تفاصيل عن لقاء "الوقت الحلو" مع سعد الحريري: "كل شي بوقتو حلو" - بقلم بسام عفيفي
شارك هذا الخبر
Saturday, February 15, 2025
كل القصة يختزلها الرئيس سعد الحريري بعبارات قليلة جعل منها معادلته الذهبية التي تفسر خلفيات زيارته الراهنة للبنان بما حملته من جديد وقديم.. يقول الحريري أتيت لأحي مناسبة استشهاد والدي؛ وكوننا في وقت المتغيرات وبخاصة في زمن تغير الوضع في سورية على نحو حقق عدالة السماء لوالدي؛ فإنني تحدثت بالسياسة وقلت للذين يحبونني من الناس ويطالبونني بالعودة للسياسة: كل شي بوقتو حلو..
.. يضيف الحريري: ..ومن يحاول أن يأخذ مني في هذا الوقت إجابة عن سؤال متى سيصبح الوقت حلواً بعودتي(؟؟)، أقول له أن سؤاله هذا يشبه السؤال الخالد “من ولد قبلاً: الدجاجة أم البيضة”؟؟.
يقول الحريري كل الأسئلة عن متى وكيف تحدث عودتي الكاملة للسياسة هي أسئلة افتراضية؛ وأنا لا أجيب عن الأسئلة الافتراضية، غير أنه لا تمنعني عن التأكيد لكم بأن “كل شي بوقتو حلو”.
كنا أمس في لقاء خصصه الرئيس سعد الحريري للحوار مع إعلاميين تحدث خلاله عن أمور البلاد والعباد وأجاب عن أسئلة طرحناها عليه وعن أسئلة لم نطرحها عليه، ولكنه استشرف أنها تجول في بالنا..
من حيث الشكل بمعنى جوه العام؛ فإن الرئيس الحريري لم يتغير، فهو ينشر في أرجاء مجلسه القناعة عينها التي عاشت مع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتركها كإرث له بعد استشهاده ومفادها: البلد يستحق أن نحلمه..
قال لنا سعد الحريري أمس: اكتبوا حلمكم عن لبنان.. انظروا إلى نصف الكوب المملؤ؛ لا يجب أن يستغرقكم النصف الفارغ!!.
ظهر واضحاً أن الرئيس الحريري أراد من خلال كلامه للإعلاميين أن يحدث صدمة إيجابية في التفكير العام؛ وهدف هذه الصدمة هو نصيحته بتوجيه الجهد الوطني على كل المستويات للتركيز على إنجاز الإصلاحات بدل التركيز على الاختلافات السياسية التي باتت تشبه الجدل البيزنطي.
ضرب الرئيس الحريري أمثلة عن الفكرة التي يريد إيصالها للتفكير العام اللبناني، مفادها أنه بعد ثورة الأرز كان يجب الإستثمار بالحالة الشعبية الوطنية الناهضة والذهاب للتركيز على إنجاز الإصلاحات في مؤسسات الدولة والإنتاج والحكم؛ ولكن تم اغتيال هذا المسار من خلال إثارة المعوقات السياسية بوجهه.. صحيح أن حزب الله لعب دور المايسترو في هذا التعطيل، ولكن أيضاً قوى ثورة ٨ آذار استغرقها المنحى السياسي وكان ذلك على حساب التركيز على المنحى الإصلاحي.
بنظر الرئيس الحريري هناك فرصة الآن مساحتها نحو ٨ أشهر يجب استغلالها ويجب تشجيعها من قبل الإعلام وكل القوى ذات الشأن بالبلد؛ فالحكومة فيها كفاءات هامة جداً وهي غير حزبية؛ والوزراء الذين سمت الأحزاب بعضهم كفؤون ولا يمكن لأحد أن يشك بنزاهتهم.
