رسالة من البرفسور فيليب سالم لمناسبة يوم السرطان العالمي: أين نحن من القضاء على المرض؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, February 6, 2025

في مثل هذا اليوم من كل سنة، يقف البشر في جميع أنحاء العالم بخوفٍ وخشوعٍ أمام "إمبراطور الأمراض"، ويسألون: أين نحن من القضاء على هذا المرض؟ وإلى متى سيبقى هذا المرض يهدد حياتنا ويزرع الخوف في قلوبنا؟ وأي تقدم أحرزه العلم في السنوات الأخيرة؟

إن المعرفة العلمية التي نمتلكها اليوم تُمكننا من شفاء 65% من جميع المرضى المصابين بالأمراض السرطانية، كما تُمكننا من وقاية 70% من الإصابات بهذه الأمراض. إلا أن المرضى المصابين بحالات متقدمة من المرض تهبط عندهم نسبة الشفاء التام هبوطاً ملحوظاً. وتتوقف نسبة الهبوط على نوع المرض السرطاني وعلى جودة العلاج. وها قد جئنا اليوم، وبمناسبة اليوم العالمي للسرطان، لنتكلم عن أهمية جودة العلاج، وعن المفاهيم الجديدة التي تشكل انقلاباً على الفكر التقليدي لمعالجة الأمراض السرطانية، وتقود إلى ارتفاع كبير في نسبة الشفاء.

المفاهيم الجديدة في علاج السرطان

المفهوم الأول: تعددية أنواع الخلايا السرطانية والعلاج المزيج

إن الخلايا السرطانية في المريض الواحد ليست من نوعٍ واحدٍ، بل تختلف في الشكل والوظيفة، كما تختلف في التجاوب مع العلاج. بعض الخلايا قد يتجاوب مع العلاج الكيميائي، وبعضها مع العلاج المناعي، والبعض الآخر مع العلاج المستهدف. لذا، فمن المنطق أن نعالج المريض بمزيج من هذه العلاجات الثلاثة. وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن هذا المزيج يقتل عدداً أكبر بكثير من الخلايا السرطانية مقارنةً بالعلاج التقليدي الذي يستخدم نوعاً واحداً من العلاجات، وبالتالي يُحدث ارتفاعاً كبيراً في نسبة الشفاء.

العلاج الكيميائي يقتل الخلايا السرطانية كما يقتل الخلايا السليمة.

العلاج المستهدف يهاجم الخلايا السرطانية وحدها دون غيرها.

العلاج المناعي يحفز جهاز المناعة ليتمكن من التعرف على الخلايا المريضة وتدميرها.

المفهوم الثاني: تفرد هوية المرضى والنهج العلاجي الشخصي

ليس هناك مريضان بالسرطان يصابان بنفس المرض تماماً، حتى لو نشأ المرض من نفس العضو في الجسم وحمل نفس التشخيص المجهري. فقد تعلمنا أن الهوية البيولوجية للمرض تختلف بين المرضى، ما يستدعي تصميم العلاج خصيصاً لكل مريض على حدة.

في الاستراتيجية الجديدة، يُعالَج كل مريض بمزيج من العلاجات الثلاثة، ولكن العلاج نفسه يختلف بين مريض وآخر. هذا المنحى العلاجي الذي يركز على الهوية البيولوجية سيصبح المستقبل، في حين أن العلاجات التي تعتمد على التشخيص المجهري ستصبح من الماضي. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن تطبيق هذه الاستراتيجية أدى إلى نتائج أفضل بكثير من العلاجات التقليدية.

المفهوم الثالث: حرية الطبيب في اختيار العلاج الأمثل

يجب أن يُعالج المريض بالعلاج الأفضل لحالته، وليس بالعلاج الذي تحدده شركات التأمين الصحي كـ"علاج قياسي" (Standard Therapy). قد يكون العلاج التقليدي فعالاً، لكنه ليس بالضرورة الأفضل. في معالجة السرطان، قد يكون الفرق بين أفضل علاج والعلاج القياسي هو الفرق بين الحياة والموت.

إلا أن هناك مشكلتين رئيسيتين:

ضغوط شركات التأمين: ترفض بعض شركات التأمين تغطية النفقات الباهظة للعلاج الأفضل، لأنها تبحث عن الربح المالي أكثر من اهتمامها بشفاء المريض.

الخوف من الملاحقات القانونية: قد يتردد الأطباء في استخدام العلاج الأفضل خوفاً من الدعاوى القضائية، حيث يمكن مقاضاة الطبيب في بعض الدول إذا استخدم علاجاً خارج منظومة "Standard Therapy".

خاتمة: حق الإنسان في الحياة والصحة

إن أهم حقٍ للإنسان هو الحق في الحياة، والحق في الحياة يمر عبر الحق في الصحة، إذ إن الصحة هي البوابة للحياة. كل الحقوق الأخرى التي وردت في شرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تتضاءل أمام هذا الحق الأساسي. ومع ذلك، يموت آلاف البشر يومياً بسبب عدم توفر المال لدعم هذا الحق، بينما تُنفق المليارات على صنع الأسلحة وشن الحروب.

فمتى يا ترى يأتي إلى هذا العالم قادة يؤمنون بأن القوة تكمن في إحياء الإنسان وإعلاء شأنه، لا في إذلاله وقتله؟ لقد جاء في القرآن الكريم:"... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".