قراءة قانونية لقانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية الذي أقره مجلس النواب-بقلم عبده جميل غصوب

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 2, 2024

يعالج هذا القانون النواحي التالية:

أ ـ تعليق المهل القانونية والعقدية.
ب ـ تعليق المهل القضائية.
ج ـ الاشكالية.
د ـ تعليق المهل القانونية لانعقاد الهيئات العامة العائدة للنقابات والجمعيات والتعاونيات وسائر الهيئات المنبثقة عنها.
هـ ـ تعليق المهل في المواد الجزائية.
و ـ الاستثناءات من احكام التعليق.

مرة أخرى تحتم الاحداث على المشترع اللبناني تعليق المهل. فالزمن " عامل طبيعي " لا يقوى عليه الا المشترع ؛ وحده المشترع يستطيع " ايقاف الزمن " ، لتغليب النص على الواقع، وللحؤول دون ان يؤدي الزمن الى " محو حقوق " المواطنين.

انه " التوهم القانوني " Fiction juridique الذي لا بد منه، والاّ تمّ هدر حقوق المواطنين في "زمن قاسٍ " يسري بدون " استئذان " أحد.

هذه المرة اختلف قانون تعليق المهل عن المرات السابقة، في فصله بين المهل القانونية والعقدية من ناحية والمهل القضائية من ناحية أخرى. ففي حين قرر المشترع في القوانين السابقة عودة المهل العقدية والقضائية الى السريان بدءا من تاريخ 31 آذار 2022، اعتبر في القانون الجديد هذا التاريخ منطلقا لتعليق المهل القضائية لغاية تاريخ استئناف سريانها في 30 حزيران 2024. ولسنا نعلم لماذا لغاية هذا التاريخ دون سواه !
أ ـ تعليق المهل القانونية والعقدية:

في المادة الاولى، الفقرة الاولى من القانون، علّق المشترع حكما المهل القانونية والعقدية بين تاريخ 8 تشرين الاول 2023 و31 آذار 2025 ضمنا ، مراعيا في ذلك " الحرب الاخيرة " بدءا من " جبهة الاسناد " وانتهاءً بـ " العدوان الاسرائيلي على لبنان ".

لن نطيل الكلام هنا عن بدء مهلة التعليق وانتهائها لانها واضحة ومعروفة الاسباب والدوافع.

وقد اتى نطاق التعليق هنا شاملا " جميع المهل القانونية والعقدية الممنوحة لاشخاص الحقين العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على انواعها سواء أكانت هذه المهل شكلية او اجرائية أو جمركية او امتد اثرها الى اساس الحق ".

ولكن تقتضي الاشارة حالا الى ان المشترع استثنى في البند 4 من المادة الثانية جميع المهل القانونية التي تم عقدها قبل صدور هذا القانون. فماذا يعني بالمهل " التي تم عقدها " ؟ فالعبارة غامضة، ويبقى للقضاء ان يوضحها.

ب ـ تعليق المهل القضائية:

فصل المشترع هذه المرة بين المهل القانونية المنصوص عنها في الفقرة الاولى من هذه " القراءة " وبين المهل القضائية التي شاء المشترع هذه المرة ربط بدء مهلة التعليق الجديدة، بتاريخ انتهاء مهل التعليق المحددة في قوانين التعليق السابقة وهو تاريخ 31 آذار 2022 ولغاية تاريخ 30 حزيران 2024 ضمنا.

اذا كانت دوافع تحديد بدء مهلة التعليق في 31 آذار 2022 واضحة ومعروفة، فاننا لا نعلم سبب تحديد مهلة انتهاء التعليق في 30 حزيران 2024 ضمنا؛ علما بأن الحكمة من التشريع Ratio legis، تفترض اعتماد تاريخ انتهاء تعليق المهل القانونية المذكورة في الفقرة الاولى والمحددة في 31 آذار 2025، وليس تاريخ 30 حزيران 2024.

ولكن تطرح في هذا السياق الاشكالية التالية:

ج ـ الاشكالية:

نص القانون في الفقرة الثالثة من مادته الاولى انه: " في المواد الجزائية ، تعلق المهل المقررة للمدعي الشخصي او للمدعى عليه او للمتهم للطعن بالدفوع الشكلية وبالاحكام والقرارات النهائية، ويستفيد من هذا التعليق المسؤول بالمال والضامن فيما يختص بالقرارات القابلة للطعن منهما ".