مرة أخرى لننظر إلى النصف المملؤ من الكأس؛ ولنركز جهدنا على الإصلاح وليس على الاستغراق بالسياسة وبالخلافات السياسية؛ ولننظر إلى ما علينا فعله داخل بلدنا أكثر من انشغالنا بما يحدث حولنا والتدخل فيه؛ ويجب الفصل بين تنفيذ الإصلاح وتنفيذ سحب إسرائيل من أرضنا؛ لأنه بصراحة الإصلاح قضية ومشكلة استمرار الاحتلال الإسرائيلي أو عدمه للنقاط الخمس هو قضية أخرى؛ لا يجب ربط هذين الأمرين ببعضهما البعض؛ فالاحتلال بالنهاية سوف يخرج وينزل عن تلالنا مهما حاول أن يطيل وقت احتلاله.
إن جزء هاماً من مشكلة البلد كما عكسها أو أوحى بها صراحة وتلميحاً الرئيس الحريري تكمن في الذهنية اللبنانية التي تركز على السياسة ليس كأولوية فقط، بل على حساب التركيز على كيف ننجز الإصلاحات..
وبنظر الحريري فإن المطلوب هو القليل من الكلام بالسياسية والكثير من الكلام عن الإصلاحات وعن سبل إنجازها ومواكبتها، والمطلوب إبداء الروح البناءة والإيجابية والنظر إلى النصف المملؤ من الكأس، الخ..
يبدي الحريري تفاؤله باللحظة الراهنة؛ قال نعم فيها تحديات ولكن فيها فرص داخلية وخارجية لم تكن موجودة في كل المرحلة الماضية.. لدينا حكومة كفاءات عالية جداً وهذا أمر مهم؛ ولمست من الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام أنهما مصممان على إنجاز تقدم ملموس للبلد.. ولدينا وضع دولي وإقليمي مناسب جداً لنا؛ فالعالم يقول لنا اعملوا إصلاحات وسنقدم لكم المساعدة؛ وهذا منطق طبيعي ولا أعتبره شرطاً بل يخدم تحقيق موجبات جعل البلد قادراً على استيعاب المساعدات الخارجية؛ لأنه كيف يمكن أن يأتي مستثمر إلى لبنان في حين أن البلد لا يوجد فيه مصرف: أين سيضع أمواله؟؟.
أكد الحريري على أن الإصلاحات هي شرط الخارج لتقديم المساعدة؛ وذهب أبعد من ذلك حينما اعتبر أنه حتى لو لم تأت المساعدات الخارجية فإن اللبنانيين مغتربين ومقيمين قادرون على ترميم الوضع الاقتصادي؛ ولكن شرط شعورهم بأن البلد يقوم بإصلاح أوضاعه؛ فلبنان ليس فقيراً بل غنياً بموارده البشرية والطبيعية الكثيرة.
.. ورداً على القول أن حزب الله لا يزال يكابر ويعرقل انفتاح الخارج علينا نتيجة استمراره برفض تطبيق القرار ١٧٠١؛ قال الحريري: أولاً أنا مؤيد لقرار رئيسي الجمهورية والحكومة باحتضان الطائفة الشيعية الكريمة نظراً لأنها جريحة ويجب علينا جميعاً تضميد جراحها. وكان جيداً التصرف بخصوص الانفتاح على توزير شخصيات شيعية ضمن روحية عدم الإخلال من جهة بمعيار لا لتوزير حزبيين، ولمراعاة من جهة ثانية طمأنة الشيعة. أضف لذلك أن حزب الله خسر قيادته وخسر جزء كبيراً من بنيته العسكرية وخسر خاصرته الجيو سياسية وهي سورية؛ وعليه فهو بحاجة للمراجعة مع نفسه مع الشيعة.. صحيح أن أدعو لاحتضان الشيعية في لحظة وجعهم؛ ولكنني كنت أكثر مرة واضحاً في خطابي لجهة أن على حزب الله أن ينهي حالة وجود سلاح معه إلى جانب سلاح الدولة..
