوّة والضعف. فسورية تدخّلت في لبنان والأردن وحاولت التدخّل في العراق وتركيا. وما انكسرت أمام إسرائيل فقط، بل وانكسرت أمام تركيا حين اضطرّت إلى تسليم الزعيم التركي أوجلان الذي كانت المخابرات السورية تدعم حركته المسلَّحة. بيد أنّ هذه “القوّة” الظاهرة كانت قوّةً ابتزازيّةً أيضاً تجاه الدول العربية. فقد مارس الأسد الأب الابتزاز بحجّة أنّه يستطيع التوسّط وتجنّب الضرر بين الدول العربية وإيران التي عمل معها منذ عام 1982 ضدّ العراق ثمّ ضدّ الدول العربية التي أرادت إيران إزعاجها. وإلى هذا وذاك عمل الأسد ضدّ ياسر عرفات ومنظّمة التحرير الفلسطينية، وبعد إخراج المنظّمة من لبنان تقاسم مع إسرائيل السيطرة عليه.
أمّا بشّار الأسد فقد مرّ بخمس أو ستّ سنوات من الراحة بعد وراثة الرئاسة من والده، ثمّ بدا مستنزفاً من إيران وبشوشاً مع تركيا لمنافسة النفوذ الإيراني عنده. وبعد حركة عام 2011 تدخّلت في سورية الضعيفة عسكريّاً كلّ الدول التي ذكرناها، إضافةً إلى أميركا وروسيا وإيران والميليشيات الإيرانية والمتأيرنة. مرّة لأنّهم يريدون حماية مزار السيّدة زينب، ومرّةً لأنّهم يكافحون الإرهاب، وأخيراً قالوا إنّهم تدخّلوا من أجل الأسد لأنّه مع المقاومة! ولو اكتفى الإيرانيون بالنفوذ العسكري والسياسي لكانت نصف مصيبة كما يقال، لكنّهم أضافوا إلى ذلك محاولات مستميتة للتحويل المذهبي.
أولى إيجابيّات العهد الجديد هو سقوط أو إسقاط النزعات الطائفية، وإخراج الإيرانيين وميليشياتهم من سورية ولو بالقوّة كما حصل مع حزب الله العراقي و”الحزب” صعوبات النّظام الجديد
أولى إيجابيّات العهد الجديد هو سقوط أو إسقاط النزعات الطائفية، وإخراج الإيرانيين وميليشياتهم من سورية ولو بالقوّة كما حصل مع حزب الله العراقي و”الحزب”. أمّا ثانية إيجابيّات العهد الجديد فكانت جمع الميليشيات ومصادرة أسلحتها وضمّها إلى الجيش الجديد. وثالثة الفضائل محاولة توحيد سورية من جديد بعدما دمّرها النظام السابق وهدم وحدتها. أمّا الأولويّة التي استخدمها الشرع تجاه الخارج فكانت السعي إلى استعادة العلاقات مع الدول الخليجية والعربية بعامّة. بيد أنّ الدول العربية ما أقبلت على سورية الجديدة فقط، بل إنّ المملكة توسّطت مع ترامب لكي يرفع عن سورية العقوبات التي فُرضت عبر عقود وتفاقمت بعد عام 2012. وإلى ذلك بدأت المملكة وقطر تقديم المساعدات المادّية، وستكون هناك ولا شكّ استثمارات كبرى. والعلاقة بأميركا لا تفيد في الاستثمار والتقارب مع المجتمع الدولي فقط، بل وفي الحماية من إسرائيل الطاغية الآن في أنحاء المنطقة.
لا تنحصر صعوبات النظام الجديد في الافتقار إلى الموارد لإعادة الإعمار. فهناك صعوبة الخبرات القليلة، وصعوبات إعادة بناء الجيش والشرطة الوطنيّة. وهناك انشقاق الأكراد الذي لا يتعلّق فقط بالموارد التي يستأثرون بها، بل وبارتباطهم بحزب العمّال الكردستاني التركي ومسلّحيه الذين لم يتصالحوا مع النظام التركي حتى الآن. ثمّ هناك التوتّر الدرزي بإغراء إسرائيلي، والتوتّر العلويّ لفقد السلطة. أمّا ما قد يكون أصعب المشكلات فهو إعادة توطين 12 مليون مهجَّر سوري فرّوا بداخل سورية وخارجها تحت وطأة إبادات بشّار الأسد.
هناك إذن إيجابيّات وهناك صعوبات. الإيجابيّات الغلّابة أهمّها الإقبال العربي على سورية، ويدلّ ذلك على إدراك عميق لأهميّة سورية في بلاد الشام وفي الإقليم والعالم. فسورية العربية المستقرّة والناهضة هي سند كبير للوجود العربي في المشرق، وفي الوقت نفسه عبءٌ كبيرٌ بالحالة التي كانت عليها أيّام بشّار الأسد.
ما ينبغي قوله، وقد يكون الخاتمة المناسبة، أنّه من بين 12 مليون مهجَّر ربّما صار زهاء مليون وأكثر منهم بنشاطهم وإبداعهم مقتدرين، ويستطيعون إذا اجتمعوا وأجمعوا أن يحملوا على أكتافهم جزءاً كبيراً من أعباء نهوض سورية الجديدة.
تحيّة لسورية الجديدة وشعبها الأبيّ، وللمملكة والخليجيّين الذين نهضوا لنجدة سورية.