لا عودة “للحزب” إلى أسلوب الثّمانينيّات..- بقلم موفّق حرب
شارك هذا الخبر
Monday, February 10, 2025
يراهن البعض، وتحديداً قوى “الممانعة”، على أنّ المرحلة التي يمرّ فيها لبنان تشبه إلى حدّ ما مرحلة ما بعد اجتياح إسرائيل عام 1982. وذلك في إشارة إلى أنّه يمكن مواجهة النفوذ الأميركي المتعاظم في المنطقة وفي لبنان خصوصاً، بعد الهزائم العسكرية التي مُني بها “محور الممانعة”، بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها هذه القوى مع القوّات المتعدّدة الجنسيّات واتّفاق 17 أيّار بين لبنان وإسرائيل.
على الرغم من الهزيمة العسكرية التي مُنيت بها منظّمة التحرير الفلسطينية وحلفاؤها من الأحزاب اللبنانية اليساريّة، وهو ما أدّى إلى خروج مسلّحيها من بيروت، لم تستطع الولايات المتحدة أن تحافظ على نظام حكم في لبنان مؤيّد لها قادر على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
أدّت موجة العمليات الإرهابية التي استهدفت القوّات المتعدّدة الجنسيّات وحملة خطف الرهائن الغربيين من قبل “الجهاد الإسلامي”، نواة منظّمة “الحزب”، إلى هزيمة المشروع الأميركي الإسرائيلي وفشله في تحويل الانتصار العسكري إلى مكتسبات سياسية.
ثمّة الكثير من أوجه الشبه بين مرحلة الثمانينيات واليوم. فهناك انتصار عسكري إسرائيلي في ظلّ حكومة يمينية متطرّفة، كما كان الحال مع حكومة مناحيم بيغن ووزير دفاعه أرييل شارون. وكان يشغل البيت الأبيض الرئيس رونالد ريغان الجمهوري القويّ، وإلى جانبه إدارة من الصقور المؤيّدين لإسرائيل، كما هو الحال اليوم مع الرئيس دونالد ترامب وفريق الأمن القومي الذي اختاره لتطبيق أجندته الداخلية والخارجية.
إلّا أنّ المشهد اليوم يختلف بشكل كبير من حيث الوقائع والمتغيّرات على الأرض. فالحرب الباردة انتهت والاتحاد السوفيتي الذي أعاد تسليح نظام حافظ الأسد بعد اجتياح 1982 لم يعد موجوداً. وعلى الرغم من عدم توجيه اتّهامات آنذاك لموسكو بدعم المنظّمات الإرهابية ذات الوجهات الجهادية، إلّا أنّ هناك شبه قناعة بأنّ الاستخبارات الروسية كانت تسرّب معلومات للمنظّمات الإرهابية التي استهدفت السفارة الأميركية في بيروت حيث كان يُعقد اجتماع للاستخبارات. هذا وحرم سقوط نظام الأسد “الحزبَ” من الممرّ الأساسي للأسلحة والعمليات اللوجستية، وتمّ استبداله بنظام معادٍ لإيران وعدوّ لـ”الحزب”.
إدارة ترامب ستراقب عن كثب أداء الحكومة الجديدة ومدى نفوذ “الحزب” داخلها المتغيّر الأهمّ هو مقاربة واشنطن للوضع الداخلي في لبنان، حيث لا يوجد أيّ تباين بين إسرائيل وإدارة ترامب في أيّ موضوع يتعلّق بلبنان. إضافة إلى أنّ الرئيس ترامب لن يرسل أيّ قوات أميركية إلى الشرق الأوسط لتصبح أهدافاً للعمليات الإرهابية، ويفضّل العقوبات القاسية والضرب العسكري عن بُعْد إذا لزم الأمر.
الحزب
علاوة على ذلك، اكتسبت الأجهزة الأمنيّة الأميركية خبرة في التعاطي مع المجموعات الإرهابية الجهادية، وأصبحت لديها قدرة على استشراف مخاطرها ومعرفة من يقف وراءها، على عكس مرحلة الثمانينيات حين فوجئت واشنطن بـ”الجهاد الإسلامي”، وأخذت وقتاً لمعرفة أسماء قيادتها.
إجراءات قاسية
من المتوقّع أن تكون للكونغرس الأميركي والإدارة الحالية خطوات تشريعية وقرارات تنفيذية ليس لمنع إعادة تسليح “الحزب” فقط، إنّما لخلق مناخ سياسي جديد على الساحة اللبنانية يحدّ من نفوذه المحلّي.
إدارة ترامب ستراقب عن كثب أداء الحكومة الجديدة ومدى نفوذ “الحزب” داخلها، ولن يكون هناك أيّ غضّ نظر عن قرار أو توجّه يقف وراءه “الحزب”، وهو ما قد يعرّض لبنان الرسمي لعقوبات.
إزاء هذا الواقع سيكون على “الحزب” أن يختار العقوبات القاسية أو الانكفاء لتسهيل إعادة الإعمار وإراحة بيئته، لأنّ العودة إلى الأساليب الماضية واللجوء إلى الشارع لن تكون مجدية، إنّما ستجلب المزيد من الخراب والدمار للبنان ولبيئته.
التحدّي هو غياب قيادة تاريخيّة لـ”الحزب”، بعد اغتيال حسن نصرالله والرعيل الأوّل من القيادات المؤسِّسة، تستطيع أن تتّخذ قرارات بهذا الحجم. ومن هنا تتّجه الأنظار إلى مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي الذي لا يزال يضمّ أصواتاً متشدّدة ومستعدّة لخوض مغامرات في لبنان والمنطقة.