وحول تنفيذ القرار ١٧٠١ قال الحريري أن وضع ال١٧٠١ يتقدم للأمام؛ وعلينا مرة أخرى النظر إلى النصف الملآن من الكأس؛ فالجيش في المنطقة الحدودية موجود ويعمل وفق المطلوب وطنياً ودولياً. وهذا مشهد جديد في بعض جوانبه ويدعو للطمأنينة. أما الكلام عن سلاح الحزب في منطقة شمال الليطاني فأنا مع أن يكون سلاح الجيش هو السلاح الوحيد في كل لبنان؛ وأيضاً يجب ملاحظة أن ممر تزويد السلاح للحزب عبر سورية أقفل بفعل التطورات الأخيرة في المنطقة.
وعن حالة النقاش الدائر حول الشيعة قال الحريري أن أزمة الشيعة تقع في أمرين إثنين:
الأمر الأول هو القيادة الشيعية التي يجب أن تجري مراجعة مع نفسها؛ بالتوازي مع أن يُجري جمهور الشيعة مراجعة مع قيادتهم؛ وهذا الأمر أعتقد أنه يتم حالياً.. والمهم هنا هو أن الشيعة وقيادتهم هم من سيغيروا الواقع لديهم وليس أي أحد آخر.. أنا لا أستطيع أن أكون قائداً للشيعة؛ بل الواقعية تقول أن علينا التطلع لتغيير في ذهنية قيادة الشيعة لموضوع السلاح بعد كل ما جرى من نكبة للبلد وللشيعة. وبرأي هذا ما يحدث.
ورداً على مقاربة تقول أن الشيعة لا يختصرون بأمل وحزب الله فقط؛ رد الحريري قائلاً: أيضاً السنة لا يختصر تمثيلهم بشخصي؛ ولكن يحب أن نتعامل مع نتائج الإنتخابات بخصوص التمثيل الشيعي. والتمثيل هنا مسألة غير ثابتة؛ فبعد اغتيال والدي كنت أمثل من السنة ربما تسعين بالمئة، ثم انخفضت النسبة وراوحت بين ٦٠ أو ٧٠ بالمئة نزولاً وصعوداً، الخ.. القصة هنا هي التعامل مع التمثيل الموجود حالياً عند الشيعة.
..أما القضية الثانية في الأزمة الشيعية فهي اقتصادية؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ليس الشيعة وحدهم في أزمة اقتصادية رغم أنهم الأكثر معاناة في هذه المرحلة نتيجة ما أصاب ممتلكاتهم من تدمير؛ ولكن بشكل عام كل الطوائف في لبنان تعاني من الأزمة الإقتصادية؛ وهنا الحل للشيعة ولبقية الطوائف هو واحد ومفاده التكاتف لإنقاذ الاقتصاد بالإصلاح وتغيير المسار.
ضمن هذا السياق وكون حديثه مع الإعلاميين أخذ أمس الموضوع العام إلى الموضوع الخاص؛ قال الحريري محاولاً شرح فكرته عن السياسة ومعناها لديه بمقابل كيف ينظر كثيرون لموضوع عودته عن قراره بتعليق نشاطه السياسي- قال الحريري: أنا ورثت دماء والدي ولم أرث ورثة بناء بيت سياسي ومشروعي من السياسة هو عمل الخير وليس بناء زعامة سياسية.. بدأت سياسة والدي من نقطة فعل الخير؛ وأنا أستطيع أن أفعل الخير من خلال عملي بالسياسة وأيضاً من خارج السياسة.
.. وفي هذه النقطة ظهر أن الفكرة التي أراد الحريري تسليط الضوء عليها بخصوص كيف ينظر لواقعه الشخصي داخل العمل السياسي؛ هي أنه لا يجب النظر إليه على أنه وريث بيت سياسي بل هو وريث دماء شهادة والده؛ وهو وريث حكمة تقول لو دامت لغيري ما وصلت إلي؛ ووريث مدرسة تعتبر السياسة هي وسيلة لفعل الخير؛ وإذا تعثرت وسيلة السياسة فإنه يمكنه ببساطة فعل الخير من خارج العمل السياسي؛ فالخير إرادة موجودة في كل مجالات العمل.
