العراق: السوداني “يرفض” توجيهات المرشد الإيراني.. - بقلم حسن فحص
شارك هذا الخبر
Sunday, January 12, 2025
وصل رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة سريعة ليوم واحد، التقى فيها الرئيس مسعود بزشكيان وتباحث معه في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك على المستويين الاقتصادي والتجاري. ولم تغب التطوّرات الإقليمية، خاصة الأحداث السورية، وما يمكن أن ينتج عنها من تحدّيات أمنيّة وسياسية واقتصادية، عن جدول هذه المباحثات.
لكنّ المحطّة الأبرز في زيارة السوداني كانت اللقاء الذي جمعه مع المرشد الأعلى للنظام السيّد علي خامنئي، الذي يملك في يده مفاتيح القرار الاستراتيجي لإيران، وهو الجهة التي يمكنها إعطاء الضيف العراقي الإجابات الحاسمة على الرسائل والأفكار التي حملها في جعبته.
جاءت الزيارة العراقية على مسافة 11 يوماً من دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب البيت الابيض، الذي سيكون عليه التعامل مع نتائج تحوّلات جيوسياسية كبيرة شهدتها منطقة الشرق الأوسط، خاصة في الساحات التي تعتبر مسرحاً للنفوذ الإيراني، الذي يشكّل محوراً أساسيّاً في اهتمامات رئيس البيت الأبيض، وفي مقدّمتها آليّات استكمال الاستثمار في الخسائر التي لحقت بالمحور الإيراني، سواء ما أصاب حركة حماس في قطاع غزة، أو ما لحق بدور وحجم النفوذ الذي شكّله “الحزب” في لبنان، بالإضافة إلى المتحوّل الأبرز والأهمّ الذي تمثّل بالانهيار السريع والصادم للنظام السوري وهروب رئيسه بشار الأسد.
وصل رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة سريعة ليوم واحد، التقى فيها الرئيس مسعود بزشكيان وصل السوداني إلى طهران، محمّلاً بالكثير من الملفّات العالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلّق منها بموضوع الطاقة وتزويد العراق بالغاز الإيراني، وما يدور من حديث عن إمكان وقف الإمدادات الإيرانية من هذه المادّة، إضافة إلى تزويده بالطاقة الكهربائية التي تعاني إيران عجزاً في توفيرها داخلياً.
إلّا أنّ المباحثات التي أجراها مع الرئيس الإيراني لم تصل إلى نتيجة واضحة حول الموقف الإيراني من هذه الملفّات، التي تركها الإيراني لتفاهمات لاحقة في إطار مساعي تعزيز مشاريع التعاون الاقتصادي والتجاري وخطوط النقل بين البلدين.
ماذا عن التّهديد الأميركيّ؟
سبق هذه الزيارة حجم كبير من التسريبات عن رسائل تهديد أميركية يحملها السوداني في جعبته، من المفترض أن يضعها أمام القيادة الإيرانية، وتتمحور حول دور ونفوذ إيران في العراق، عبر الأذرع التي تملكها في هذه الساحة، وإشكاليّة الطلب الأميركي لحلّ تشكيل الحشد الشعبي وما يمثّله من مصالح إيرانية داخل المؤسّسة العسكرية العراقية، إضافة إلى تأكيد هذه الرسائل وما فيها من تهديدات على إنهاء ظاهرة الميليشيات المسلّحة التي تنشط تحت عنوان “المقاومة الإسلامية”، والتي تعمل من خارج سلطة القائد العامّ للقوّات المسلّحة العراقية.
كان الموضوع السوري وتطوّراته حاضرين بشكل كبير على طاولة المحادثات الرسمية بين الرئيسين بزشكيان والسوداني، ولم يتردّد السوداني في رسم الموقف العراقي الرسمي الذي أكّد استعداد العراق للتعامل الإيجابي مع الحكم الجديد في سوريا، بما يضمن مصالح الطرفين ويساعد على تحقيق الاستقرار، وعدم السماح بانتقال حالة الفوضى إلى الداخل العراقي. واتّفق مع الجانب الإيراني في مسألة تأكيد وحدة الأراضي السورية وتشكيل حكومة تمثّل جميع مكوّنات الشعب السوري.
وصل السوداني إلى طهران، محمّلاً بالكثير من الملفّات العالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلّق منها بموضوع الطاقة وتزويد العراق بالغاز الإيراني اللّقاء مع المرشد من خارج السّياقات
اللقاء مع المرشد الأعلى، يختلف في آليّاته وشكله عن اللقاءات السابقة التي كان يعقدها المرشد مع أيّ رئيس وزراء عراقي سابق، وحتى مع السوداني. فاللقاء عادة يأتي بعد إشارة من الجهات الرسمية في الدولة الإيرانية إلى إيجابية المباحثات التي أُجريت بين الطرفين، ليكون اللقاء مع المرشد تتويجاً وتكريساً لهذه التفاهمات وإعطائها صفة القطعيّة والنهائيّة، خاصة إذا ما كانت تصبّ في إطار المصالح الاستراتيجية للنظام الإيراني.
لم يحدث لقاء المرشد والسوداني ضمن السياقات السابقة المتعارف عليها، لأنّ ما كُشف عن المباحثات الرسمية يبيّن أنّها لم تصل إلى نتائج محدّدة، بل نتيجة حاجة متبادلة بين المرشد والسوداني لمعرفة موقف كلّ منهما من التطوّرات التي حصلت في الإقليم، والشكل الذي ستكون عليه آليّة التعامل معها، وفي مقدّمها المتحوّل السوري.
