فورين أفيرز- تصرفات إسرائيل في سوريا تستعدي الحكومة الجديدة وتغضب تركيا
شارك هذا الخبر
Wednesday, May 7, 2025
حذر محللان إسرائيل من تحويل تركيا إلى عدو جديد لها في سوريا.
وقالا إن إسرائيل في الخطوات التي اتخذتها بعد انهيار نظام بشار الأسد تسير في اتجاه صدامي مع تركيا التي خرجت منتصرة من تغير النظام في سوريا ونهاية حقبة استمرت لنصف قرن من حكم آل الأسد.
فقد سيطرت الجماعات التي دعمتها أنقرة على دمشق وبشكل سريع. ومنذ ذلك الوقت انشغلت إسرائيل بمحاولات خلق مجال تأثير لها في سوريا وتوسيع منطقة أمنية في جنوب سوريا واحتلال المنطقة المنزوعة من السلاح التي تفاوضت الولايات المتحدة عليها بعد حرب تشرين 1973 وبإشراف دولي.
وقال ديفيد ماكوفسكي وسيمون سيمير من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بمقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” إن تركيا وإسرائيل باتتا بعد صعود أحمد الشرع للرئاسة في حالة مواجهة وتحاول كل منهما الاستفادة من الفراغ الذي نشأ برحيل الأسد ورعاته الإيرانيين والروس.
وبرزت تركيا كقوة عسكرية مهيمنة في سوريا، فمنذ عام 2019 سيطرت هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب في شمال- غرب سوريا. وعملت أنقرة ولسنوات على مساعدتها من خلال منطقة عازلة حمت الجماعة من قوات الأسد. وتريد تركيا الآن تأثيرا أكبر في سوريا، حتى تنهي طموحات أكراد سوريا بدولة مستقلة والعمل في الوقت نفسه على إعادة 3 ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم.
وبالمقابل تريد إسرائيل تأثيرا كبيرا في سوريا. ورأت في سقوط الأسد الذي تحالف مع إيران وسمح لها بنقل الإمدادات العسكرية إلى حزب الله، مكسبا استراتيجيا.
ولهذا سارعت إلى تعزيز موقعها في سوريا وإنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا. وتشعر إسرائيل بقلق خاص إزاء الوجود التركي في سوريا لأنها تخشى أن تشجع أنقرة سوريا على إيواء مسلحين معادين لإسرائيل على حد قولهما. ويشعر قادة إسرائيل بقلق متزايد من أن طموحات تركيا في سوريا تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود التركية – السورية إلى داخل البلاد. ففي 2 نيسان/أبريل قصفت إسرائيل عدة مواقع عسكرية سورية، بما في ذلك قاعدة التياس الجوية المعروفة باسم تي فور، لمنع أنقرة من إقامة دفاعات جوية هناك.
ويقول الكاتبان إن على إسرائيل تجنب المواجهة مع تركيا في سوريا، فهي لا تحتاج إلى عدو جديد، نظرا لأن جيشها يحارب فوق طاقته وتشوهت سمعتها حول العالم.
وظلت علاقات تركيا مع إسرائيل قوية وبخاصة في فترة التسعينات من القرن الماضي، وسط الآمال بتسوية سلمية إسرائيلية- فلسطينية، لكن العلاقات تدهورت بعد أن أصبح كلاهما اقل علمانية. وفي عام 2010 قتلت وحدات كوماندو تسعة ناشطين وجرحت 30 آخرين، مات أحدهم متأثرا بجراحه، وذلك بعد اعتراض سفينة مساعدات إنسانية لغزة، وهو ما أدى لتخفيض تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. واتهمت تركيا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وفي أيار/مايو الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حظر التجارة مع إسرائيل احتجاجا على العمليات الإسرائيلية في القطاع.
ورغم كل الاختلافات بينهما، لا تريد تركيا ولا إسرائيل عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا. ومن الواضح أن تركيا هي القوة وراء النظام السوري الجديد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى علاقاتها الطويلة الأمد مع هيئة تحرير الشام، وقد ساعدت قادة سوريا الجدد في التخطيط لإعادة الإعمار. ويبدو أيضا أن أنقرة تسعى إلى إبرام اتفاقية دفاعية مع سوريا من شأنها توسيع نفوذ تركيا، الذي يتركز حاليا في الشمال، إلى بقية أنحاء البلاد.
وتشعر إسرائيل بقلق عميق إزاء هذا المسار، وعليه برزت مدرستان متنافستان بشأن الطريقة التي يجب فيها إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد. ويعتقد أحد المسؤولين الإسرائيليين أن إسرائيل يجب أن تحاول العمل مع الشرع قبل أن تقرر أنه عدو.
ولكن مجموعة أخرى، تضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تعتقد أن من غير المرجح أن تنشأ حكومة سورية معتدلة مركزية تحت قيادة إسلامية سنية، وأن إسرائيل يجب أن تستعد للعداء من خلال إنشاء مناطق نفوذ غير رسمية.
وبعد فرار الأسد من دمشق في كانون الأول/ديسمبر، استولت إسرائيل على منطقة عازلة في جنوب – غرب سوريا، المتاخمة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ومنذ ذلك الشهر، قصفت إسرائيل مئات المواقع العسكرية السورية التي تخشى أن تستخدمها الحكومة السورية الجديدة. وفي 11 آذار/مارس قال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس إن القوات الإسرائيلية ستبقى في سوريا “لفترة غير محددة” لحماية الأقليات في جنوب سوريا.