وكشف الحريري هنا أمراً طالما استثار حشرية الإعلاميين والسياسيين وذلك منذ تعليقه نشاطه السياسي، وهو عن سبب خطوته وقراره تعليق نشاطه السياسي وما هي شروط إنهاء قراره هذا. رد الحريري بأسلوب السهل الممتنع: ببساطة إن سبب تعليق نشاطي السياسي يعود إلى أنني وصلت للحظة اقتنعت فيها بأنني لن أستطيع أن أنجز أي عمل لبلدي في هذه المرحلة.. وسألت نفسي بصدق: لماذا إذن أبقى في السياسة؟!؛ وعلقت نشاطي.. واكتشفت أيضاً أن حلفائي ليسوا حلفائي؛ فقلت في نفسي مع من إذن أعمل.. فقررت حتى إشعار آخر أن أكف عن العمل.
وهنا أخذته سجيته للتحول من مجيب على الأسئلة إلى طارح لها على نفسه؛ فباسط محادثيه الإعلاميين قائلاً: إذا سألتموني ما هي العبرة التي وصلت إلي بعد هذه التجربة، سأقول: تعلمت أنه من الأفضل لي أن أعمل لوحدي..
.. وكعادته، وجرياً على ما هو معروف عن الحريرية الوطنية فإن الرئيس الحريري شدد على شعار الاعتدال من جديد ودائماً، وبجانب الاعتدال كان يضيف دائماً شعار الشراكة الوطنية.. وكان يمكن للمستمع إليه أن يلحظ أن شعاريّ الاعتدال والشراكة موجودان في كل مفاصل كلامه ومواقفه، وبغض النظر عن موضوع حديثه: مثلاً حينما سئل عن مشاركته في الإنتخابات البلدية، قال في معرض إجابته: نحن بالعادة نترك البلدات وعائلاتها تعبر عن نفسها في الإنتخابات البلدية؛ ولكننا نحرص على خوض هذه الإنتخابات في ثلاث مدن: طرابلس نخوض انتخاباتها البلدية على أساس تحالفات؛ وفي صيدا؛ أما في بيروت فإن هدف مشاركتنا في انتخاباتها البلدية هو الحفاظ على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في العاصمة. فالهدف الأساس أن لا نسمح بكسر المناصفة والشراكة الوطنية في تركيبة بلدية بيروت.
وفي موضوع آخر ذو صلة بأهمية أن يجدر أن يكون الاعتدال هو سمة كل الطوائف بلبنان وليس فقط الطائفة السنية – دون إغفال أهمية خصوصية الاعتدال السني في ترسيخ الإستقرار الأهلي والوطني-، قال الحريري موجهاً حديثه للأصوات التي تريد إغفال أهمية استيعاب الشريك الآخر في البلد، والذهاب لفتح حساب معاقبته؛ استهجن الحريري هذه الطروحات وأجاب على منطقهم بسؤال: لنتصور معاً أنني أتيت اليوم بذكرى استشهاد والدي إلى لبنان، ووقفت أمام الناس ورفعت الراية الخضراء ودعوت للجهاد، الخ.. ماذا كان سيحدث للبلد وللإستقرار…
.. وهنا، إستذكر الرئيس الحريري وذكر كيف أنه ضرب دائماً التطرف بقبضة من حديد، ولم يساوم في موضوع دعم الجيش ضد الإرهابيين. قال: “كانوا يقولون لي الدنيا خرباني في هذه المحلة أو تلك.. وكان جوابي دائماً: فليدخل الجيش ويقضي على كل من يقف بوجهه.. وكان يدخل الجيش وينتهي الأمر”.
تحدث الحريري عن أشياء أخرى كثيرة لم تتسع الذاكرة لاستحضارها جميعها في هذه المساحة؛ فاللقاء لم يتخلله كاميرات ولا آلات تسجيل، ذلك أنه كان وقتاً مخصصاً للقاء، حيث “الوقت الحلو” مع الرئيس سعد رفيق الحريري هو وقت حلو لا يجب تنغيصه بدخيل عليه حتى لو كان هذا الدخيل كاميرا تخلد لحظة هذا الوقت الحلو الذي وعد خلاله الحريري بوقت حلو لموعد عودته للسياسة سيأتي وقته…