ناشونال إنترست- أميركا تبحث عن المعادن النادرة في آسيا الوسطى
شارك هذا الخبر
Thursday, May 8, 2025
تناول مارك تمنيتسكي، زميل غير مقيم في مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، الاتفاق المحوري الذي وقعته أمريكا وأوكرانيا، ويتعلق بالتنمية المشتركة للمعادن النادرة.
وقال الكاتب في مقاله بموقع مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية إن هذا الاتفاق يمثل علامة فارقة في مسار التعاون الثنائي بين البلدين، لاسيما في مجالات المواد الخام الحيوية، والوقود الأحفوري، والبنية التحتية ذات الصلة.
ورغم ما تردد من تكهنات بشأن إمكانية استخدام هذا الاتفاق كوسيلة لسداد كلفة المساعدات الأمريكية المقدّمة خلال الغزو الروسي، أو كمدخل للاستحواذ على موارد أوكرانيا الطبيعية، فإن نص الاتفاق ينفي ذلك صراحة، مؤكداً أن العائدات الناتجة سيعاد استثمارها بالكامل داخل أوكرانيا.
ووصفت النائب الأول لرئيس الوزراء الأوكراني، يوليا سيفيريدينكو، الاتفاق بأنه مفيد للطرفين، مشيرة إلى أن كييف حرصت على ألا يكون مجرد وسيلة لاستغلال مواردها.
من جهته، أشاد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بالاتفاق، وعده بداية لـ"شراكة اقتصادية تاريخية"، مجدداً التزام بلاده بدعم أوكرانيا الحرة وذات السيادة والمزدهرة على المدى الطويل.
إدارة ترامب ولفت الكاتب النظر إلى اهتمام الرئيس دونالد ترامب بهذا الاتفاق منذ توليه الحكم في يناير (كانون الثاني)، حيث أعطى الأولوية لتقليص اعتماد الولايات المتحدة على المعادن الأرضية النادرة الصينية. وتكتسب هذه المعادن أهمية استراتيجية كبرى، إذ تُستخدم في الصناعات التكنولوجية والدفاعية المتقدمة، والتي احتكرت الصين توريدها عالمياً لفترة طويلة.
وحسب الإحصاءات، تنتج الصين نحو ثلثي الإمدادات العالمية من هذه المعادن، فيما لا تتجاوز حصة الولايات المتحدة 12%. ومن هنا، تسعى واشنطن جاهدة لتقليص هذه الفجوة، وكان الاتفاق مع أوكرانيا أول خطوة على هذا الطريق.
وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا تمتلك 22 من أصل 50 معدناً مصنَّفاً كـ"حيوي" وفق القائمة الأمريكية، وإن كانت نسبة احتياطاتها العالمية لا تتعدى 5%.
ما بعد أوكرانيا وأشار الكاتب إلى أن الأنظار الأمريكية ستتجه نحو الشرق بعد تثبيت الشراكة مع كييف، وتحديداً آسيا الوسطى، حيث تحتضن جمهوريات مثل كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجيكستان مخزونات ضخمة من المعادن الأرضية النادرة.
وأكدت تقارير صدرت عن "مركز سياسة بحر قزوين" و"مركز الضرائب والاستثمار الدولي" الأهمية المتنامية لهذه المنطقة في خريطة الموارد العالمية.
وفي هذا السياق، تصبح إقامة علاقات أوثق مع هذه الدول أمراً حيوياً، إذ تأمل الولايات المتحدة في توسيع محفظتها من الموارد الطبيعية الاستراتيجية، وتقليل هيمنة الصين على هذا القطاع.
أمريكا تزاحم الصين وروسيا في آسيا الوسطى لكن التوسع في آسيا الوسطى ليس خالياً من التعقيدات، وفق الكاتب. فالصين، بحكم الجوار الجغرافي، تتمتع بميزة لوجستية واضحة، وقد نسجت بالفعل علاقات تجارية واستراتيجية متينة مع دول المنطقة ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق". أما روسيا، فلا تزال تمتلك نفوذاً اقتصادياً وتاريخياً راسخاً هناك.
ومع ذلك، بدأ المشهد السياسي يشهد تحولات لافتة. فقد شرعت العديد من دول آسيا الوسطى في مراجعة علاقتها بالعملاقين الصيني والروسي، سعياً لتقليص التبعية والانفتاح على شركاء جدد من الغرب.
بدأت بوادر هذا التحول تتجلى في السنوات الأخيرة، حيث كثّف قادة آسيا الوسطى من لقاءاتهم مع مسؤولين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي سبتمبر (أيلول) 2023، التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن بزعماء دول آسيا الوسطى لبحث أوجه التعاون، وكان ملف المعادن النادرة حاضراً بقوة ضمن جدول النقاشات.
الاستثمار العادل هو الأساس وأوضح الكاتب أن المشاركة في إدارة الموارد بدلاً من السيطرة عليها يشكل أساساً متيناً للتعاون بين الدول. ويشكّل الاتفاق الأوكراني نموذجاً يُحتذى به في التعامل الأمريكي مع دول آسيا الوسطى. فبدلاً من الاستغلال، تمحور الاتفاق حول الإدارة المشتركة، وإعادة استثمار العوائد داخل الدولة المضيفة، مما عزز مصداقية واشنطن كشريك موثوق.
وتطبيق نهج مماثل في آسيا الوسطى من شأنه أن يثمر عن نتائج إيجابية كبيرة، بشرط احترام السيادة الوطنية وتوجيه الاستثمارات نحو تنمية البنى التحتية وتحقيق منافع مشتركة.
نافذة استراتيجية لا تُفوَّت ورغم أن الصين وروسيا لا تزالان في موقع متقدم من حيث النفوذ الجغرافي والتاريخي، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها التراخي في هذا المجال الاستثماري. فمع سعي دول آسيا الوسطى لتنويع أسواقها وتوسيع تحالفاتها، تبرز فرصة ثمينة أمام واشنطن لبناء شراكات استراتيجية جديدة.
تتطلب هذه الشراكات وقتاً وجهداً، يقول الكاتب، لكن مكاسبها ستكون كبيرة. فتأمين إمدادات جديدة من المعادن الحيوية سيعزز من مكانة أمريكا العالمية، ويسهم في استقرار اقتصادات المنطقة، وتحقيق أمنها المتعلق بالطاقة.