عن "تجمّع الدّستور أوّلاً": من خطاب المعارضة إلى بناء الدّولة - بقلم أيمن جزيني
شارك هذا الخبر
Friday, February 7, 2025
لا يحبّذ الدكتور فارس سعيد العمل الفردي. طبيعته، غير الإلغائيّة، تَنشد العمل الجماعيّ. هكذا كان منذ دخوله الحياة السياسية وصولاً إلى يومنا هذا الذي يعمل فيه على إطلاق “تجمّع الدستور أوّلاً”، وهو ما جعل البعض يربط الأمر بعلاقة خاصّة تجمعه برئيس الجمهورية جوزف عون، الأمر الذي لا ينفيه سعيد، لكنّه يفصل بين إنشاء “التجمّع” وبين معرفته بقائد الجيش السابق.
محطّات سياسيّة إشكاليّة
البدء السياسي مع الطبيب فارس أنطون سعيد كان في عام 2000، تاريخ فوزه في الانتخابات النيابية. في عام 2001، كان من المحرّكين الرئيسيّين لتأسيس “لقاء قرنة شهوان”، وهو تجمّع سياسي معارض للهيمنة السورية على لبنان أوّلاً، ثمّ معارض للتمديد للرئيس إميل لحّود ثانياً.
مع تحضيره لإطلاق “تجمّع الدستور أوّلاً” في السادس عشر من آذار بعد خلوات عشر مع مئة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية والناشطة، تبقى حركته السياسية السابقة على ذلك في خضمّ السجال. كلّ ما يطرحه والآخرون هو دعوة مستمرّة إلى النقاش في مدى الجدوى وصحّة التوقيت.
دائماً تنقّل سعيد بين السياسة التقليدية وبين الجرأة على التفكير، لكنّ الخلاصة الثابتة في ذهنه هي أنّ الاستمرار في الحياة السياسية شرطه ابتكار الجديد السياسي. وعلى هذا نشأ “تجمّع الدستور أوّلاً” الذي وُلدت فكرته خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان بعدما كان “الحزب” قد دخل حربَ إسناد غزّة غداة عمليّة “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023.
ولادة “تجمّع الدّستور أوّلاً”
قبل بدء الحرب الإسرائيلية، كان هناك تبدّل في طريقة تفكير “لقاء سيّدة الجبل” الذي يرأسه سعيد، من خلال دعوات التقسيم الفدرالي والكونفدرالي وخطاب “ما بيشبهونا”، فكان التمسّك باتّفاق الطائف والدستور وضرورة تطبيقهما نصّاً وروحاً. ثمّ ما لبث “اللقاء” أن انتقل للدفاع السياسي الشرس عن فكرة “العيش المشترك” مع المسلمين، مع الإصرار الموازي على أنّ الأحزاب لا يمكنها إعطاء بيئاتها الضمانات التي توفّرها الدولة.
فكرة إطلاق “تجمّع الدستور أوّلاً” كانت نتيجة القناعة العلمية الكيميائية بأنهّ “ما من شيء ينتهي بل كلّ شيء يتحوّل”. لذا كان التعامل مع تحوّلات الحرب والضربة التي وُجّهت إلى “الحزب” وفرار الرئيس بشار الأسد من سوريا يقتضيان العودة إلى الدستور، وما يزيد من ذلك هو أنّ “المنطقة تنام على شيء وتصحو على شيء آخر”.
تجمّغ الدستور
“تجمّع الدستور أوّلاً” وصل في مناقشاته التحضيرية إلى مضمون سياسي مفاده “انهيار وظيفة الحزب” التي يشرف على نهايتها قرار وقف إطلاق النار واللجنة الخماسية التي يرأسها الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز. وهذه القناعة بلغها “اللقاء” بعد قراءته لنتائج الضربة التي تلقّاها “الحزب” من إسرائيل، ومضمون القرار 1701 وانقطاع طريق إيران ـ لبنان، وعجز “الحزب” عن الاضطلاع بمهامّ حلف الأقلّيات الذي كان يرعاه على مساحة المنطقة.
ما يقوله إنشاء هذا التجمّع حاليّاً هو فكرة مستقبلية تخامر رأس سعيد، ألا وهي التحضير لدخول غمار الانتخابات النيابية المقبلة بـ”تجمّع دستوري” لا يتشابه مع الأحزاب التقليدية، إنّما يتمايز عنها بنظام داخلي مرن يجري التحضير له.
