في لحظةٍ تبدو فيها بيروت أحوج ما تكون إلى جرعةِ أملٍ عمليّة، اصطفّ العشرات مساءَ السابع من أيّار في ساحة الشهداء ليشهدوا ولادةَ "ائتلاف بيروت مدينتي 2025"، اللائحةِ المدنيّةِ الوحيدةِ الّتي تخوضُ المعركةَ البلديّة المقبلة في العاصمة بعد تسع سنواتٍ من الانقطاع عن الاقتراع. كانت هذه الفترة كافيةً ليتراكمَ الانهيارُ في البنى التحتيّة والخدمات، ويستشري الشعورُ بالعجز لدى السكّان. أمّا الأمنيّات الّتي عبّرت عنها الحشود فلم تكن شعاراتٍ فضفاضة؛ فمدينةٌ صارت مرادفًا للأزمة الاقتصاديّة والانفجار والركود تريد هذه المرّة مجلسًا يضعها في صدارة أولويّاته، بدل أنّ يضعها على لوائح المحاصّصة الحزبيّة كما فعلت المجالسُ المتعاقبة.
لبلدية تُحبّ المدينة افتتحت الصحافيّة عبير غزّال الاحتفال بخطابٍ استعاد لغةَ الحراك المدنيّ: "بلديّةٌ تُحبّ المدينة ولا تستغلّها"، ممهِّدةً للمتحدّثين الآتين عرضَ رؤيةٍ ترفض أن تكون بيروت "ساحةَ صراعات" وتَراها "حاضنةً جامعةً لكلّ سكّانها". هكذا تحوَّلت مفرداتُ 2015 و2020 إلى برنامجٍ انتخابيٍّ واضح، قدّم خلاله المهندس فادي درويش المرشّحين الأربعةَ والعشرين —نصفُهم من النساء— المتوزّعين على اختصاصاتٍ هندسيّة وقانونيّة وطبيّة وماليّة وإعلاميّة، في محاولةٍ واعيةٍ لكسر صورةِ البلديّة كملحَقٍ إداريٍّ بحت. ويشدّد درويش على أنّ الانخراطَ النسويَّ والشبابيَّ ليس ترفًا، بل ضرورةٌ لضخّ خبرةٍ جديدة تُعيد إلى المجلس صفته سلطةً تخطيطيّةً لا مكتبَ خدماتٍ زبائنيّة. ويذكّر بتجربة 2016 حين حصدت "بيروت مدينتي" أكثرَ من 30% من الأصوات، مؤكّدًا أنّ تلك "الصدمةَ الإيجابيّة" لم تتُوَّج بتغييرٍ آنذاك لأنّ التحالفَ الحزبيّ المضاد توحّد خلف شعاراتٍ طائفيّة.
أمّا اللائحة الّتي يرأسها فادي درويش، فتضمّ كلّ من: أنطوان عبد الله الراهب، إيهاب حسين حمود، زينة محمد المقدّم، رياض عبد القادر أرناؤط، جهان رامز رزق، ليفون هوسب تلفزيان، أنيتا أوهانس وارتانيان، بيار شربل وارتانيان، نجوى رجا بارودي، أمل يحيى شريف، سارة غسّان محمود، بلال عصام رمضان، كريستي إدغار عسيلي، منير عزّت المبسوط، ماري طانيوس ضو، غنى محمود القاسم، باولا نقولا ربيز، لمى سامي الوزّان، مارك كريستيان تويني، سُهى سهيل منيمنة، لينا رفيق جروس، مازن نبيل الحسامي، جورج ملك قرياقوس.
حضور المجتمع المدنيّ التفافُ المجتمع المدنيّ بدا جليًّا في الحضور النيابيّ للحراك التغييريّ: فقد شارك النوّاب إبراهيم منيمنة، وبولا يعقوبيان، ومارك ضو، وفراس حمدان، وحليمة قعقور إلى جانب شخصيّاتٍ سياسيّةٍ مستقلة ونقابيّةٍ وأكاديميّةٍ، في إشارةٍ إلى أنّ المواجهة ليست مجرّدَ تنافسٍ بين لائحتَين، بل اختبارٌ لمدى رسوخ فكرةِ المواطنة في وجه العصبيّات.
وقبل ذلك بأيّام، عقدت قوى ومجموعاتٌ تغييريّة مؤتمرًا صحافيًّا حاشدًا أعلنت فيه إطلاق لائحة "ائتلاف بيروت مدينتي 2025" لخوض الانتخابات البلديّة المقبلة، مؤكّدةً عودةَ المشروع إلى الواجهة "بنفَسٍ تجديديٍّ صلب" وثقةٍ بأنّ "أهل بيروت مستعدّون اليوم لمنح الثقة لنهج الإصلاح".
يتضمّن برنامجُ اللائحة بُعدًا اجتماعيًّا بارزًا هو حمايةُ الفئات الأكثر هشاشة من تبِعات السوق العقاريّ. فبعد انفجار المرفأ ازدادَت الإخلاءات وارتفعت الإيجارات، ما دفع شرائحَ من الطبقة الوسطى إلى الرحيل. لذلك تنصّ الخطةُ البلديّة على استخدام الصلاحيّات التنظيميّة لفرض نِسَبٍ إسكانية ميسَّرة في أيّ مشروعٍ كبير، ربطًا بتشريعاتٍ يعد نوابُ التغيير بتمريرها في المجلس النيابيّ. الثامنَ عشرَ من أيّار أكثرَ من موعدٍ انتخابيّ؛ إنّه استفتاءٌ على مفهوم المدينة نفسِه: فإمّا تستعيد بيروتُ دورَها التاريخيّ كمنارةٍ ثقافيّةٍ وتقدميّة، وإمّا تستمرّ في الغرق داخل حسابات القوى التي حكمتها بعقليّة المتعهّد والمرقِّع. وإذ يرفع "ائتلاف بيروت مدينتي 2025" شعار "بيروتُ مدينةٌ للعيش لا مَعبرٌ للموت"، يغدو الاقتراعُ فعلَ مقاومةٍ مدنيّة يختبر فيه البيروتيّون قدرتهم على قلب الطاولة.