لوموند- بشار الأسد سقط لكن ثورة السوريين الحقيقية بدأت للتو

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 23, 2024

في مقال لها بصحيفة “لوموند” الفرنسية، قالت الكاتبة والروائية والشاعرة السورية اللاجئة في فرنسا، سمر يزبك، إن العدالة التي يتطلع إليها السوريون تتطلب محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والانتقال نحو الدولة المدنية التي تحافظ على التعدد الديني والعرقي للبلاد، وتحمي حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، بعد سقوط الدكتاتور بشار الأسد الذي قتل شعبه وباع البلاد، وهرب جبانا، تاركا خلفه دمارا لا يقاس.

وأوضحت يزبك أنها ولدت في 1970، العام الذي نفذ فيه حافظ الأسد انقلابه العسكري. ومنذ ذلك الحين، لم تَعرف قوة غير قوة عشيرة الأسد، حيث قضت أكثر من نصف قرن تحت حكم عائلة مافيا أذاقت السوريين حياة الذل والعبودية في هذه المزرعة الكبيرة التي تسمى “سوريا الأسد”.

وتضيف الروائية السورية القول: “أتذكر أنه في أوائل الثمانينات، كان الزي الذي اضطررنا إلى ارتدائه في المدرسة هو الزي العسكري. كل صباح قبل بدء الدروس، كنا نقضي بضع دقائق واقفين نغني النشيد الوطني.. يصرخ أحدنا الذي سبق أن عينه أستاذ التربية العسكرية: من هو قائدنا إلى الأبد؟ نُجيب هو الرئيس حافظ الأسد! تكرر هذا المشهد لسنوات”.


فرحة متناقضة
تتابع سمر يزبك: “في أحد الأيام، وجدت نفسي، لسبب ما، مرهقة وغير قادرة على ترداد الصيغة بالقوة المطلوبة، ورفع ذراعي عاليا بما يكفي. تلعثمت بالكلمات، على أمل ألا يلاحظني أحد بين صفوف التلميذات. وفي نهاية النشيد، اقترب مني مدرس التربية العسكرية وصرخ في وجهي واتهمني بتعمد الامتناع. وكان عقابي هو الزحف ذهابا وإيابا عبر ساحة المدرسة خمس مرات. ولم يُسمح لي إلا باستخدام المرفقين والركبتين.. أكملت جملتي، ولم أبكِ، عدت إلى مكاني خلف مكتبي، دون أن يسمح لي بتنظيف ملابسي. نعم هكذا عشنا في سوريا الأسد. وإذا كانت هذه الحادثة التي تعود إلى ذاكرتي الآن تبدو تافهة، فقد كانت هناك حوادث كثيرة أخرى، وأكثر فظاعة بكثير”.

ومع ذلك، “فإن ذلك العهد قد انتهى حقا، وبالنسبة لي، أفكر في العودة إلى نفس المدرسة بمدينة جبلة في غرب سوريا التي عانيت فيها هذه العقوبة. أحلم أن أقف وسط ساحة المدرسة نفسها وأعبرها على قدمي، كأي إنسان عادي من حقه أن يقف بكرامة، إلا أنني هذه المرة سأردد شعارا آخر، لقد لقد سقط الأسد، تحيا سوريا”، تقول سمر يزبك.

لكن الكاتبة السورية اعتبرت أن الفرحة التي شعرت بها عند سقوط الدكتاتور بشار الأسد متناقضة: ممزوجة بالقناعة بأن انهيار النظام وهروب الأسد يرجعان فقط إلى حقيقة تقارب مصالح القوى الأجنبية نحو تقسيم الأراضي السورية. وانتهى الأمر بالأمريكيين والروس والأتراك إلى الاتفاق على ذلك. وبطريقة ما، كان هذا حظ السوريين! ولا شك أيضاً في أن قرار إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة لعب دوراً حاسماً في هذه العملية، التي تنبع قبل كل شيء من نضالات وتضحيات الثوار السوريين.