تمثّلت حاجة المرشد في معرفة الرسائل التي يحملها الضيف العراقي، وتمثّلت حاجة السوداني في معرفة الموقف الإيراني من هذه الرسائل، وما سيكون عليه موقف طهران من التطوّرات التي تشهدها المنطقة، وحجم المخاطر التي قد يتعرّض لها العراق في حال وضعته واشنطن في دائرة الاستهداف في سياق جهودها لمحاصرة إيران وتقطيع أذرعها في الإقليم، وتكريس واقع جيوسياسي في الشرق الأوسط يحاصر النظام الإيراني داخل حدوده على الأقلّ، في حال لم يحصل تصعيد أكبر، سواء بالحرب المباشرة ضدّه أو دخوله في حالة من الفوضى الداخلية.
كان الموضوع السوري وتطوّراته حاضرين بشكل كبير على طاولة المحادثات الرسمية بين الرئيسين بزشكيان والسوداني ضغط أميركيّ متصاعد
حاولت الحكومة العراقية منذ اليوم الأوّل لسقوط النظام السوري، وارتفاع وتيرة الحديث عن مستقبل العراق ودور الحشد الشعبي، التأكيد على أنّها تتمسّك بهذا التشكيل العسكري باعتباره جزءاً من القوّات العسكرية الرسمية العراقية الخاضعة لسلطة القائد العامّ للقوّات المسلّحة، وأنّ الأوضاع تسمح للحكومة والقيادة العراقية بفرض نوع من إعادة ترتيب هذا التشكيل وضبطه بعيداً عن نفوذ الأحزاب والقوى السياسية التي تعتبر الذراع السياسية للفصائل التي تشكّله.
لكنّ الضغوط الأميركية، التي تتعرّض لها الحكومة العراقية على هذا المستوى، جعلت من الضرورة أن يستعين السوداني بالجانب الإيراني وتأثيره ونفوذه على التشكيلات الميليشياوية لإجبارها على التعاون التامّ مع الحكومة لإخراج العراق من دائرة الاستهداف والتهديد بالفوضى التي قد تطيح بكلّ العملية السياسية، وقد تؤدّي إلى قلب المشهد وتغيير النظام السياسي الذي قام بعد انهيار النظام السابق.
للمرّة الأولى، يظهر التباين في المواقف بين المرشد الإيراني ورئيس وزراء عراقي في ما يتعلّق بالتطوّرات التي تشهدها المنطقة وآليّات العمل معه لم تكن توقّعات رئيس الوزراء العراقي بحجم الآمال التي عقدها على هذه الزيارة، لأنّ المرشد الأعلى تمسّك بالخطاب التصعيدي في التعامل مع الساحة العراقية، خاصة في ما يتعلّق بالوجود والدور الأميركيَّين، وذلك من خلال تأكيد ضرورة الانسحاب الأميركي التامّ من العراق، ودعوة السوداني وحكومته إلى تعزيز وتقوية الحشد الشعبي، الذي يشكّل ضمانة لاستقرار العراق، ومواجهة تهديد الجماعات الإرهابية التي من المتوقّع أن تستأنف نشاطها في العراق لإشاعة الفوضى فيه والقضاء على الدولة.
تباين واضح إيرانيّ – عراقيّ
للمرّة الأولى، يظهر التباين في المواقف بين المرشد الإيراني ورئيس وزراء عراقي في ما يتعلّق بالتطوّرات التي تشهدها المنطقة وآليّات العمل معه. على الرغم من أنّ التهديدات التي تواجهها المنطقة، وخصوصاً العراق، هي نتيجة ما شهدته وتشهده الساحة الفلسطينية من حرب على قطاع غزة، بالإضافة إلى ما شهدته الساحة اللبنانية، لم يشِر المرشد في كلامه مع السوداني إلى الساحتين الفلسطينية واللبنانية، بل ركّز في مواقفه على الحدث السوري الذي “جاء نتيجة تآمر دول أجنبية ضدّ النظام السوري”، وانتقل إلى الموضوع العراقي باعتباره التهديد الجديد الذي يهدّد الموقف الجيوسياسي والاستراتيجي لإيران والمحور الذي تقوده.
بلغة تحمل بعداً توجيهيّاً، أكّد المرشد الإيراني بالنيابة عن الحكومة والشعب العراقيَّين “عدم السماح ببقاء القوات الأميركية في العراق” في ما يشبه تمسّكه بمصادرة القرار العراقي المستقلّ أمام رئيس الحكومة العراقية والقائد العامّ للقوّات المسلّحة. في المقابل، أعطى المرشد للسوداني هامشاً وحيداً تضمّن إمكانية التعامل مع الفصائل الناشطة من خارج إطار الحشد الشعبي، من خلال التوصّل إلى صيغة تسمح بإدخالها في جسم القوّات المسلّحة، بحيث يسمح لبغداد تقديم ورقة تعاون في مواجهة الضغوط الأميركية تحافظ فيها إيران على ما لديها من نفوذ على هذه الساحة، التي تشكّل الدرع الأخير وتبعد الخطر عن حدودها المباشرة.