حروب بلا حسم- بقلم سعيد غريب

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 9, 2025



الواقع الدولي، في العقدين الأوّل والثاني من الألفية الثالثة، يشبه إلى حدّ بعيد الواقع الدولي، في العقدين الأول والثاني من الألفيّة الثانية، من حيث النزاعات السياسية والاقتصاديّة. فهل يعيد تاريخ الأحداث نفسه؟

انّ الواقع الدولي، بل واقع الصراعات، أثبت ولا يزال يثبت أنّ “الصغير” بين الدول، إن لعب دوره وإن بقي حجراً في أيدي اللاعبين، قد يشكّل خطراً لا على الصغار فحسب بل على الكبار أيضاً، وأحيانا كثيرة قد يصبح هذا “الصغير” الذي لا يلعب دوره خطراً يستعمله “كبير” بين الدول ضد “كبير”. فالكبار والصغار يشتركون في تكوين هذا الواقع، وجعله واقعاً دولياً، وقد تأتي الويلات في النهاية على الكبار والصغار.

لقد أنتج الواقع الدولي، في بداية القرن العشرين، حربين عالميّتين، حصدت الثانية وحدها خمسة وخمسين مليون ضحيّة. وها إنّ هذا الواقع ينتج، بعد ربع قرن على بداية الألفيّة الثالثة، حرباً عالميّة ثالثة مقنّعة واستنزافيّة، خلّفت حتّى الآن ملايين القتلى وتهجيراً يشبه القتل تجاوز المئة مليون مهجّر، فيما تشهد التكاليف الهائلة للحروب على الفشل في حلّ الصراعات أو منعها، بحيث أضحى السلام يعاني من عجز قلّ نظيره.

فماذا بعد؟ وهل سينفجر العالم؟ كان سيحصل ذلك لولا الرادع النووي ويمكن أن يحصل رغم هذا الرادع اذا استمرّ التدفّق والنزوح، واختلطت الأعراق والثقافات وساد برج بابل. ولعلّ الأخطار في تزايد، مع تغيّر قواعد اللعبة الدولية والأطماع المتزايدة في التوسع والنفوذ، في ظل التطوّر الكاسح في أدوات التواصل والجموح المخيف للذكاء الاصطناعي. وثمّة واقع مرير يجدر التوقّف عنده أسهم في استمرار النزاعات والنزيف والمزيد من القتلى والمصابين لأنّ العالم لم يعرف أيّ حسم لأيّ حرب اندلعت على مستوى الكوكب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وقد بقيت الأزمات وعواملها في غير منطقة من العالم لغماً ثابتاً قابلاً للتحريك والانفجار في أي لحظة. ففي بداية الخمسينات من القرن الماضي انتهت الحرب الكورية من دون حسم، وبقي خط العرض 38 فاصلاً بين الكوريتين، من دون أيّ تعديل وراح ضحية تلك الحرب مئات الآلاف من القتلى، من دون تحقيق أي هدف للأميركيين ولا حتى للكوريين الجنوبيين. كذلك في فيتنام، انتهت الحرب من دون حسم وعاد الأميركيون إلى بلادهم شبه مهزومين. كمبوديا عرفت نتائج مماثلة، وكذلك أفعانستان حيث ترك الأميركيون أسلحتهم الضخمة وانتهت بهيمنة طالبان على سائر البلاد. في العراق، زرعت فوضى لا مثيل لها وانسحب الأميركيون مكتفين بإعدام صدام حسين. وحتى اليوم، لم تحسم واشنطن بعد معركتها ضد الحوثيين. وتشهد الجارتان اللدودتان الهند والباكستان تجدداً لحروب لم تعرف أي حسم منذ عشرات السنين. كذلك الحرب الأوكرانية الروسية بعد أكثر من سنتين على اندلاعها، لم تعرف أي حسم، ولم يتمكن الرئيس دونالد ترامب حتى الآن رغم وعوده من إيجاد تسوية لهذه الحرب المدمّرة.

إن العالم اليوم ،ولا سيما الغربي منه، مدعو للتغلّب على خلافاته وإيجاد حلول سريعة للنزاعات الحالية، في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وإيران واليمن والسودان وشمال افريقيا وغيرها. إن المراحل المقبلة محفوفة بالمخاطر، وليس ما يجري على هذا الكوكب والورم الذي بلغ ذروته سوى إنذار قد يكون الأخير قبل الانفجار الكبير، انفجار قد يبدأ من أوروبا ولا ينتهي في القارة الأميركية!

جريدة الحرة