يد سلمية
كما اعتبرت يزبك أن الثورة الحقيقية للسوريين قد بدأت للتو، إذ أن سقوط النظام ليس سوى خطوة أولى على طريق سيكون طويلا ومغطى بالظلام، لكن السوريين رأوه على الأقل مفتوحاً أمامهم: لقد تخلصنا من الطاغية الذي ذبح مئات الآلاف من المواطنين ونفى ملايين آخرين، وفق سمر يزبك، مضيفة القول: “وربما حان الوقت ليعود السوريون في الخارج إلى وطنهم ويساهموا في بناء سوريا موحدة وحرة وديمقراطية. وفي الوقت نفسه، من السابق لأوانه بلا شك مطالبة اللاجئين بالعودة إلى ديارهم؛ وعلينا أن ننتظر لنرى كيف يتطور الوضع قبل أن نتمكن من القول إن البلاد آمنة بما فيه الكفاية لعودة السوريين، حتى لو كانت العلامات الأولى مشجعة”.

في الواقع، كان هناك خوف كبير من رؤية حرب أهلية أو اشتباكات طائفية تندلع عندما يدخل أعضاء من هيئة تحرير الشام إلى المناطق التي تؤوي الأقليات مثل العلويين أو المسيحيين. لكن ما رأيناه على الأرض بدا وكأنه معجزة: ميليشيات مسلحة سيطرت على الريف والمدن بطريقة سلمية تماما، وأظهرت في سلوكها انضباطا ووضوحا أذهل العالم كله، تقول سمر يزبك.

ومضت الكاتبة السورية قائلة إن الهوية الوطنية للسوريين قد تم تمزيقها بدقة على يد نظام الأسد الأب، الذي حشد العلويين من خلال اللعب على مخاوفهم كأقلية مهددة. وكذلك فعل مع المسيحيين، ولو باختلاف الأساليب، فتمكن من تحقيق مراده دون أن تراق قطرة دم واحدة، ودون أن يقتل علوي أو مسيحي.


التدخل من دول ثالثة
تواصل سمر يزبك القول: “الحقيقة هي أننا نجد أنفسنا اليوم أمام أسئلة شائكة وتحديات مرعبة في بلد مدمر، كيف لنا أن ننسى نظاما كرّس الطائفية وارتكب المجازر، نظاما متهما بجرائم حرب، في بلد منهك شعبه واقتصاده مدمر، ومحروم من أبسط وسائل العيش، ويعيش تسعة من كل عشرة من سكانه تحت وطأة الفقر، كما أن نصف سكانه لاجئون أو منفيون (ثمانية ملايين سوري). في هذه الأثناء، فإن السوريين رهن بتصرفات الدول التي تحتل الأراضي السورية وتتنافس على وضع أيديها على ثرواتها”.

وشددت الروائية السورية على أن العدالة الحقيقية التي يتطلع إليها السوريون، تتمثل في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب وتقديم بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ثم فتح فترة انتقالية لتلبية مطلب الدولة المدنية، أي القول باحترام الحقوق المدنية ومنحها دستوراً مدنياً، والحفاظ على تنوع وتعدد سوريا من حيث الأديان والانتماءات والمجموعات العرقية..

وتضيف سمر يزبك القول: “إذا بقينا متفائلين حتى الآن، فذلك لأننا مقتنعون بأن هذه الخطوات تشكل الطريق الوحيد لاستعادة سلامة الروح الوطنية السورية. وأكرر أنه ما زال من السابق لأوانه القول إننا خرجنا من الغابة، لأن التحديات لا تزال عديدة والمخاطر كثيرة تنتظرنا! اليوم نتمتع بلحظة من الحرية، ولكن غدا سيتعين علينا أن نواجه المستقبل المظلم الذي ينتظرنا والذي نتوق إلى تغييره. فمثل هذا التغيير يتطلب أن نعمل بنشاط من داخل سوريا، وأن نتواصل مع الحركات السورية المختلفة، وأن نبني الجسور بينها، كل هذا دون إغفال المطالب الأساسية لثورتنا: العدالة والحرية والديمقراطية”.


القدس العربي