كتب زولان كانو-يونغز وماتينا ستيفيس-غريدنيف في "نيويورك تايمز":
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحاً منذ فترة طويلة بشأن استخدامه للتعرفات الجمركية كسلاح اقتصادي ضدّ الدول التي ترفض الرضوخ لمطالبه. لكنّه كان أقلّ وضوحاً في ما يتعلّق بماهية هذه المطالب بالضبط - وهي استراتيجية تتيح له إعلان النصر عندما يرى ذلك مناسباً.
أعلن ترامب أنّه يريد من كندا والمكسيك وقف تدفّق المهاجرين عند الحدود والحَدّ من شحنات الفنتانيل. لكن على الأقل علناً، لم يُقدّم سوى معايير غامضة لقياس مدى تعاونهم. وعندما سُئل يوم الاثنين عمّا إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يقدّمه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لتجنّب التعرفات الجمركية، أجاب ترامب: «لا أعلم. لدينا عجز تجاري كبير مع كندا، مثلما هو الحال مع جميع الدول. أوَدّ أن تصبح كندا الولاية الـ51 لدينا».
في النهاية، قرّر ترامب تأجيل فرض التعرفات الجمركية على كندا والمكسيك لمدة 30 يوماً، متجنّباً بذلك أزمة كان يمكن أن تهزّ الاقتصاد العالمي. وألمح إلى أنّه حصل على تنازلات من جيران الولايات المتحدة، إذ عيّنت كندا «قَيصر الفنتانيل» وأطلقت قوة ضاربة مشتركة لمكافحة الجريمة المنظّمة وغسيل الأموال. أمّا المكسيك، فأكّد ترامب أنّها تعهّدت بتعزيز الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك بـ10,000 عنصر من الحرس الوطني. لكن لم يكن واضحاً أنّ أياً من هذه التدابير يُشكّل تنازلات كبيرة. ووصف ترودو، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الإجراءات بأنّها كانت قَيد التنفيذ بالفعل ضمن خطة بلاده الحدودية البالغة قيمتها 1,3 مليار دولار، وتشمل نشر مزيد من التكنولوجيا والعناصر الأمنية على الحدود. ووفقاً للبيانات الفيدرالية، فإنّ نسبة ضئيلة فقط من إجمالي ضبطيات «الفنتانيل» تحدث عند الحدود بين الولايات المتحدة وكندا. أمّا المكسيك، فكانت كثّفت بالفعل إجراءاتها الأمنية على الحدود قبل تهديد ترامب بالتعرفات الجمركية، وانخفضت عمليات العبور غير الشرعية بشكل كبير. وخلال الأشهر الـ4 الأولى من رئاسة كلوديا شينباوم، نفّذت القوات الأمنية المكسيكية عمليات ضبط كبيرة للفنتانيل وكثّفت جهودها للعثور على مختبرات إنتاج الفنتانيل السرّية وتدميرها. كما تراجعت الوفيات بسبب تعاطي المخدّرات في الولايات المتحدة العام الماضي، بعد سنوات من الارتفاع الحاد في حالات الجرعات الزائدة.
واعتبر جون فيلي، السفير الأميركي السابق في بنما ونائب رئيس البعثة في المكسيك، أنّ ترامب: «يزدهر وسط الفوضى وحالة عدم اليَقين. لا يحتاج إلى معايير دقيقة. سيكون خطأ إذا كنت تعتقد أنّه يجلس هناك بمخطّط بيانات. هو لا يفعل ذلك. إنّه ينظر فقط إلى العناوين الرئيسة». يبدو أنّ الغموض حول تفاصيل مطالب ترامب جزء من استراتيجيته، تماماً مثل تهديد التعرفات الجمركية نفسها. فترك مطالبه غير محدّدة بشكل واضح يُتيح له تحديد متى تنتهي المفاوضات. وأوضحت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أنّ ترامب كان «واضحاً بشكل مذهل» بشأن مبرّراته لفرض التعرفات الجمركية. وأضافت: «التدفّق غير القانوني للمخدّرات القاتلة والبشر الذي شهدناه عبر الحدود الجنوبية والشمالية، الرئيس يوضّح تماماً لكل من كندا والمكسيك أنّ الولايات المتحدة لن تكون بعد الآن مكبّاً للمخدّرات القاتلة غير القانونية وللبشر غير الشرعيِّين». حاولت كندا أن توضح مباشرة أنّها كانت تقوم بالفعل بالعديد من الإجراءات التي يطالب بها ترامب. وزارت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي الولايات المتحدة 5 مرّات منذ انتخاب ترامب، ما جعل توم هومان، المسؤول عن ملف الحدود في إدارة ترامب، يشعر بالتفاؤل بشأن التعاون. وأعلنت جولي أنّها التقت هومان في واشنطن الجمعة، وقدّمت له شرحاً من صفحتَين وفيديو زمنياً عن جهود بلادها على الحدود لإثبات أنّ كندا تأخذ أمن الحدود على محمل الجدّ.
وأكّد هومان في نهاية الأسبوع أنّ كندا «تُحسِّن» أمن حدودها، لكنّ ترامب «لا يشعر بأنّهم قاموا بما يكفي، وهذا قراره» فظلّ يُهدِّد بفرض التعرفات الجمركية على كندا حتى يوم الاثنين. أمّا تعهّد المكسيك بتعزيز الأمن على الحدود، فمن المرجّح أن يساعد ترامب في فرض قيود واسعة النطاق لمنع دخول آلاف المهاجرين. وبالفعل، كان بعض المسؤولين الأميركيِّين قد أعربوا في السنوات الأخيرة عن قلقهم من أنّ المكسيك لم تمنح الأولوية الكافية لإجراءات الأمن الحدودي. لكنّ المكسيك وافقت قبل نحو عام على تعزيز إجراءاتها على الحدود، بعدما أعربت إدارة بايدن عن قلقها من أنّ المكسيك لا تبذل الجهد الكافي لضبط حدودها. منذ ذلك الحين، انخفضت عمليات العبور غير القانونية بشكل كبير. كما وافقت المكسيك عام 2021 على نشر 10,000 جندي للمساعدة في إنفاذ قوانين الهجرة، من دون الحاجة إلى تهديدات بفرض التعرفات الجمركية. وأكّدت ليفيت أنّ النشر الجديد لهذه القوات سيكون دائماً. خلال أسبوعَين من تولّيه منصبه، أظهر ترامب استعداده لاستخدام القوة المباشرة على الساحة العالمية. فهدّد بفرض تعرفات جمركية على كولومبيا لرفضها قبول رحلات الترحيل العسكرية الأميركية، وسرعان ما تراجعت كولومبيا. وأكّد أندرو سيلي، رئيس معهد سياسات الهجرة، أنّه لا يزال من غير الواضح ما الذي يتعيّن على المكسيك وكندا فعله لتجنّب التعرفات الجمركية الأميركية: «يمكن لترامب أن يتباهى بتأمين المزيد من القوات على الحدود، ويمكن لشينباوم أن تحتفي بجهودها في مواجهة ترامب. أعتقد أنّ الحكومة المكسيكية تود أن تعرف ما هي الغاية النهائية، لكنّ الطبيعة المتغيّرة للتفاوض ربما تخدم مصلحة الطرفَين».