فهل يقصد المشترع من خلال هذه الفقرة المهل القانونية والعقدية ( المعلقة بين 8 تشرين الاول 2023 و 31 آذار 2025 ) ام المهل القضائية ( المعلقة بين 31 آذار 2022 و 30 حزيران 2024 ) ؟

الامر ليس واضحا على الاطلاق.

ففي حين يدفعنا النص ذاته الذي ميّز بين المهل القانونية والعقدية من جهة والمهل القضائية من جهة اخرى الى اعتبار ان التعليق المقصود في المواد الجزائية يخضع لتعليق المهل القضائية ، يدفعنا واقع المنفعة العملية من النص الى التساؤل عن الفائدة من التعليق بين 31 آذار 2022 و 30 حزيران 2024، في الوقت الذي انقضت فيه مفاعيل قوانين التعليق السابق " وضرب من ضرب وهرب من هرب " ! فلماذا " زعزعة " الاستقرار التشريعي والاجتماعي في كل مرة " يطيب " ذلك للبعض ؟

ان تعليق المهل القضائية بين تاريخي 31 آذار 2022 و30 حزيران 2024 ، يعقّد الامور اكثر مما يسهّلها ، لان العودة الى تاريخ 31 آذار 2022 بعد انقضاء فترة طويلة من الزمن واستقرار الاوضاع التشريعية والاجتماعية، ليس عملا موفقا على الاطلاق، بل انه ـ زيادة على " ضرب الاستقرار التشريعي والاجتماعي " ـ سيؤدي ربط التعليق بهذه المهل الى سلوك طرق " اعادة المحاكمة " وفقا لما نصت عنه المادة الخامسة من القانون الجديد. افلا يكفي المحاكم تراكما جديدا في الملفات القضائية؟!

نحن بحاجة الى التخفيف من وطأة " اغراق " المحاكم بملفات جديدة، فلماذا " زيادة الطين بلة " والعودة بالتعليق الى تاريخ سابق بات من الماضي ؟!

ولكن تقتضي الاشارة الى ان المشترع استثنى من التعليق في الفقرة -4- من المادة الثانية " جميع المهل القانونية ... التي تم عقدها قبل صدور هذا القانون ". فكيف يمكن الجمع بين هذه الفقرة والمادة الخامسة من القانون التي تجيز اعادة المحاكمة ضد كل حكم مبرم لم يراعَ فيه تعليق المهل الملحوظة في هذا القانون ؟
كما تطرح اشكالية اخرى، فانطلاقا من المادة الخامسة ذاتها ان اعادة المحاكمة تمارس فقط ضد الاحكام المبرمة التي لم تراعَ فيها احكام تعليق المهل الملحوظة في القانون الجديد، ما يعني بان القانون المذكور يطبق فورا على الخصومات التي ما زالت عالقة امام القضاء؛ وبالتفسير الناهض من البند الثاني من المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية الذي نص على وجوب تطبيق القوانين المعدلة للمهل متى كانت المهلة قد بدأت قبل العمل بتلك القوانين.

ولكننا نعود ونطرح هنا الاشكالية المطروحة في المادة الثانية ـ البند 4 التي استثنت من التعليق جميع المهل القانونية التي تم عقدها قبل صدور هذا القانون؛ المتناقضة كليا مع المادة الخامسة من القانون التي تنص ان " كل حكم مبرم لم يراعَ فيه تعليق المهل الملحوظة في هذا القانون يككون قابلا لاعادة المحاكمة من تاريخ نفاذ هذا القانون ".

د ـ تعليق المهل القانونية لانعقاد الهيئات العامة العائدة للنقابات والجمعيات والتعاونيات وسائر الهيئات المنبثقة عنها:

نص قانون تعليق المهل الجديد في الفقرة الثالثة من مادته الاولى انه : " يشمل تعليق المهل ... المهل القانونية لانعقاد الهيئات العامة العائدة للنقابات والجمعيات والتعاونيات وسائر الهيئات المنبثقة عنها".

ونص في البند الرابع من المادة الثانية من القانون ذاته، ومن ضمن الحالات المستثناة من التعليق انه تستثنى منه " المهل المتعلقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تمّ عقدها قبل صدور هذا القانون".

