انقلاب “الشّيعيّة السّياسيّة” الآن؟! (2/1)- بقلم جان عزيز

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 6, 2024

هل هناك من يحضّر لانقلاب خطير في لبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة؟

وهل مصدرُه الجهات الإيرانية التي قيل إنّها باتت تشرف مباشرة على “سير العمل” في بيروت، سياسياً وميدانياً؟

أم هو مشروع سلطويّ داخلي لبناني يجري التسويق له لدى المعنيين في الخارج؟

أقطاب معارضون وأوساط روحية باتت لديهم حيال ذلك قراءة كاملة مثيرة للقلق، ويكشفون أنّ إرهاصاتها بدأت تظهرللعلن.

******************

يستهلُّ هؤلاء قراءتهم القلقة والمقلقة بالتساؤل عمّا إذا كان هناك من يهمس في أذن الثنائي الشيعي، كما في شارعه وألسنته ووعيه ولاوعيه، بالسردية المتكاملة التالية:

فلنعترف بدايةً أنْ نعم: لقد خرجنا من مغامرة الإسناد بنكسة. وأن لا لزوم لعرض أدلّة ذلك ولا لبحث الأسباب، ولا قطعاً لمساءلة المسبِّب.

المهمّ الآن كيف نخرج من تلك النكسة. وكيف نحوّلها فرصة.

وفي انطباع المعارضين، من أقطاب سياسيين ومسؤولين روحيين، أنّ هناك من يحاول أن يرسم للثنائي الشيعي المشهد التالي:

الفرصة الوحيدة الممكنة والضرورية للخروج من نكسة الجنوب تكمن في تكريس “نظام الشيعيّة السياسية في لبنان” الآن. وذلك وسط استسلام لبناني وتسليمٍ عربي ورضى ودعمٍ دوليَّين. والفرصة متاحة الآن، بل قد تكون الفرصة التي لن تتكرّر.

أقطاب معارضون وأوساط روحية باتت لديهم حيال ذلك قراءة كاملة مثيرة للقلق، ويكشفون أنّ إرهاصاتها بدأت تظهرللعلن

ما هي ظروف “الانقلاب” الكبير؟

1- السُّنّة مشتتين بغياب زعامة سياسية فاعلة ومُوازِنة في الأرض والمؤسّسات الدستورية. وهو واقع قد لا يطول ولن يكون دائماً. لذلك علينا المسارعة والمبادرة.

2- المسيحيون مقسومون بشكلٍ كافٍ لتعطيلهم. وبينهم من يبدو جاهزاً مستعدّاً ومؤهّلاً لدور حصان طروادة أو ما يشبهه.

تكتفي الأوساط الروحية المتشاركة في هذا القلق بإعطاء مثلٍ واحد عن ذلك: أسابيع طويلة بل أشهر من التحضير لما سُمّي “ورقة مسيحية” انتهت إلى النسيان بسبب هذا الانقسام بالذات حول موضوع سلاح “الحزب”. المثل نفسه قابلٌ للقياس والإسقاط على كلّ ما جرى ويجري وسيجري لتنفيذ هذا الانقلاب!!

3- الدروز قلقون حتى الإرباك. في عمق تفكيرهم وترقّبهم، كانوا ينتظرون موقفاً لبنانياً جامعاً يرفد الصدَّ الوطني الاستثنائي الذي أعلنه وليد جنبلاط حيال التدخّل الإيراني. لكنّ الانتظار طال فزاد معه القلق.

4- التغييريون والمستقلّون تمّ “ارتشافهم” (resorption). بعضهم ارتشفه “قميص فلسطين”. بعضٌ آخر ارتشفه ظهورُ حقيقته التي كانت مخفيّة تحت حشود 17 تشرين. بعضٌ ثالث ارتشفته ضحالة سياسية خاصّة أو عامّة. من صمد منهم في خطاب التغيير، لم يعد قادراً على تجسيده، على الرغم من صلابة هؤلاء وانسجامهم مع قضيّتهم.

لمسيحيون مقسومون بشكلٍ كافٍ لتعطيلهم. وبينهم من يبدو جاهزاً مستعدّاً ومؤهّلاً لدور حصان طروادة أو ما يشبهه

ما هي الخطوات التنفيذية؟

بالخلاصة، هي الفرصة التي لا فرصة قبلها أو بعدها لإقامة “نظام الشيعية السياسية” الآن.

ما هي الخطوات التنفيذية لهذا الانقلاب، كما يراها الأقطاب القلقون؟

هي تماماً ما بدأ يظهر ويُعلَن ويتسرّب منذ عشية اتفاق “الحزب” مع إسرائيل على “حلّ دائم وشامل”، وعلى “تحقيق السلام والأمن الدائمين”، كما ورد حرفيّاً في اتّفاق “النصر الإلهي” الجديد، برئاسة ضابط أميركي!

هي خطوات تبدو متفرّقة متناثرة. لكنّها منسّقة متكاملة ضمن خارطة الطريق التالية:

1- يتوجّه الثنائي الشيعي إلى بيئته وناسه بلغة النصر والتحفيز على استثماره. وهذه خطوة ضرورية لعدم خسارة الشارع المنكوب والثقة المعطوبة.

