لبنان ضمن البلدان الأكثر فسادًا.... والهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد حبر على ورق - بقلم ربى أبو فاضل
شارك هذا الخبر
Tuesday, December 31, 2024
يمر لبنان منذ سنوات بأزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة، جراء تصرفات الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ نهاية الحرب المشؤومة، التي ضربت البلاد مطلع تسعينات القرن المنصرم. الحكومات مهدت الطريق، فأوصلت الدولة اللبنانية إلى انهيار تاريخي صنفه البنك الدولي بأنه واحد من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية حصلت خلال 150 عاماً، ويعد الفساد من أبرز الأسباب لانهياره الاقتصادي.
الفساد يشكل إحدى أبرز المعضلات التي تعصف بلبنان منذ عقود، حيث تعاني البلاد من خسائر متكررة في كل القطاعات الحيوية كالكهرباء والنفايات والاتصالات ، إضافة إلى انهيار القطاع المصرفي الذي استولى على نحو 100 مليار دولار من أموال المودعين، كما تحول لبنان في السنوات الأخيرة إلى بيئة حاضنة لتبييض الأموال، مما دفع مجموعة العمل الدولية الى وضعه على اللائحة الرمادية، وتقارِب كلفة الفساد على لبنان سنوياً الـ4.5 مليارات دولار، ففي وزارة الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر، بلغ الهدر بين عامي 2011 و2022 حوالى 6 مليارات دولار (بحسب تقرير لديوان المحاسبة)، في حين تخطى الهدر في صفقات الفيول والديون المتراكمة من جرائها الـ40 مليار دولار.
يئن لبنان تحت وطأة كارثة الفساد، الذي هو نتيجة مباشرة لطبقة سياسية فاسدة، فعلى رغم من وجود قوانين كافية لمكافحة الفساد، فإن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الإرادة السياسية لتنفيذها، فالنظام السياسي الطائفي يعرقل العدالة ويحمي الفاسدين، إذا الحل لا يكمن في مزيد من التشريعات، بل في إعادة النظر في النظام السياسي، وتعزيز استقلالية القضاء ومؤسسات الرقابة، إذ شكل إقرار قانون مكافحة الفساد في عام 2020 خطوة في مواجهة الفساد، وشكل تعيين الهيئة في 24 كانون الثاني 2022 خطوة أخرى، لكن المطلوب استكمال هذا المسار من خلال السعي إلى تنفيذ القوانين المقرة، ومراقبة حسن عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وسائر الهيئات الرقابية من قبل الرأي العام والمجتمع المدني لانتشال لبنان من بؤرة الفساد.
وبمراجعة بسيطة للتاريخ نجد أنه منذ تاريخ إنشاء دولة لبنان الكبير في سنة 1920 ولغاية يومنا هذا لم يعاقب أي من السياسيين على جرائم الفساد واستغلال السلطة لتحقيق غايات محض شخصية.
مدير المكتب الإقليمي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان محمد المغبط أشار إلى أن البرلمان اللبناني أقر العديد من قوانين مكافحة الفساد، لكن الهيئات الرقابية لا تزال مكبّلة، وشدد على أن استقلالية القضاء تمثل الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب.
منظمة الشفافية الدولية أعلنت نتائج مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2023 في كل البلدان، وكشفت عن أداء لبنان الذي حصل على نتيجة 24/100 واحتل المركز 149 من أصل 180 دولة خضعت للتقييم، مسجلا بذلك النتيجة الأدنى له لثلاثة أعوامٍ متتالية، ما يؤكد الحاجة إلى معالجة الوضع بشكل عاجل، واتخاذ إجراءات تصحيحية بحسب المدير التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية جوليان كورسون، الذي اعتبر ان "الديناميكية المعتمدة لا تساعد في مكافحة الفساد في لبنان، وانه منذ 17 تشرين من العام 2019، على الرغم من الجهود المبذولة على صعيد الشعب اللبناني وما قام به من مظاهرات طالبت بمكافحة الفساد، ما زال مؤشر مدركات الفساد في تدحرج"، مشيرا إلى ان المواقف من مكافحة الفساد، وخاصة لدى مقاربة الموازنة لا تترجم إلى سلوكيات وتبقى للأسف حبرا على ورق"، مضيفا " هناك فرصة لتعزيز الشفافية والمساءلة في ظل التغيرات الإقليمية، من خلال تحسين كفاءة القطاع العام والالتزام بالإصلاحات الشاملة لتجاوز التحديات المقبلة".
تجدر الإشارة إلى أن مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perception Index) هو مؤشر سنوي تقوم جمعية الشفافية الدولية بنشره منذ العام 1995 ويهدف إلى تصنيف الدول بحسب مستوياتها المتصورة من الفساد في القطاع العام على مقياس من صفر (فاسد للغاية) إلى 100 (نزيه للغاية)، وذلك استناداً إلى تقييم الخبراء واستطلاع الرأي ويسجل المؤشر نتائج 180 دولة حول العالم باستخدام بيانات من مصادر خارجية منها البنك الدولي، الشركات الخاصة للاستشارات وحساب المخاطرة، المنتدى الاقتصادي العالمي والمجمعات الفكرية وغيرها.
الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر بجميع البلدان، وفي الوطن المنهوب يشكل إحدى أبرز المعضلات التي تعصف به منذ عقود، فجذور الفساد متأصلة في كل القطاعات، تحميها مافيا مركبة تستمد قوتها من مفاصل السلطة، وهذا أمر معيب في حق لبنان.
تجدر الإشارة إلى أنه في التاسع من كانون الأول من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة الفساد، ويهدف إلى التوعية بمخاطر الفساد، وأهمية مكافحته على المستويات الوطنية والدولية، أُعلن هذا اليوم من قبل الأمم المتحدة بعد توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2003، والتي تعد الإطار العالمي الرئيسي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية.
يرجع أصل اليوم العالمي لمكافحة الفساد إلى اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 31 تشرين الأول 2003، التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الأول 2005 وتعد هذه الاتفاقية واحدة من أهم الوثائق الدولية التي تهدف إلى التصدي للفساد وتعزيز التعاون الدولي في محاربته.
نحن اليوم على أبواب نهاية العام نأمل أن نبدأ عامنا الجديد برئيس جديد للبلاد يتبنى سياسة مكافحة الفساد، ويعمل على تفعيل قوانين تتصل بها، ويساعد في تشجيع المشاركة المدنية، وتمكين الصحافة لكشف الفساد مع سلطة نزيهة تحكم البلاد، بتطبيق القوانين وتحقيق العدالة ومحاسبة كل الفاسدين ، وإرادة سياسية لاتخاذ خطوات حقيقية لمكافحة الفساد والقيام بإصلاحات شاملة، علنا نخرج من هذا النفق المظلم إلى نور الحرية والعدالة، ويعود الوطن المنهوب ليكون سويسرا الشرق كما عهدناه قبل أن يستشري الفساد بطبقته الحاكمة.