أرقام مرعبة: تنامي جرائم القتل منذ مطلع العام

  • شارك هذا الخبر
Monday, February 3, 2025

شهد لبنان ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الجرائم على أنواعها، لكنّ ظاهرة القتل بوضح النهار التي يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، بدأت تثير مخاوف الناس الذين يطالبون الدولة بحماية مواطنيها وفرض سلطة القانون على الجميع.

وشكّلت جريمة القتل المروّعة التي شهدتها منطقة فاريا في جبل لبنان، الأحد، الصورة الأكثر قساوة ورعباً عمّا بلغه حال المجتمع اللبناني، إذ أقدم الشاب ج. شمعون على دهس الفتى خليل خليل (17 عاماً) بسبب خلاف على أفضلية المرور. وأظهرت وقائع الجريمة أن القاتل طارد المغدور الذي كان يقود سيارته إلى أمام الفندق الذي يملكه والد الأخير، وعندما وصل وترجل المغدور من سيارته وحاول الاحتماء بأهله، سارع الجاني إلى دهسه مرات عدة حتى فارق الحياة.

ولم يفلح صراخ شقيقة الضحية واستغاثتها في إنقاذ حياة شقيقها وردع القاتل عن جريمته. ولاحقاً أوقفت الأجهزة الأمنية ج. شمعون ووالدته التي كانت إلى جانبه ورفيقيه أيضاً.

قلق متنامٍ
ما حصل في فاريا تحوّل إلى كابوس لدى كثير من اللبنانيين الذين ينتابهم القلق على أبنائهم من تعرّضهم لفاجعة مماثلة، خصوصاً أن جريمة فاريا قد لا تكون خاتمة هذه المآسي، فهي حلقة ضمن سلسلة طويلة ومتواصلة، بدأت قبل ثلاثة أسابيع، عندما أقدم شخص مجهول ليل 15 يناير (كانون الثاني) الماضي على قتل جورج روكز صاحب معرض لبيع السيارات في منطقة ضبيّة (شرق بيروت) بإطلاق عدة رصاصات على صدره ومن ثم سرقة سيارة مرسيدس من نوع «جي كلاس» ليقدّمها القاتل هدية إلى عشيقته. وتمكن القاتل بالفعل من سرقة السيارة بعد ارتكاب جريمته قبل أن تعتقله الأجهزة الأمنية في اليوم التالي.

وصباح 27 يناير الماضي، عثر على جثة إميل حديفة مكبلاً ومرمياً في دورة المياه داخل محطة الوقود التي يملكها في منطقة مزرعة يشوع (جبل لبنان). وبيّنت التحقيقات أن أربعة سوريين من عمّال المحطة هم الذين ارتكبوا الجريمة وفرّوا إلى سوريا قبل العثور على جثة ضحيتهم.

كما طالت الجرائم نائب مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس في لبنان الأرشمندريت كوجانيان (40 عاماً)، المُكلف بإدارة شؤون الطائفة في زحلة وعنجر (شرق لبنان)، إذ عثر صباح السبت في الأول من فبراير (شباط) الحالي على جثته داخل منزله في بصاليم (جبل لبنان)، بعدما فُقد الاتصال به الجمعة. وحضرت الأجهزة الأمنية إلى المكان، وبدأت التحقيقات لكشف ملابسات الجريمة، حيث أفيد بأن دافعها السرقة. وتحوم الشبهات حول تورط عمال سوريين في الجريمة.

الأمن الاستباقي
ولبنان ليس حالة فريدة بالطبع، إذ إن هذه الجرائم موجودة في بلدان مختلفة، لكن ارتفاعها بات يبعث على القلق بين اللبنانيين. ورأى مصدر أمني لبناني أن «هذا النوع من الجرائم لا يعالج بإجراءات أمنية استباقية». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمن الوقائي دائماً ما يسجّل نجاحاً في الجرائم ذات الطابع الأمني والإرهابي من خلال مراقبة وتعقّب للشبكات، لكن في الجرائم العادية والخلافات الشخصية يصعب معرفتها مسبقاً»، مشيراً إلى أن «الوضع الاجتماعي والأزمات المالية والاقتصادية يلعبان دوراً أساسياً في جرائم السرقة، إلّا أن البعض يتخذ من ظاهرة السرقة وسيلة للكسب وجمع الأموال وليس من أجل الحاجة، ولا يتردد في ارتكاب جريمة قتل حتى ينجو بنفسه أو يمنع الضحية من كشف هويته، كما حصل مع جريمة قتل صاحب محطة الوقود أو صاحب معرض السيارات». ولا يخفي المصدر أن «تراجع عدد الدوريات والوجود الأمني على الأرض قد يشكل عاملاً مشجعاً للجاني بأنه قادر على ارتكاب جريمته والفرار، لكن هذا التراجع ليس سبباً مباشراً للتشجيع على الجريمة».

