جرّصتنا يا "سليم"... بين الأجانب – بقلم تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Sunday, January 12, 2025

بعد سكرة الفرحة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، وبعد السعادة المُضاعفة، الأولى بانتهاء الشغور في القصر الرئاسي، والثانية بقيمة الرجل الذي ملأ هذا الشغور، كما ملأ القلوب بالأمل، وبعد أن بدأت، منذ الصباح الأوّل للرئيس في القصر، الإجراءات العملية والبروتوكولية تأخذ مجراها، وهو أمر آخر مطمئن، صار بالإمكان الآن التركيز وتسليط الضوء على بعض الأحداث المرافِقة لجلسة الانتخاب.

لست بمعرض سرد أبرز الأحداث، فالوسائل الإعلامية الحديثة والتقليدية، ضجّت بها بما فيه الكفاية، الا أنني سأتوقّف عند حدثٍ معيّن، لابدّ من الوقوف عنده، دهرًا كاملًا اذا استدعى الأمر، فهو ليس "مزحة" وليدة لحظتها، أو "هفوة مغفورة" تمرّ مرور الكرام، وبالطبع، ليست "قصة مرّة وانتهت".

أنا لست محامية دفاع عن نائب من هنا، او شخص من هناك، أنا مواطنة لبنانية، جالسة أمام شاشة، تنتظر 128 "موظّف" لدى اللبنانيين، ليؤدوا "واجباتهم الوظيفية"، وينتخبوا رئيسًا للجمهورية، وإذ بي أتفاجأ - وللوهلة الأولى اعتقدت أني قد غيّرت المحطّة التي أشاهدها، وانتقلت إلى محطّة تعرض أفلامًا هابطة - ليتبيّن لي أن الهابط الوحيد هو مستوى التخاطب بين "موظّفي" المجلس النيابي.

لا أعرف النائبة بولا يعقوبيان شخصيًا، لم نلتقِ يومًا، لم نتحدّث عبر الهاتف، وقليلة الأمور السياسية التي نتّفق عليها، الا أني لا أستطيع أن انكر ما فعلت هذه "المرأة" في عالم الصحافة، وصولًا إلى عالم السياسة، وكيف خرقت منظومة تصل جذورها إلى أعماق الدولة العميقة، وكانت رأس حربة في معركة الثورة، حتى صارت باكورة نوّاب الثورة، حتى قبل أن تأتي الثورة الشعبية في 17 تشرين.

اعتمدت يعقوبيان على عقلها وثقافتها وقوّة شخصيتها، ولكن للأسف، وفي بلدٍ تجتاحه الذكورية المقيطة، وتحكمه مدرسة "من الزنار ونازل"، صار من الأمور العادية، ان يخرج "ذكر" من نوّاب الأمّة، ليهاجم سيّدة، وزميلة له، بألفاظ لا تليق حتى "بالزعران"، ويتحدّث معها بلغةٍ غير "سليمة"، ويمسّ شرفها، ويتعرّض لأخلاقها.

خلاف، أو "مشكل"، أو مناوشة، النائب عن التيار الوطني الحرّ،سليم عون، مع النائبة بولا يعقوبيان، ليست الأولى من نوعها، فقد صارت من الأمور المكرّرة، ان تتعرّض يعقوبيان لمثل هذه المواقف، وكأن لا عمل لبعض "الشخصيات"، ولا خبرة في النقاش، سوى باستهداف شرف المرأة وكرامتها، لاسيما من فريق معيّن، يشتهر بعباراته "من الزنار ونازل"، ويكاد يجهل بعض أفراده كيفية التخاطب بلياقة، وممارسة "فن الاختلاف"، بطريقة حضارية، فالاختلافات السياسية، وصولا إلى الخلافات في السياسة، لا تمنح الحقّ لأي فرد أو جماعة، بالتعدّي على شرف الاخر.

هذا من زاوية أخلاقية، أما من زاوية بروتوكوليّة، فأي عار على من افتعل هذا "المشهد اللاخلاقي"، بهدف تطيير الجلسة ربما، وأي ذلّ، أن يتصرّف بهذه الطريقة، أمام سفراء وممثّلي دول، اجتهدوا أكثر من "الكثيرين" من السياسيين، ليوصلوا رئيسًا لجمهوريتنا، وأمام وسائل إعلامية، محلية وأجنبية، تنقل الحدث عبر شاشات تغزو كل بيت في العالم، وأي انعدام للمعرفة، وجهل في سلوكيات تصرّف النواب.

قد تخرج بعض الأصوات، وتقول ان الخلافات تحصل في كل المجالس النيابية في العالم، وهذا أمر صحيح، أوافق عليه، ولا يُخفَ على أحد أن الأمور وصلت في مجالس دول عديدة، منها من الدول الوازنة في العالم، إلى حدّ الضرب والتصادم الجسدي، لكنّ المقرف في الأمر، ان الخلاف لم يكن حول "كيفية بناء وطن"، أو كيفية "تحقيق مشروع ايجابي للبلد"، إنما على أمور تافهة، في لحظة قرّر خلالها نائب، أن يقاطع، خارج النظام، زميلة له، واسترسل بمسّ شرفها.

"اشطبها من المحضر"، صدح صوت رئيس المجلس، نعم يحقّ له أن يشطب كلمات، عبارات أو حتى تصرفات، من محاضر الجلسات، ولكن من يشطب من تاريخ البعض، مثل هذه اللحظة؟ من يشطبها من الفضاء الالكتروني الذي تناثرت فيه كحبيبات الهواء، لا يوقفها حاجز؟ من يشطبها من أذهان اللبنانيين الذين أصابهم الخجل؟ من يشطبها من ضمير وطن، وحق امرأة، وصورة فتاة ستعتقد أنّ المسّ بشرفها أمر طبيعي، فحتى النواب بوطننا، من السهل المساس بشرفهم، طالما هنّ نساء؟ من يشطبها من أحاديث وكتابات رجالات دفعوا بكل قوتهم ليجمعوا شمل فُتات مجلس نيابي مهشّم؟

لكن لا عجب مما تفعلوه، فمن يقتل شعبه أمام عيون "الأجانب"، ويشحد "على ظهر" شعبه من جيوب الأجانب، ويُهجّر شعبه إلى بلدان الأجانب، ويخبّئ أمواله – فيما تُسرق أموال الناس – في مصارف الأجانب، بالطبع لن يخجل باستباحة كرامة أهل بيروت الذين تمثّلهم يعقوبيان، ولن يخجل بمسّ شرف كل فتاة وامرأة، تشبه يعقوبيان، ولن يخجل بالتطاول على بلد بكامله، وأمّة، بولا يعوبيان نائبة عنها، وكل هذا أمام عيون الأجانب، مما يعطينا الحقّ بالقول لكم: "جرّصتونا بين الأجانب"... جرّصتنا يا سليم... بين الأجانب.