2- في المقابل يتمُّ التوجّه صوب البيئات اللبنانية الأخرى، بخطاب مختلف أكثر انفتاحاً واعتدالاً: التزامُ سقف الطائف، العودة إلى العمل السياسي، وصولاً إلى المزايدة بخطاب لبنانويّ من نوع امتشاق “نهائيّة الكيان” مجدّداً، وتجنّب خطاب الولاية الخمينيّة الذي ساد طوال حرب غزّة، بحيث لم ترد كلمة “لبنان” في أدبيّات المعركة حتى 23 أيلول 2024.

3- يتمُّ التوجّه إلى الدول العربية، إن بالتورية عبر الإعلام، أو مباشرة عبر التواصل الدبلوماسي، بكلام من نوع: “أنّنا نحن شيعة لبنان نريد التخلّص من القبضة الإيرانية. ونريد التحرّر من قرار طهران. ونريد إنقاذ بلدنا من وضع الساحة والأذرع وخلاف ذلك من ترسانة الملالي الأيديولوجية كما الواقعية. ولذلك عليكم مساعدتنا لتحقيق ذلك”.

يتوجّه الثنائي الشيعي إلى بيئته وناسه بلغة النصر والتحفيز على استثماره. وهذه خطوة ضرورية لعدم خسارة الشارع المنكوب والثقة المعطوبة

كيف “يتحدّث” الشيعة مع أميركا؟

4- يبقى الأهمّ مخاطبة الثنائي نفسه لواشنطن مباشرة. وبلغة أخرى من نوع جديد: تفضّلوا، ماذا تريدون أكثر بعد؟ نحن من أعطاكم ترسيم البحر قبل سنتين فقط. ونحن من وقّع لكم اليوم اتّفاق البرّ. حتى بتنا نُعيّر بأنّه اتّفاق إذعان وأنّه أسوأ للبنان من اتفاق 17 أيار. ونحن وحدنا من يقدر على حمايته وتنفيذه والالتزام به وإلزام الآخرين بمضمونه وأغراضه.

فماذا تريدون بعد؟ أما آن الأوان بعد ذلك كلّه لتتفضّلوا إذاً ولتسمحوا بتلزيم لبنان لنا وخذوا منّا بعدها ما يدهش هوكستين وكلّ عرّابيه؟!

لكن ما هو المقصود بالتلزيم المطلوب؟

بكلّ بساطة: اتركونا نأتِ بدايةً برئيس للجمهورية من عنديّاتنا. ماروني مقطوعٌ من كلّ أشجار الأرض. مطواعٌ مروَّض. يسمع الكلمة. لا مثل أولئك الموارنة الذين أتعبوكم قبل أن يسئمونا.

مارونيّ مجرّب في الاستتباع. ونحن معكم. بلا فرنجية. وبلا أقطاب ولا من يستقطبون. يكفي ماروني واحد من “شلعات” هؤلاء الواقفين كلّ يوم على عتباتنا لتقديم أوراق اعتمادهم وامتحانات جدارتهم لوظيفة رئيس الجمهورية.

بين هلالين، يروي أصحاب هذه القراءة قصصاً عن هؤلاء المسترئسين تتخطّى حدود التقزّز ممّا لا يصلح للذكر ولا للنشر!

بعدها نأتي برئيس حكومة على شاكلته. فينتظم كلّ شيء. ويستقرّ كلّ شيء.

تنتهي قراءة الأقطاب السياسيين والروحيين ههنا ليُطرح السؤال عن صحّة هذا الكلام أوّلاً، ثمّ عن فرص تحقّقه وتجسّده في الواقع ثانياً؟

المشهد الظاهر في كلام الرئيس نبيه بري لا يوحي إطلاقاً بذلك. هو من أعلن وقف النار، مناشداً اللبنانيين: “لأنّها لحظة الحقيقة التي يجب أن نستدعي فيها كلّ عناوين الوحدة من أجل لبنان”، ومؤكّداً أنّ هذه اللحظة “هي امتحان لكلّ لبناني، للشيعي قبل أيّ لبناني آخر، كيف ننقذ لبنان”.

وفي المشهد الظاهر أيضاً أنّ كلام الأمين العامّ للحزب” الشيخ نعيم قاسم متناغم شكلاً مع كلام برّي.

لكن يبقى الأهمّ موازين القوى في الداخل والإقليم والعالم.

سنة 1982 فكّر بعض المسيحيين بصرف استشهاد بشير الجميّل تكريساً لنظام المارونية السياسية.

سنة 2005 فكّر بعض السنّة بالتعويض ولو جزئيّاً عن شهادة رفيق الحريري بإقامة نظام السنّيّة السياسية.


واليوم يخشى أصحاب تلك القراءة أن يسعى بعض الشيعة لتكرار التجربة ثالثةً. فيما النتيجة كانت وستظلّ واحدة. الكارثة لأصحاب الرهان والمغامرة والمقامرة، والمأساة لكلّ لبنان.

المهمّ في كلّ ما سبق أنّ حقيقته لن تظلّ مخفيّة، بل ظاهرة. وستتبلور وتتأكّد من الآن حتى 9 كانون الثاني.

لكن ماذا عن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لمشروع كهذا؟

مسألة تقتضي بحثاً مستقلاً.