ويبدو أن التوغل الإسرائيلي في سوريا نابع من مخاوف عدم تكرار أخطاء 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ويرى قادة إسرائيل أن المناطق العازلة في دول الجوار هي الوسيلة الوحيدة لتشكيل البيئات الأمنية بدلا من الرد عليها. كما أن هجمات تشرين الأول/أكتوبر جعلت إسرائيل مترددة في التسامح مع أي طرف إسلامي، كما فعلت في غزة. والدرس الذي تعلمته، هو أنها لن تتسامح مع أي نوع من الجهاديين قريبا من حدودها.
وبعد مواجهات الساحل السوري مع الموالين العلويين للأسد، قال كاتس إن الشرع كشف عن وجهه الحقيقي وإنه “جهادي إرهابي من مدرسة القاعدة”. ومع أن الشرع تخلى عن ماضيه الجهادي وأكد أنه لا يريد مواجهة مع إسرائيل، إلا أن قادة إسرائيل الذين يتوقعون ترسخ نظام معاد في دمشق، يعتقدون أن الشرع سيقول أي شيء حتى يخفف العقوبات المفروضة عن سوريا. لكن دروس 7 تشرين الأول/أكتوبر وعلاقتها بسوريا هي جزء من القصة، فقد أعلنت إسرائيل أنها تريد حماية الدروز وتحاول فرض منطقة منزوعة السلاح جنوبي دمشق. كما أن النهج الإسرائيلي حول سوريا مرتبط بديمومة الوجود الأمريكي هناك. ففي 8 كانون الأول/ديسمبر قال الرئيس المنتخب دونالد ترامب “سوريا فوضى” و”على الولايات المتحدة ألا يكون لها أي علاقة بها”.
وفي 18 نيسان/أبريل أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستخفض عدد قواتها المتمركزة في شمال- شرق سوريا من نحو 2,000 إلى أقل من 1,000 جندي. وتخشى إسرائيل أن يؤدي الانسحاب الأمريكي لأن تصبح تركيا أكثر هيمنة في شمال سوريا، وربما أبعد من ذلك. ومع ذلك على إسرائيل أن تكون حذرة في تحويل تركيا أو سوريا إلى عدو، وأن تترك مجالا للحوار.
وربما كانت إسرائيل تحاول التعلم من دروس 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن يتعين على قادتها الموازنة بين الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية طويلة الأجل. وربما تضع إسرائيل شروطا واضحة لحكومة الشرع بشأن كيفية تعاملها مع الأقليات ومعالجة قضايا مثل تهريب الأسلحة والتخلص من الأسلحة الكيماوية. وإذا تم تحقيق هذه المطالب، فقد تدعم إسرائيل تخفيف العقوبات على سوريا التي فرضتها أمريكا وأوروبا. وربما شجعت إسرائيل الدول الأوروبية والخليجية على الاستثمار هناك.
وعلاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تعلن صراحة أنه ليس لديها أي طموحات إقليمية في سوريا وأن منطقتها العازلة ستكون مؤقتة، طالما أن الحكومة الجديدة تفي بمعايير معينة. ذلك أن الوجود الإسرائيلي المستمر في سوريا من شأنه أن يعزز فكرة أنها دولة محتلة.
وتشكل علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة أهمية خاصة، لكن الأهم من ذلك هو علاقتها مع تركيا. فكلاهما حليف للولايات المتحدة وتتمتعان بقدرات عسكرية قوية. وكان القصف الإسرائيلي لقاعدة تي 4 بمثابة تذكير صارخ بمدى السرعة التي يمكن أن تتصاعد بها الأمور.
ومن هنا، ينبغي للبلدين التفكير برسم خطوط حمراء. وعلى أقل تقدير يتعين عليهم الاتفاق على العمل داخل مناطق نفوذ مختلفة في سوريا لتجنب الأعمال العدائية.
وأشار الكاتبان لما يمكن أن يفعله ترامب لخفض التوتر وتجنب الصدام، فقد أخبر نتنياهو أنه يقيم علاقات جيدة مع تركيا وزعيمها. وعلى ترامب إقناع أردوغان بعدم نشر الدفاعات الجوية في سوريا. ويمكن لترامب أيضا أن يساعد إسرائيل وتركيا في إيجاد طرق لخفض الصراع. وقد يتعاونون، على سبيل المثال، في مواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
ويجب على إسرائيل أن تستخدم قنواتها الدفاعية والاستخباراتية للتواصل مع تركيا، والقنوات الخلفية للتحدث مع السوريين. وحتى الآن، تم تأكيد عقد اجتماع واحد على الأقل بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، والذي عقد في نيسان/أبريل في أذربيجان. وينبغي لتركيا وإسرائيل أن تبنيا على هذا الحوار وبخاصة تأكيدهما أنهما لا يريدان المواجهة.
وعلى إسرائيل تأكيد مخاوفها الأمنية بدون إثارة غضب أنقرة أو دمشق. ويكتسب هذا التوازن أهمية خاصة خلال هذه الفترة الاستثنائية من التغيرات التي تشهدها سوريا، فالنظام الجديد لم ينجح بعد في ترسيخ سيطرته على البلاد وتبدو مواقفه السياسية قابلة للتغير. وفي هذه اللحظة المهمة وبعد إضعاف عدوهما المشترك إيران، يجب على إسرائيل وتركيا محاولة صياغة نظام إقليمي جديد مفيد للطرفين، وليس المواجهة.