الخطيب: على الجميع تحمّل مسؤوليتهم الوطنية لإنقاذ ما تبقى من وطننا

  • شارك هذا الخبر
Friday, February 7, 2025

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة اليوم في مقر المجلس على طريق المطار، والقى خطبة الجمعة جاء فيها :" يحلّ علينا شهر شعبان المعظم، وهو شهر ورد اهتمام رسول الله وأئمة أهل البيت الشديد به، فهو من الأشهر الحرم، وهو الشهر الأصب لأنه تصب فيه الرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى على العباد.فعن النبي الأكرم : "يسمى الرجب الأصب لأن الرحمة تصب صباً فيه". وعن الامام الكاظم: "رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات". وهو شهر أمير المؤمنين . فقد روي انه عليه السلام كان يصوم رجباً ويقول: "رجب شهري، وشعبان شهر رسول الله، وشهر رمضان شهر الله عز وجل". وعن الإمام الصادق أنه قال: "صيام شعبان ذخر للعبد يوم القيامة، وما من عبد يكثر الصيام في شعبان إلا أصلح الله له أمر معيشته وكفاه شر عدوه، وإن أدنى ما يكون لمن يصوم يوما من شعبان أن تجب له الجنة".

وقال:"من نفحات الله تعالى أنّه فتحَ أبواب رحمته في أزمنة خاصة منها شهر شعبان الذي ورد عن أمير المؤمنين أنّ علّة تسميته شعبان هي تشعّب الخيرات فيه، شهر شعبان إليه وأبدى اهتمامه الشديد به، فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً في المدينة: "يا أهل يثرب، إني رسول الله إليكم، ألا إنّ شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري".

كما ذكرنا في أهمية شهر رجب، فقد أولى الله تعالى قضية التربية أهميةً كبرى في حياة الانسان المؤمن لتزوّده بالإمكانية والقدرة اللازمة لمواجهة متطلبات الحياة القاسية والمحن والمصائب التي تعترضه، ومتطلبات النفس الأمّارة بالسوء، والثبات على الايمان حتى لا تزِلّ قدمُه أمام شهوات النفس، فتُخرِجه عن إنسانيته والفطرة التي فطره الله عليها، وتصبح القضايا المادية والدنيوية اكبر همه ومبلغ علمه، ليتحوّلَ الى مجرد حيوان كسائر الحيوانات، لكنه يمتلك قدرة اكبر بما زُوِد من القدرة العقلية لاستخدامها في خدمة غرائزه وشهواته وملذاته، للمزيد من الاسفاف والاستغراق بعيدا عن القيم الانسانية والاخلاقية، يعيش ليأكل ويشرب ويخوض في الصراع مع الاخرين، يحسب انها الوسيلة التي يثبت بها نفسه، وهو ما ابتلى به الغالبية من البشر بمن فيهم بعض مدعي الإيمان الذين يكتفون او يفهمون الدين على انه مجرد ادّعاء، ويتخذونه وسيلة من الوسائل للوصول الى المآرب الدنيوية، وهي من اخطر الوسائل التي تُستخدم لاكتساب المغانم والحصول على المكاسب الدنيوية، وهي طريقة من طرق النفاق، والعياذ بالله، وليس إيماناً حقيقياً يُراد به التزوّد بالقيم الاخلاقية كقيمة إلهية وإنسانية ذاتية. قال تعالى (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ﴿١٧٥﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

تابع:"لقد اختار الله تعالى في كل سنة هذه الاشهر الثلاثة، وميزها بالفضل من بين اشهر السنة الأخرى، وهي رجب وشعبان ورمضان، لتكون معينا ومنبعا ثريا ومجالا رحبا لاكتساب القيم المعنوية. فتطويع النفس من اصعب المهمات كما قال الله تعالى (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي).

وقال رسول الله : (اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك )واذا كانت النفس أمّارةً بالسوء واعدى عدوك، فحريٌّ بك أن تواجهها وتقمعها كما تواجه عدوَك، بل أن تواجهها قبل أن تواجه عدوك، فإن استطعت أن تسيطر عليها استطعت أن تغلب عدوك، وهي أعدى عدوك لأن من لم يستطع ترويض نفسه كان أعجز عن مواجهة عدوه، وهي أمّارة بالسوء حينما تعطيها قيادك فتصبح مملوكاً لها وخاضعاً لرغباتها، وان اكثر الناس شعوراً بالحرية من يملك زمام نفسه.

