حملت أشغال الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المختلطة بين المغرب وفرنسا، التي اختتمت أمس الثلاثاء في العاصمة الرباط، إشارات ورسائل سياسية واستراتيجية، في ظل وضع إقليمي ودولي يتسم بالتوتر والاضطراب.
وبدا لافتاً من مخرجات الاجتماع الذي عُقد يومي 2 و3 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تحت الرئاسة المشتركة للفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، والجنرال تييري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية، أن التعاون العسكري بين الرباط وباريس بدأ يأخذ منحى تصاعدياً، ويفتح آفاقاً جديدة، خلافاً لما كان عليه الأمر في السنوات الأخيرة، حيث سُجل تراجع بسبب الأزمة الصامتة بين البلدين، وتوجه الرباط نحو تنويع مصادر تسليحها، ما أثر سلباً على وارداتها من فرنسا التي لم تتجاوز 14%.
وبينما تُوج اجتماع اللجنة العسكرية المختلطة بالتوقيع أمس الثلاثاء، على محضر متعلق بمختلف أوجه التعاون العسكري الثنائي، كان ملفتاً للانتباه إعراب كل من الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، ورئيس أركان الجيوش للجمهورية الفرنسية، عن "رضاهما إزاء الدينامية الإيجابية لعلاقات الصداقة والتعاون التي تجمع بين البلدين، وكذلك عن تطلعهما لتوسيعها لتشمل مجالات الفضاء، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي لخدمة الجيوش، والصناعة الدفاعية".
وبحسب الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، محمد شقير، فإن إبداء المسؤولين العسكريين المغاربة والفرنسيين تطلعهم لتوسيع علاقات التعاون لتشمل مجالات الفضاء، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي لخدمة الجيوش، والصناعة الدفاعية، يأتي في سياق الزخم السياسي الذي عرفته العلاقات الثنائية، خاصة بعد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، والتي رسمت لشراكة جديدة تقوم على الندية، وتبادل المصالح، والتعاون المشترك في عدة مجالات، بما فيها التعاون العسكري.
واعتبر شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ترؤس رئيس أركان الجيوش الفرنسية اللجنة العسكرية المختلطة للمباحثات مع المسؤولين العسكريين المغاربة بشأن حصيلة التعاون العسكري خلال سنة 2024، وتحديد آفاق التعاون خلال سنة 2025، يقوي العلاقات العسكرية الثنائية لمواجهة التهديدات الأمنية التي تحدق بالمنطقة، وكذلك سبل تقوية الترسانة العسكرية المغربية، خاصة تحديث البحرية الملكية، وبالأخص إمكانية اقتناء بعض الغواصات الفرنسية المتطورة التي يحتاجها المغرب للحفاظ على أمن شواطئه الممتدة على طول 3500 كيلومتر، وكذلك إعادة التوازن العسكري مع دول الجوار كإسبانيا والجزائر، اللتين تمتلكان عدداً من الغواصات البحرية.
من جهته، رأى الخبير في الدراسات الجيو-استراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، أن اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بين المغرب وفرنسا هو تكريس للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وتأكيد لأهمية الشراكة الاستراتيجية الوطيدة التي أسس لها البلدان بعد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتوقيع خريطة طريق أشرف عليها العاهل المغربي.
وقال الروداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع "يؤكد أهمية الروابط والمصير المشترك بين البلدين، والتي تظهرها العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، خاصة في المجال العسكري، وهو ما يظهر في مجموعة من المناورات العسكرية بين القوات المسلحة الملكية ونظيرتها الفرنسية. وأكد أهمية التعاون الاستراتيجي العسكري في مواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها الأمن القومي للمملكة المغربية ولفرنسا، لافتاً إلى أن من بين أوجه التعاون (البيني) بين البلدين، يبقى البعد الفضائي في التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا ذا أهمية قصوى.
وأوضح أن التعاون العسكري بين البلدين في المجال الفضائي يتجلى من خلال أبعاد استراتيجية عدة تعكس أهمية تكنولوجيا الفضاء في تعزيز الدفاع، من بينها المراقبة والاستشعار عن بعد، من خلال استخدام الأقمار الاصطناعية للمراقبة، حيث يساهم برنامج الأقمار الصناعية المغربي "محمد السادس - أ" و"محمد السادس - ب" بالتعاون مع فرنسا في تعزيز القدرات المغربية لمراقبة الأرض، خاصة في تأمين الحدود ومكافحة التهديدات العابرة للحدود، مثل الإرهاب والاتجار غير المشروع، وإدارة الكوارث الطبيعية.
ولفت إلى أنه يمكن أن يعمل البلدان على تعزيز قدراتهما في مجال الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، لضمان اتصالات آمنة للقوات المسلحة في المناطق النائية. كما يمكن أن تساهم فرنسا من خلال الاتحاد الأوروبي، في دعم المغرب للاستفادة من نظام "غاليليو" في العمليات العسكرية التي تتطلب دقة عالية، مثل التنقل التكتيكي وتنسيق القوات.
وعن آفاق التعاون العسكري بين الرباط وباريس، قال الروداني إن مستوى تطور العلاقات يمكن أن يصل إلى خلق منظومة مشتركة للابتكار الفضائي المشترك، حيث تتعاون فرنسا من خلال هيئات مثل المركز الوطني للدراسات الفضائية (سي إن إي إس)، مع المغرب لتدريب المهندسين والتقنيين وتطوير تكنولوجيا جديدة تلبي الاحتياجات العسكرية.
وأشار إلى أن التعاون المشترك يمكن أن يهم كذلك تعزيز السيادة الوطنية وقدرة صمود البلدين أمام التحديات العالمية، معتبراً أن التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي لتقوية وسائل الدفاع والردع وتقوية محددات الأمن الاستراتيجي خاصة في مجال الأمن السيبراني يبقى خياراً حقيقياً ومحورياً في هذا الجيل الجديد من التعاون بين البلدين. وإجمالاً، رأى الروداني أن التعاون في المجال العسكري، خاصة الفضائي، يعكس الطموح المشترك للمغرب وفرنسا للارتقاء إلى مستوى تكنولوجي متقدم في الدفاع، بما يواكب التحديات الأمنية الإقليمية والدولية.