سوريا الجديدة- بقلم زياد شبيب

  • شارك هذا الخبر
Friday, January 3, 2025

لا يزال مستقبل سوريا السياسي غير واضح المعالم بعد سقوط النظام السابق وحلول الإدارة الجديدة محله بالسرعة التي حصلت. وهذه الإدارة أعلنت عن عملية سياسية قادمة ستكون طويلة الأمد وأن عملية صياغة دستور جديد ستمتد إلى ثلاث سنوات والانتخابات العامة لن تحصل قبل ذلك، كما جاء على لسان رئيس الإدارة السيد أحمد الشرع.

تعمل الإدارة الجديدة على تثبيت دعائم حكمها وقد استلمت زمام السلطة فعلياً بكل مفاصلها، وتعمل بالتوازي على اكتساب الشرعية الداخلية من خلال مراكمة المبايعة للإدارة ورئيسها السيد أحمد الشرع، والشرعية الخارجية من خلال استدراج القبول به من الدول النافذة في المنطقة والعالم.

مسألة نظام الحكم الجديد وشكله الدستوري في سوريا تهم لبنان ليس فقط بسبب روابط التاريخ والجغرافيا، إنما بسبب التنوّع القائم هنا وهناك والتشابه في التكوين الإجتماعي، الأمر الذي يطرح الإشكاليات الدستورية والسياسية نفسها حول اختيار النظام الأمثل. والأسئلة الكبرى التي يطرحها المجتمع السوري اليوم حول التوجهات التي ينبغي اعتمادها هناك والعملية المزمع إطلاقها لوضع الدستور الجديد وما سوف تعتمده من خيارات لإدارة الحكم والشأن العام، هي مماثلة للأسئلة التي ما تزال تُطرح في لبنان مع ثبوت فشل النظام القائم في إدارة البلد.

إن إقامة نظام يعتمد على البطش والاستبداد كالسابق غير ممكنة في سوريا، لا بل أن الإدارة الحالية تبشّر بعكس ذلك. أضِف بأنّ مساحات كبيرة من الأرض السورية لا تزال غير خاضعة لسطة الإدارة الجديدة وإن كانت القوى المسيطرة عليها وتحديداً في الشمال الشرقي وفي الجنوب تقرّ بوحدة الدولة والأرض ولكنها تضع الشروط وترفع السقوف. وهذا يعني أمراً من اثنين إما إنهاء هذه الأوضاع بالقوة وبالتالي المزيد من الحروب وإراقة الدماء، وهذا ما سوف يطيح بجهود الإدارة الجديدة لاكتساب الشرعية الخارجية لا سيما وأن الأطراف الخارجيين المؤثرين ينادون بوجوب احترام التنوع. وإما التوصل إلى توافقات وتسويات ودخول تلك القوى والفئات الدينية والإتنية التي تمثلها في الحكم الجديد. وهذا يعني وجوب إقامة نظام للحكم يدير التنوّع المجتمعي.


في سوريا التنوّع السياسي قائم حتى ضمن الأكثرية الدينية الموجودة، ولا يمكن القول تبسيطاً بأن تلك الأكثرية يمكن أن تتفق على شكل واحد للحكم يزيل إمكانية التداول السلمي للسلطة. كما أنه وفي صميم النسيج السوري الوطني توجد فئة تكلّم باسمها بالأمس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر اليازجي، وقال في عظة تاريخية بأن يده ممدودة إلى السيد أحمد الشرع. ما يفيد بأن غبطته ومن يتكلم باسمهم أي المواطنون السوريون المسيحيون، معنيون بإنجاح عملية سياسية تأسيسية دستورية قادمة عبر المشاركة المواطنيّة الفاعلة فيها.

أهمية هذه المناشدة العميقة الوطنية والصادقة، أنها صدرت عن جهة لا تتمترس خلف تنظيم مسلّح ولا تتبنّى طروحات انفصالية، بل عبّرت عن مواطنين كاملي الانتماء ينتشرون على الجغرافيا السورية. وأتت هذه المبادرة من مرجعية ضاربة في تاريخ البلاد منذ حكم بني أميّة على الأقل. وللتذكير أنه في زمن الخلافة الأموية قامت الدولة بسواعد وعقول أسلاف يوحنا العاشر الذي يحمل اسم القديس يوحنا الدمشقي (منصور بن سرجون الذي كان والده وجدّه وزيرا المال في بلاط الخلافة الأموية، وقد شغل يوحنا الدمشقي نفسه هذا المنصب فترة من الزمن قبل أن يدخل إلى دير القديس سابا في فلسطين).

في سوريا كما في لبنان، "الوحدة في التنوّع" هي العبارة الأساس لبناء المستقبل. والسبيل إلى تحقيقها في سوريا الجديدة يكون بوضع اليد في أيدي المؤمنين بهذا الخيار.


النهار