ما صحّة ما يتداول عن تجميد المساعدات الأميركية للبنان؟

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, February 25, 2025

مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم القرى الحدودية في جنوب لبنان، برزت تساؤلات حول طبيعة هذا الانسحاب، خصوصا مع بقاء خمس نقاط استراتيجية تحت السيطرة الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تأتي في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، فإن استمرار أي وجود إسرائيلي يُعيد إلى الواجهة مسألة السيادة اللبنانية الكاملة على أراضيها.

مع تأكيد الرئاسة اللبنانية عدم قبولها بأي مساومة على السيادة، معتبرةً استمرار الاحتلال في النقاط الخمس المتبقية يشكّل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، كان إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بخمسة مواقع في جنوب لبنان، وتجاهل كل المطالبات الدولية بالانسحاب الكامل، وكأنهما رسائل إسرائيلية متعددة المستويات والاتجاهات. وتنطلق أولى هذه الرسائل من طمأنة مستوطني الشمال الإسرائيلي بأن دولتهم لم تتخلَّ عنهم، وأنها جاهزة للتحرك السريع لحمايتهم، وتوجيه تحذير إسرائيلي صارم لـ"حزب الله" بأن الانسحاب الجزئي لا يعني الضعف، بل هو خطوة استراتيجية مدروسة. وترسل إسرائيل إشارة إلى الجيش اللبناني حول إمكانية التنسيق الأمني غير المباشر عبر القنوات الدولية، مع تأكيدها للمجتمع الدولي، رغم استجابتها للضغوط وقبولها بالانسحاب الجزئي، على اعتبار أمن مواطنيها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. وتبقى الرسالة الأهم هي الموجهة إلى المنطقة ككل، ومفادها أن المواقع الخمسة ليست مجرد نقاط عسكرية، بل هي رؤوس جسور لاستراتيجية أمنية طويلة المدى لن تقبل إسرائيل بالتنازل عنها.

الانسحاب الجزئي الإسرائيلي

في حديث خاص لـ "نداء الوطن"، سئل مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر حول الانسحاب الجزئي الإسرائيلي من جنوب لبنان؟ وهل يعتبره تعديلاً تكتيكياً أم تحولاً استراتيجياً؟ وكيف سيؤثر ذلك على توازن القوى في لبنان؟ وهل سيضعف "حزب الله" أكثر؟ أم قد يؤدي إلى تصعيد جديد؟ فأجاب: "إن إسرائيل تعمل وتأمل في إعادة سكان الشمال الإسرائيلي إلى قراهم ومستوطناتهم التي نزحوا عنها بعدما شنّ "حزب الله" حربه على إسرائيل بجميع الوسائل. ومن هذه الوسائل، احتفاظ إسرائيل بالمواقع الخمس لتمتّعها بخط رؤية واضح يهدد المدن والقرى المقابلة إذا استعملت ضدها كما في السابق الأسلحة المضادة للدبابات".
يبرر شينكر تأخير إسرائيل لانسحابها الكامل التام بـ"أن لبنان كان قد التزم بنشر عشرة آلاف جندي من الجيش اللبناني في الجنوب. إلا أن عدد الجنود المنتشر حتى الساعة لم يصل إلى ستة آلاف لمشكلات تتعلق بالتجنيد، ومشاكل الحدود مع سوريا، والدور المناط للقوى الشرعية في الحفاظ على الأمن الداخلي والسلم الأهلي، ما يخلق التعقيدات والصعوبات أمام الحكومة الجديدة. إلا أن هذا لا يمنع من أنه لا بد من إنجاز الانسحاب الإسرائيلي في وقت ما في المستقبل القريب".

للبنان فرصة مع إسرائيل

وهل يمكن أن نشهد تغييرات في السياسة الأميركية أو الغربية تجاه المنطقة؟ يؤكد شينكر "أن على لبنان أن يحيّد نفسه عن الصراع مع إسرائيل، عبر إضعاف "حزب الله" وخلق فرصة ليكون دولة ذات سيادة تحدد سياستها الخارجية بنفسها، وتكون لديها علاقات جيّدة مع جميع جيرانها، وأن يكون للبنان فرصة في المستقبل لإقامة علاقة "ليست قريبة ولكن طبيعية" مع إسرائيل".
ويشدد شينكر على أنه "من غير المسموح لإيران أو سوريا تحديد سياسة لبنان بعد الآن". مشيراً إلى "التعاطف والدعم الكبيرَين اللذَين تبديهما واشنطن للبنان، من دون أي رغبة أو نية للولايات المتحدة الأميركية في فرض سياستها، مع فهم وإفهام ما يجب القيام به كي يخرج لبنان من "كابوسه الوطني الطويل".

تجميد المساعدات الأميركية

وعما إذا كانت واشنطن تضع ضغوطاً من أجل الإصلاح، حيث تربط المساعدات بأداء القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب وتنفيذ القرارات. كما أن برنامج صندوق النقد الدولي مشروط بأداء وتنفيذ الإصلاحات، ما قد يفتح الباب أمام تدفق كبير من المساعدات إلى لبنان، يعلّق شينكر قائلاً: "أعتقد أن هذه توقعات معقولة". ولا يفسّر الأمر بأن واشنطن تجبر لبنان على فعل شيء معين غير مناسب. ولكن هناك إدراك واسع في لبنان أن هذه الخطوات، رغم صعوبتها، هي على الأرجح السبيل الوحيد ليصبح لبنان دولة ناجحة وذات سيادة".
وهل صحيح ما يتم تداوله في واشنطن عن تجميد أو وقف المساعدات الأميركية للبنان؟ أجاب شينكر: "لا أعتقد. إن الولايات المتحدة تدرك أنها تفاوضت على وقف إطلاق النار، وتفهم أن القوات المسلحة اللبنانية تحتاج إلى دعم. من المرجح أن تأتي الرواتب من دول الخليج، كما حدث في السابق، إذ لا تملك الولايات المتحدة السلطة لدفع رواتب الجيش اللبناني. لقد فعلت ذلك مرة واحدة وكان الأمر مثيراً للجدل. ويمكن لدول أخرى أن تتدخل، فالمبلغ ليس كبيراً".
أضاف: "أما الدعم للجيش اللبناني من حيث المعدات وما إلى ذلك، فيرجح شينكر استمراره، إذ إنه يُنظر إليه على أنه أمر مهم ليس فقط للبنان، ولكن أيضاً لاستقرار المنطقة، وأمن إسرائيل، وترسيخ التراجع أو الهزيمة التي لحقت بـ "حزب الله"

المشكلة هي "حزب الله"

يختم مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط مختزلاً المشكلة بـ "حزب الله" والفساد في لبنان قائلاً: "أعتقد أن المشكلة الأولى والأساسية هي "حزب الله"، وثانياً الفساد. هناك مشكلة في سيطرة "حزب الله" شبه الكاملة على السياسة الشيعية، وهو أمر غير صحي وغير منتج وغير موثوق بالنسبة للطائفة الشيعية، التي لا تمتلك خيارات أخرى كما تمتلكها الطوائف الأخرى في لبنان".

جوزيان الحاج موسى - نداء الوطن