من المعارضة إلى بناء الدّولة
يقول سعيد لـ”أساس” إنّ إطلاق “تجمّع الدستور أوّلاً” يأتي الآن لأنّ “اللبنانيين حُرموا من تطبيق الدستور منذ إقرار اتفاق الطائف مطلع التسعينيات بسبب سلاح سوريا ثمّ سلاح إيران، ولأنّ في متنه إصلاحات ضرورية مثل اللامركزية الإدارية الموسّعة وإنشاء مجلسين واحد محرّر من القيود الطائفية وآخر منتخب على قاعدة طائفية، ولأنّه انبثق من وثيقة الوفاق الوطني التي هي عقد ميثاقي بين اللبنانيين”. يضيف: “والدستور أوّلاً في وجه من يريد لبنان أصغر أو يريد توزيع نفوذه وفقاً لعدد الطوائف… ولذلك وجب علينا العمل على التطبيق الكامل لاتّفاق الطائف والدستور قبل أيّ تفكير في تحديثهما وتطويرهما إلّا بعد التجربة الفعليّة التي تتيح تبيان الثغرات والنواقص”.
لكلّ مرحلة سياسية عنوان عند سعيد. فبعد حرب غزّة وحرب الإسناد واغتيال الأمين العامّ لـ”الحزب” وتراجع دوره الإقليمي وانهيار النفوذ الإيراني في المنطقة وانهيار مبدأ تحالف الأقلّيات مع سقوط النظام بسوريا، يقول سعيد إنّ “لبنان أمام مناسبة حقيقية لبناء الدولة، وإذا أضعنا هذه الفرصة، أعتقد بأنّنا سنكون أمام مأزق وطني كبير. وفي خضمّ هذه المرحلة الانتقالية التي انتقلت إليها المنطقة بعد كلّ هذه التبدّلات، يتمتّع لبنان بأحزمة أمان غير موجودة في أيّ بلد آخر. نحن لدينا دستور، ولدينا وثيقة وفاق وطني، وندعو من خلال “تجمّع الدستور أوّلاً” إلى الانتقال من خطاب المعارضة إلى خطاب بناء الدولة. وخطاب بناء الدولة الذي هو متاح اليوم بعد هذه التبدّلات، يجب أن يرتكز على الاحترام الحرفيّ للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني ولقرارات الشرعية العربية والدولية”.
الدّستور لا يزال صالحاً
يضيف سعيد: “نحن لدينا دستور، وهذا الدستور هو قاسم مشترك بين جميع اللبنانيين، ولذا ندعو من خلال “تجمّع الدستور أوّلاً”، الذي ليس حزباً سياسياً بالمفهوم التقليدي، إنّما هو انتقال علنيّ وفعليّ من العمل التوجيهي والثقافي السياسي إلى السياسة العملية، أي سيخوض هذا التجمّع معركة الانتخابات النيابية في عام 2026 على قاعدة الدستور أوّلاً، بمعنى أنّ برنامج المرشّحين سيكون الدستور. والذي لديه ملاحظات على هذا الدستور ويريد لبنان أصغر أو على قاعدة عدد وأحجام الطوائف، فعليه أن ينتظر دخوله الندوة النيابية وأن يناقش هذا الموضوع، وإذا كان قادراً على تعديل الدستور فليفعل”.
يعتبر سعيد أنّ الدستور الحالي صالح لتنظيم العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية، وصالح أيضاً لتكريس العقد الاجتماعي السياسي بين اللبنانيين، “ونحن نعتقد أنّ في هذه اللحظة بالتحديد علينا أن نكون جزءاً من نظام المصلحة العربية وأن نحافظ على استقلال لبنان، ولذلك نشأ “تجمّع الدستور أوّلاً”. سنتّخذ مواقفنا الانتخابية والسياسية على قاعدة احترام الدستور الذي يقرّر معايير تشكيل الحكومة، والموقف من سلاح “الحزب”، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتنظيم العلاقات اللبنانية ـ السورية، وموقع لبنان بالعالم العربي… لدينا نصّ مرجعيّ اسمه الدستور، وإذا فرّطنا بهذا النصّ المرجعي وذهبنا إلى وثائق سياسية رديفة فلن نخدم لبنان. اليوم نطالب بتنفيذ هذا الدستور”.