التفلت من القانون
وقتل مسلحون ملثمون ليل الاثنين 21 يناير الماضي، مسؤول «حزب الله» في البقاع الغربي الشيخ محمد حمادي، بست رصاصات أطلقت عليه أثناء مغادرته منزله في بلدة مشغرة، وفرّوا إلى جهة مجهولة. ورجّحت معلومات أن الجريمة «حصلت بدافع الثأر الشخصي».

ورأت الدكتورة فريال عبد الله حلاوي، الأستاذة المحاضرة والمستشارة في تطوير الذات، أن «هناك أسباباً كثيرة وراء هذه الجرائم، التي تأتي بعد أيام على خروج لبنان من الحرب، يضاف إليها أسباب اقتصادية واجتماعية ناتجة عن المآسي والضغوط النفسية المتأتية عن الحرب».

وقالت حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن الآن في مرحلة انتقالية، بين اللادولة التي لم يكن فيها رئيس للجمهورية وتشكيل الدولة من خلال انتخاب رئيس للبلاد والبدء بتشكيل الحكومة، لذلك نشهد تفلتاً في الجريمة وعدم الالتزام بالقوانين وعدم الخوف من العقوبات، وهذا مرده إلى فترة تحلل الدولة».

وشددت الدكتورة حلاوي على أن «الجريمة التي ذهب ضحيتها الشاب خليل خليل تفوق التصور، خصوصاً أنها ارتكبت بوحشية وساديّة، بحيث ظلّ القاتل يدهس الضحية أمام أهله حتى فارق الحياة»، مشيرة إلى أن «شخصية الشاب الجاني إما أنها غير سويّة، وإما ارتكبها تحت تأثير تناوله المخدرات». وأضافت: «إذا صحّت المعلومات بأن والدة الجاني كانت برفقته فهذا أمر غير مفهوم، إذ كان يفترض بها أن تمنع ولدها أو أن توقف السيارة بأي وسيلة، لأن شخصية الأم مرتبطة بصورة الأم بالعاطفة والقانون والقواعد الإنسانية، ولا أحد يمكن أن يتخيّل أن تشارك أم ولدها في جريمة قتل شاب عمره لا يتعدّى 17 عاماً التجأ إلى أهله ليحتمي بهم من تهديدات الجاني ومطاردته له».

إجراءات صارمة
وكاد خادم رعية مار أنطونيوس البدواني للموارنة الخوري إيلي بشعلاني يخسر حياته صباح الأحد الماضي، خلال عودته من بيروت إلى منزله في منطقة المريجات (جبل لبنان)، حين طاردته سيارة من نوع «جيب شيروكي» سوداء اللون وحاولت قطع الطريق أمامه، إلّا أنه تمكن من التخلص منها، إلّا أن السيارة نفسها عادت وتوقفت أمام منزل الخوري وترجل منها شخص مسلّح وفتح النار على منزله الذي أصيب بعدة طلقات، ثم لاذ بالفرار.

وشددت الدكتورة فريال حلاوي على «ضرورة أن تأخذ الدولة بزمام المبادرة وأن يتشدد القضاء في فرض العقوبة بحق المرتكبين». ودعت إلى «اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة بحقّ الجناة الذين يجري توقيفهم، بالإضافة إلى فرض هيبة الدولة على الأرض حتى لا يشعر هواة القتل أنهم قادرون على ارتكاب جرائمهم ومطمئنون إلى قدرتهم على الإفلات من التوقيف، وبالتالي على الدولة أن تحزم أمرها وتفرض هيبتها وتثبت أنها قادرة على حماية مواطنيها وكل المقيمين على أراضيها».

يوسف دياب
الشرق الأوسط