كما نصّت المادة الثالثة من قانون تعليق المهل الجديد انه " تستمر النقابات والتعاونيات بهيئاتها العامة والتنفيذية في اعمالها لغاية مواعيد انعقاد الجمعيات العادية وفق ما هو منصوص عنه في القوانين والانظمة العائدة لكل منها، وتبقى قائمة برئيسها ومجالسها وهيئاتها، وتعتبر قانونية الاعمال التي تقوم بها وفقا للاحكام المحددة في قوانينها وانظمتها ".

يدفعنا ذلك الى التطرق لمبدأ التعليق (1) والاستثناءات المطروحة (2)، انتهاءً بتقييمنا لهما (3).





1 ـ مبدأ تعليق مهل انعقاد الهيئات العامة:

يشمل قانون تعليق المهل الجديد " تعليق المهل القانونية لانعقاد الهيئات العامة العائدة للنقابات والجمعيات والتعاونيات وسائر الهيئات المنبثقة عنها " ( المادة الاولى من القانون ).

وكان المشترع اكثر وضوحا اذ لم يترك الامور لتقديرات " اي كان " ، ولم يربط التعليق بتواريخ زمنية محددة، بل ذهب الى أبعد من ذلك فنص في المادة الثالثة من القانون انه " تستمر النقابات والتعاونيات بهيئاتها العامة والتنفيذية في اعمالها لغاية مواعيد انعقاد الجمعيات العادية وفق ما هو منصوص عنه في القوانين والانظمة العائدة لكل منها، وتبقى قائمة برئيسها ومجالسها وهيئاتها ، وتعتبر قانونية الاعمال التي تقوم بها وفقا للاحكام المحددة في قوانينها وانظمتها" .

وهذا يعني ان الجمعيات العمومية العادية للنقابات والتعاونيات ستبقى معلقة للسنة القادمة وسوف تستمر المجالس الحالية باعمالها التي تعتبر قانونية .

وهذا يدفعنا الى التوجه الى جميع المنتسبين للنقابات والتعاونيات بالقول : " عليكم خير للسنة القادمة"! لاتنتظروا انعقاد اي جمعية عمومية هذا العام، انتظروا انعقاد الجمعيات العمومية في مواعيدها القانونية القادمة. فلا مجال للتفسير، لان النص واضح، قاطع وصريح.

2 ـ الاستثناء على التعليق:

استثنى المشترع من التعليق في المادة الثانية – البند 4 " المهل المتعلقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تّم عقدها قبل صدور هذا القانون".

هنا نقول بانه لا مجـــال للتفسير والاجتهاد في معــــــرض النص، فالجمعيات العمومية التي انعقدت
" زمطت بريشها " من "شباك" التعديل، وما حصل قد حصل، ولا يسعنا سوى تهنئة الاعضاء الجدد المنتخبين في مجالسها.

ولكن الاشكالية تبقى مطروحة فيما قصده المشترع في البند ذاته من المادة ذاتها باستثناء " جميع المهل القانونية التي تمّ عقدها قبل صدور هذا القانون من التعليق".

3 ـ تقييم النص والعبر الواجب استخراجها منه:

كنا وما زلنا مدافعين عن القانون، لا سيما القوانين النقابية، فنقابتنا كانت، ما زالت وستبقى في اولويات حياتنا المهنية ومسيرتنا القانونية.

لن نعود الى الماضي،

لن نعود الى قرار مجلس النقابة الذي " أجّل " انعقاد الجمعية العمومية للمحامين، بل نكتفي بالقول اننا لم نجد فيه المبررات القانونية المقنعة.

ولكن ليس وظيفة مجلس النقابة اقناعنا او اقناع اي من زملائنا، بل هم يقومون بالذي يرونه لازما ومناسبا.

ولكن علينا وعلى كل محام مؤمن بسمو القانون وبمصلحة نقابته العليا ان يبدي رأيه. وكل من لا يعبّر عن رأيه يكون قدغيّب نفسه بنفسه عن مهنته وعن نقابته.

أضيف بأن بيان التأجيل ربما كان مقنعا سياسيا، اجتماعيا، او ربما انسانيا، ولكن ليس اكثر من ذلك.