وقد زاد شهر شعبان رفعةً وشرفاً وفضلاً كونه تشرَّف بمناسبات مباركة، وهم ائمة الهدى من آل بيت رسول الله . ففيه ولادة أبيّ الضيم أبي عبدالله الحسين سيد شباب اهل الجنة وسبط رسول الله، والامام علي ابن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين، وابي الفضل العباس عليهم السلام، وهم ائمة الهدى واعلام التقى الذين لا يباروا في العلم والتقوى، وما اتصفوا به من مكارم الاخلاق، ليكونوا لنا النموذج للاقتداء بهم والسير على نهجهم.. ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماماً، يَقتَدي بِهِ ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَدِ اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ، ألا وإنَّكُم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِكَ، ولكِنَ أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ". وهي وصية إمامكم علي ابن ابي طالب، ولسان حال الائمة الطاهرين.

وبمقدار ما يحوز الانسان من الفضائل والقيم بمقدار ما يستطيع ان يكون عظيما، وان بدا قليل الحيلة بمعناها المادي والعكس صحيح. وكذلك الجماعة بمقدار ما تحمل من هذه القيم وتعمل على نشرها والدفاع عنها والاهتمام بها، بمقدار ما تكون قوية وصلبة، وحين تتخلى عنها فإنما تتخلى عن مصدر قوتها وبقائها. واما القوة المادية فيجب السعي لتحقيقها بما امكن، ولكنها ليست الحاسمة في المواجهة مع العدو. إنّ الشعور بالانتماء الى الجماعة المؤمنة بما تحمله من قيم إلهية وإنسانية وما تسعى اليه من اهداف كتحقيق العدالة ومواجهة الظلم والعدوان، هي العناصر الاساسية التي نتمكن معها من مواجهة الاخطار المصيرية التي تواجه بلدنا وأمتنا في هذه الاوقات المصيرية، التي افتقدنا فيها هذه العناصر، وفي مقدمها عنصر الشعور بالانتماء الى الجماعة والأمة، بل الشعور بالانتماء الوطني، وطغى علينا الشعور بالانتماء الطائفي والمذهبي، ما أدّى الى التصادم الداخلي، وبذلك نعيش همومنا متفرقين. وكيف لنا ان نحفظ وجودنا وقد اصبحنا اتباعا وجماعات لاعدائنا والطامعين بنا ثقافياً وسياسياً وإقتصادياً".

أضاف:"إن منطقتنا ايها الاخوة، تمرّ في مرحلة دقيقة للغاية في ظل المشاريع الأميركية الجهنمية ، وأبرزها ما أعلنه الرئيس الأميركي من مقترح لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن وأماكن أخرى. هذه المشاريع لا يمكن أن تحقق الاستقرار في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يبقى لبنان بمنأى عنها، فهو ليس جزيرة معزولة كما يحلم البعض، وذلك انطلاقاً من موقعه الجغرافي والسياسي، فضلاً عن استضافته ما يعادل ثلث سكانه من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. وإنّ أخشى ما نخشاه أن تشمل "الأماكن الأخرى" التي تحدث عنها الرئيس الأميركي، وطننا لبنان، فضلاً عن مصر والأردن.

فمن يعتقد أن لبنان بعيد عن غزة وأهلها، نُعيده بالذاكرة إلى العام 1992، يوم أبعد الكيان الصهيوني 415 فلسطينياً إلى لبنان من غزة والضفة الغربية، وكان بينهم قياديون من أمثال الشهيدين إسماعيل هنية وعبد العزيز الرنتيسي. وقد خيّم هؤلاء لمدة سنة في منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان، ثم عادوا بضغط دولي، فاغتيل منهم من اغتيل واعتُقل من اعتُقل. وفي حال سَلِمَ لبنان من مشروع التهجير الأميركي للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، هل سأل اللبنانيون أنفسهم عن مصير الفلسطينيين على أرضه في ظل مشروع التوطين الذي يستيقظ مع كل مرحلة من مراحل الصراع؟ لذلك، فإنّنا ندعو إلى التعجيل في تشكيل الحكومة الجديدة وانتظام المؤسسات وتجاوز كل الخلافات اللبنانية الداخلية، وتجاوز التدخلات الخارجية التي ما برحت تمارس الضغوط من أجل فرض أجندتها في تأليف الحكومة وإرسال الرسائل عبر العدوان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود، إننا نأمل أن يتحمّل الجميع مسؤوليتهم الوطنية من أجل مواجهة المرحلة المقبلة بأقصى حالات التضامن لإنقاذ ما تبقى من وطننا، ولا سيما أننا على أبواب موعد جديد لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي عن جنوبنا الغالي في الثامن عشر من الشهر الجاري".

ختم:"من هنا نُكرّر القول بالدولة القوية العادلة التي تفرض حضورها إنطلاقاً من حدودنا مع الكيان الصهيوني، فتحمي أهلنا الذين عانوا الأمرّين منذ نصف قرن من الزمن نتيجة غياب هذه الدولة".