إيكونوميست- لماذا يريد ترامب السيطرة على قناة بنما؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, January 11, 2025

عام 1978، صرّح الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بأن إعادة السيطرة على قناة بنما ستتيح فرصاً جديدة للتجارة العالمية، وتقلل من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، وتعزز مكانة بلاده الدولية، مؤكداً في خطاب متلفز أن هذا الإجراء يعكس قوة وثقة أمة "ما زالت مبدعة وعظيمة".

وقبل وفاته في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2024، ربما استمع جيمي كارتر إلى تصريحات دونالد ترامب بشأن قناة بنما، التي حملت لهجة مغايرة تماماً تجاه حليف بلاده.

ووصف ترامب التنازل عن السيطرة على القناة بأنه "خطأ فادح"، زاعماً أن بنما "تنهب" المستهلكين الأمريكيين من خلال فرض رسوم عبور باهظة.

وفي تجمع لأنصاره في أريزونا، صعّد الرئيس القادم من تصريحاته، مدعياً وجود "جنود صينيين" يديرون الممر المائي، مشيراً إلى أنه لن يستبعد استخدام القوة لاستعادته.

وهذا يثير التساؤل: ما الذي يدفع ترامب للتفكير في الاستيلاء على القناة؟

من الأمن إلى التجارة
وفقاً لمجلة إيكونوميست، كان الدافع وراء مشروع قناة بنما، الذي تبناه الرئيس ثيودور روزفلت سنة 1903 بعد فشل المهندسين الفرنسيين، يتمثل في مخاوف أمنية، إذ أرادت البحرية الأمريكية تأمين وسيلة لنقل أسطولها بين المحيطين الأطلسي والهادئ دون الحاجة للالتفاف حول أمريكا اللاتينية.

وفي أوائل القرن العشرين، صممت البحرية سفنها بما يتناسب مع أبعاد أقفال القناة البالغ طولها 305 أمتار.

وبموجب معاهدتي توريخوس-كارتر لعام 1977، تم الاتفاق على أن يبقى الممر المائي محايداً ومفتوحاً أمام سفن جميع الدول، مع تعهد الولايات المتحدة بالتدخل العسكري لحماية هذا الوضع إذا لزم الأمر.


لكن القناة لم تصبح ممراً رئيسياً للتجارة حتى القرن الحادي والعشرين، وفي عام 2016، تم افتتاح مجموعة أكبر من الأقفال المصممة لاستيعاب سفن "نيوباناماكس" الأكبر والتي يمكنها حمل المزيد من البضائع.

وخلال السنوات الأخيرة، مر نحو 5% من التجارة البحرية العالمية عبر القناة التي تديرها وكالة بنمية مستقلة عن الحكومة وتوفر 2.5 مليار دولار من الإيرادات السنوية للحكومة.



ماذا عن الخداع؟
ليس ثمة الكثير مما يبرر ادعاء ترامب بأن الأمريكيين يتعرضون للخداع، فالرسوم تحدد وفق الطلب، وعادة ما تدفع السفينة أقل من 400 ألف دولار للعبور.

ووفقاً للخبير الاقتصادي البنمي إيدي تابيرو، تمثل الرسوم عادة 5% متواضعة من تكاليف الرحلة، وخلال فترات الجفاف، عندما يتمكن عدد أقل من السفن من الترانزيت، يمكن لهذه السفن أن تتنافس ضد بعضها البعض للحصول على حق المرور.


في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، دفعت سفينة تحمل الغاز الطبيعي المسال مبلغاً قياسياً مقداره 4 ملايين دولار للعبور.

وتستطيع السفن العسكرية الأمريكية أن تتجاوز قائمة الانتظار. إذ دفعت 17 مليون دولار فقط رسوم عبور في السنوات التسع الماضية، وهو ما وصفه السفير الأمريكي السابق في بنما جون فيلي بأنه مبلغ متواضع جداً من الموازنة.

فإذا كانت الرسوم التجارية منخفضة عادة وكانت البحرية الأمريكية تتمتع بالفعل بإمكانية وصول رخيصة ومفضلة، فلماذا يهدد ترامب بالاستيلاء على القناة؟

ذكورية جيوسياسية
حسب المجلة، ربما تكون الإجابة الأبسط هي أن الرئيس المنتخب يعبر عن ذكورية جيوسياسية، كما فعل باقتراحه الاستيلاء على غرينلاند.

وقد يرغب ترامب أيضاً بالضغط على بنما للحد من النفوذ الصيني في البلاد. وعلى عكس ادعاء ترامب، لا يدير جنود الصين القناة، لكن الدبلوماسيين ورجال الأعمال الصينيين يتمتعون بنفوذ هناك.

وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، أنهت بنما العلاقات الدبلوماسية مع تايوان وأقامتها مع الحكومة في بكين، وأدى ذلك إلى تسريع الاستثمار الصيني في مشاريع البنية التحتية الكبيرة في البلاد.

وأفسدت الضغوط الأمريكية خطط بناء سفارة صينية ضخمة عند مصب القناة. لكن في 2021 جددت بنما لمدة 25 عاماً امتياز ميناء رئيسي لفرع شركة مقرها هونغ كونغ.

محاولات لتحسين العلاقات
حاول رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد توليه السلطة في يوليو 2024.

وكان أحد قراراته الأولى توقيع اتفاقية تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية عبر ممر داريان. كما منح العقد الأول لمشروع البنية التحتية الرائد في البلاد، وهو خط سكك حديدية عالي السرعة، لشركة أمريكية.

ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافياً لإرضاء الرئيس الأمريكي المقبل، إذ قد يطالب بنما بتشديد ضوابط الهجرة بشكل أكبر، تحسين بيئة الاستثمار للشركات الأمريكية، أو الوقوف بوضوح إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهة الصين.

ويشير نيهامياس سيلادا، عالم في شؤون الصين ودبلوماسي بنمي سابق، إلى أن خطوة مثل فتح بنما مكتباً تجارياً خاصاً مع تايوان قد تكون كافية لردع الاستثمارات الصينية.

وربما تدفع إدارة ترامب بنما إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع بكين تماماً.

من جانبه، رفض مولينو التعليق حتى يتولى ترامب منصبه في 20 يناير، لكنه طمأن الشعب البنمي قائلاً: "كل متر مربع من القناة هو ملك لبنما".


24.AE