نحن لم نكن يوما ضد التأجيل ، بل ذكرنا وجوب اعتماد " القوة القاهرة " والقوة القاهرة وحدها سببا للتأجيل في حال توافرت شروطها لحظة افتتاح الجمعية العمومية ومباشرة اعمالها، وليس العودة الى نظريات بائدة ام مطبقة على المرافق العامة ـ ونحن الى أجل آخر ـ لسنا مرفقا عاما ولن نصبح كذلك.

لو اعتمدت نظرية القوة القاهرة للتأجيل لكنا ضربنا "عصفورين بحجر واحد " .

لكنا حثينا المشترع على عدم " ترحيل " ممارسة حقوقنا النقابية الى السنة القادمة ! فأبعدنا كأس هذا التمديد " المرّة " لسنة كاملة. وابعدنا ايضاعن انفسنا مسؤولية التأجيل الى هذا التاريخ البعيد. ووضعنا انفسنا في موقع يؤمن لنا " الحماية القانونية اللازمة "، مهما كانت الحلول الاشتراعية القادمة.

وفي كل الاحوال، البلد كان وما زال على " كف عفريت " ؛ فانتظار هذا الاستحقاق، او حتى استحقاقات أخرى ربما تكون اكثر اهمية يبقى " بيد الله " ؛ الذي نتضرع اليه ان نبقى جميعا بخير للسنة القادمة. وليس لدينا ما نقوله للزملاء الاحباء سوى عبارة : " عليكم خير، توكلوا على الله ".

ولكن الاهم من كل ذلك ان المشترع شرّع بصورة واضحة، اكيدة وحاسمة نتائج الجمعيات العامة للنقابات والتعاونيات التي انعقدت قبل صدور قانون التعديل الجديد.

هذا يعني بان استحالة انعقاد الجمعية العمومية العادية لم يكن "مستحيلا " على الاطلاق، ولم يكن مبررا لا بنظرية الظروف الاستثنائية " الغريبة " كليا عن نظام نقابتنا القانوني، ولا بنظرية " تبرير الضرورات للمحظورات "، التي ذهبت الى غير عودة مع الغاء احكام المجلة بقانون الموجبات والعقود ولا بالمبررات الانتخابية، الانسانية، الوطنية والاجتماعية وسواها التي استند اليها قرار التأجيل ؛ بل ان احتمال حصول الجمعية العمومية كان قائما وممكنا في ظل عدم تثبت مجلس نقابتنا الكريم من توافر عناصر القوة القاهرة ساعة بدء اعمال الجمعية العمومية التي لم تنعقد اصلا للاسف الشديد.

لسنا في مجال " نبش الماضي " ؛ فلا فائدة من ذلك اطلاقا. ولكننا شئنا الاستفادة من صدور هذا القانون الجديد الذي طال انتظاره لاستخلاص العبر من الماضي.

هـ ـ تعليق المهل في المواد الجزائية:

لم يثر القانون الجديد، الاشكالات التي اثارتها القوانين السابقة في شقه المتعلق بـ " المواد الجزائية ". فنص ـ على خلاف القوانين السابقة ـ انه : " في المواد الجزائية، تعلق المهل المقررة للمدعي الشخصي او للمدعى عليه او للمتهم للطعن بالدفوع الشكلية وبالاحكام والقرارات النهائية، ويستفيد من هذا التعليق المسؤول بالمال والضامن فيما يختص بالقرارات القابلة للطعن منهما " .

هنا تقتضي الاشارة فورا الى ان " المواد الجزائية " ، يجب اخضاعها الى " تمديد المهل القضائية " وليس الى " تمديد المهل القانونية والعقدية "؛ اي يجب تعليقها بين تاريخي 31 آذار 2022 و30 حزيران 2024 وليس بين تاريخي 8 تشرين الاول 2023 و31 آذار 2025، مكررين اعتراضنا على التواريخ اعلاه، وفقا لما ابديناه في مستهل هذه " القراءة ".
وقد استثنى المشترع من التعليق المذكور " المهل القضائية المتروكة لتقدير القاضي ومهل الترك واخلاء السبيل في القضايا الجزائية". ولنا عودة الى هذه الاستثناءات وسواها في الفقرة المخصصة للاستثناءات.

