4 أيام تفصلنا عن موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي طال انتظارها من دون أن يتبيّن بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ظل صعوبة استشراف نتيجة الجلسة التي يسودها غموض غير بنّاء، ولكن يمكن رسم المشهد السياسي الذي يحكم هذه الجلسة قبل أيام من انعقادها على الشكل الآتي:
1- رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أعلن مع حليفه «حزب الله» ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وساهم نواب «كتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» بتطيير نصاب الجلسات المتعاقبة في دورتها الثانية بما فيها جلسة 14 حزيران التي تنافس فيها فرنجية مع الوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت حول اسمه قوى المعارضة مع «اللقاء الديمقراطي» و«التيار الوطني الحر» وعدد من نواب التغيير، يبدو هذه المرة مصمماً على انتخاب رئيس وعدم تطيير النصاب كالسابق التزاماً بما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار، وهو لهذه الغاية دعا السفراء المعتمدين في لبنان لحضور الجلسة تأكيداً منه على عزمه تصاعد الدخان الأبيض ولكن من دون أن تُحسَم هوية المرشح الذي قد يفوز في هذه الجلسة، مع اتجاه الرئيس بري لتفضيل مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني السفير جورج خوري أو مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري على قائد الجيش العماد جوزف عون لقناعته أن العماد عون لا يساير ولا يدخل في مساومات. فيما الوزير فرنجية الذي يدرك تراجع حظوظه بعد المتغيرات الكبيرة في لبنان والمنطقة يقترح على بري و«حزب الله» دعم قائد الجيش أو النائب فريد هيكل الخازن كونه أحد حراس بكركي، فيما لا يستبعد البعض أن ترتفع في عين التينة أسهم الوزير أزعور أو صديق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المصرفي سمير عساف.
2- قوى المعارضة التي تضم «القوات اللبنانية» والكتائب و«حركة تجدد» وبعض التغييريين واظبت على المشاركة في كل جلسات الانتخاب وانتقدت تعطيل هذا الاستحقاق من قبل الثنائي الشيعي وحلفائه. وبعدما رشّحت المعارضة بداية رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض الذي تقاطعت حول اسمه مع «اللقاء الديمقراطي» عادت وأيّدت ترشيح الوزير أزعور كمرشح وسطي. أما حالياً فتعتبر المعارضة أن لبنان لا يمكن إلا أن يواكب المتغيرات ولا يمكن إلا انتخاب رئيس يواكب هذه التطورات ويسعى لتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 1701 بكل مندرجاته ويلتزم مضمون اتفاق وقف إطلاق النار لجهة نزع السلاح غير الشرعي جنوب وشمال نهر الليطاني. وتبدي المعارضة حذرها من الافراط في الإيجابية التي يتحدث عنها الرئيس بري، وتخشى الاقدام على «تهريبة رئاسية» تنتج رئيساً يشكل امتداداً للمرحلة الماضية بدل اختيار رئيس يتناغم مع المرحلة الجديدة. ولدى المعارضة أسماء يمكن أن ترشحها في طليعتها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يُعتبر أوسع ممثل للمسيحيين حالياً ويمتلك أكبر كتلة نيابية تضم في عدادها أيضاً رئيس حزب الوطنيين الأحرار كميل دوري شمعون، غير أن التوازنات الموجودة راهناً في المجلس النيابي لا تتيح انتخاب جعجع بسهولة من دون تفاهم مع عدد من الكتل الوسطية، وهذا ما ينطبق ايضاً على رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل.
3- الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بادر مع «اللقاء الديمقراطي» إلى تأييد ترشيح قائد الجيش للرئاسة في خطوة لم تلق الارتياح التام لدى بعض الأحزاب المسيحية التي تعتبر أن المسيحيين وبكركي هم المعنيون الأساسيون بالترشيح كون رئيس الجمهورية هو ممثلهم الأول في الدولة. وهذا ما عبّر عنه صراحة «التيار الوطني الحر» الذي قال «مش جنبلاط يللي بيرشح عن المسيحيين». واللافت أن جنبلاط الذي كان يعتزم زيارة معراب للقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع بعد المتغيرات الجديدة قام بزيارة باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ثم دمشق للقاء قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، ورأى البعض في ترشيحه قائد الجيش استباقاً لاحتمال ترشح جعجع كأكبر ممثل للمسيحيين للرئاسة.
4- رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل رفض منذ البداية ترشيح الثنائي الشيعي لفرنجية وترشيح المعارضة لمعوض، كما لم يشأ الترشح شخصياً أو ترشح أي من أعضاء الكتلة حيث برز اسم رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي ورد اسمه في لائحة توافق عليها البطريركية المارونية، وهذا ما تسبب بترك أربعة نواب التيار بعد تراكمات أخرى. ويجري باسيل اتصالات للتوصل إلى رئيس توافقي كالوزير السابق زياد بارود واللواء البيسري والنائب فريد البستاني مستبعداً أسماء كالنائب نعمة افرام الذي سبق وترك تكتل «لبنان القوي». ويواجه باسيل لأسباب عديدة ترشيح قائد الجيش وهو مستعد لدعم ترشيح سمير جعجع لقطع الطريق أمام وصول العماد عون إلى قصر بعبدا.
5- الكتل الوسطية وهي تتوزّع على أكثر من طرف بينها «الاعتدال الوطني» و«اللقاء النيابي المستقل» ويغلب عليهم النواب السنّة باستثناء النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي ووضاح الصادق المنتمين إلى المعارضة وحيث يبرز اسم مخزومي كمرشح لرئاسة الحكومة المقبلة. وسبق لمعظم النواب الوسطيين أن اقترعوا بعبارة «لبنان الجديد» حتى في خلال المنافسة بين فرنجية وأزعور في انتظار «كلمة سر». أما النائب فيصل كرامي الذي يُعتبر حليفاً للثنائي الشيعي مع عدنان طرابلسي وحسن مراد وجهاد الصمد ومحمد يحيى والذين سبق أن صوّتوا لفرنجية فهم يسعون للتلاقي مع النواب السنة الآخرين لتشكيل قوة ناخبة داخل المجلس، مع العلم أن كتلتي «الاعتدال» و«اللقاء النيابي» تتجهان لدعم النائب المستقل نعمة افرام الذي أعلن ترشيحه رسمياً باسم مشروع «وطن الانسان» كخيار أول.
وفي ظل هذه المعطيات وكثرة عدد المرشحين وبينهم أسماء مثل ناصيف حتي وناجي البستاني وزياد حايك يرتفع مؤشر تشتت الأصوات وعدم خروج الجلسة برئيس يوم التاسع من كانون الثاني الحالي. ويبدو أن فريق المعارضة يفضل التريث في اتخاذ موقف لغاية ربع الساعة الأخير من الجلسة لعدم كشف أوراقه مسبقاً أمام فريق الممانعة مع عدم استبعاد خيار انتظار دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على الرغم من وعي هذا الفريق ضرورة انتخاب رئيس وإعادة إنتاج سلطة إجرائية جديدة، لكن هذه الضرورة في رأيه لا تعني بأي شكل من الأشكال قبول المعارضة بانتخاب رئيس لـ 6 سنوات يسعى لبقاء قواعد اللعبة القديمة بدل تغييرها بما يتناسب مع المرحلة الجديدة وقطع خطوط العودة إلى معادلة الثلث المعطل أو «جيش وشعب ومقاومة» التي باتت من الماضي.