و ـ الاستثناءات من احكام التعليق:

نصت المادة الثانية من قانون تعليق المهل الجديد انه : " يستثنى من احكام التعليق:
1 ـ المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي ان يقدرها.
2 ـ المهل الممنوحة من الادارة او المحددة من قبلها تبعا لسلطتها الاستنسابية.
3 ـ مهل الاسقاط ومرور الزمن والترك واخلاء السبيل في القضايا الجزائية، على ان تبقى المهل المحددة لممارسة الحقوق الشخصية معلقة فيها.
4 ـ جميع المهل القانونية والمهل المتعلقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تمّ عقدها قبل صدور هذا القانون.
5 ـ المهل المتعلقة بشؤون العائلة من نفقة ووصاية ومشاهدة وسواها.
6 ـ المهل الواردة في قانون الايجارات الصادر بتاريخ 9/5/2014 وتعديلاته ".

لقد تطرقنا الى بعض هذه الاستثناءات اعلاه في " القراءة " الحاضرة، فسوف يقتصر بحثنا على معالجة النقاط غير المعالجة وهي الآتية:

1 ـ المهل القضائية.
2 ـ المهل الممنوحة من الادارة بصورة استنسابية.
3 ـ مهل الاسقاط.
4 ـ مرور الزمن.
5 ـ مهلة الترك.
6 ـ مهلة اخلاء سبيل في القضايا الجزائية.
7 ـ المهل المتعلقة بشؤون العائلة ( نفقة وصاية ومشاهدة ).
8 ـ المهل الواردة في قانون الايجارات الصادر بتاريخ 9/5/2014 وتعديلاته.

نتطرق تباعا وبايجاز كلي الى كل هذه النقاط.
1 ـ المهل القضائية:

هي المهل التي يمنحها القاضي سلطته الاستنسابية، كمهل الجواب، وتقصير المهل عندما يرى ذلك مناسبا، او سوى ذلك من المهل القضائية، التي لا تثير اي اشكالية في معرض هذه
" القراءة ".

2 ـ المهل المحددة من الادارة بصورة استنسابية:

وهي مهل تصدرها الادارة المختصة ضمن نطاق عملها، بموجب تعاميم يكون الهدف منها انتظام العمل الاداري. وهي لا تغيّر في طبيعة الاعمال القانونية شيئا ولا تثير اي نقاش في معرض هذه "القراءة".

3 ـ مهل الاسقاط:

هنا تكمن اشكالية كبرى، سوف تولد عدة مشاكل شكلية، اجرائية وقانونية.

فقد نص المشترع عن مهل الاسقاط بصورة عامة في المادة 422 من قانون اصول المحاكمات المدنية التي جاء فيها ان : " جميع المهل المعيّنة في هذا القانون لاستعمال حق ما يؤدي تجاوزها لسقوط هذا الحق".

شمل القانون في مادته الاولى جميع المهل في المواد الادارية والمدنية والتجارية. وعلّق حكما بين تاريخ 31 آذار 2022 و30 حزيران 2024 ضمنا سريان جميع المهل القضائية امام جميع المحاكم اللبنانية على اختلاف انواعها ودرجاتها، الممنوحة لاشخاص الحقين العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على انواعها، سواء أكانت هذه المهل: شكلية او اجرائية او امتد اثرها الى اساس الحق.

ولكنه عاد وتطرق للمواد الجزائية في فقرة مستقلة ودون اي اشارة الى المواد المدنية. فذكر انه في المواد الجزائية، تعلق المهل المقررة للمدعي الشخصي او للمدعى عليه او للمتهم للطعن بالدفوع الشكلية وبالاحكام والقرارات النهائية ، ويستفيد من هذا التعليق المسؤول بالمال والضامن فيما يختص بالقرارات القابلة للطعن منهما.

يجب حصر البند الثالث من المادة الثانية من قانون تعليق المهل الجديد، لجهة استثنائه مهل الاسقاط ومرور الزمن، بالمواد الجزائية دون المدنية منها، حسبما يتبيّن من الفقرة المذكورة التي تضمنت عبارة " في القضايا الجزائية"، ما يقتضي حصر هذا الاثر بالمواد الجزائية دون المدنية منها والا اجهزنا على القانون في جزئه الاكبر.

وهذا ما تستوجبه الطريقة المنهجية السليمة في تفسير النصوص القانونية، اذ ان اي تفسير آخر للبند -3- من المادة الثانية يفرغ القانون من الجزء الاكبر من مضمونه.وهذا ما لا يتوافق مع الغاية منه.

كان لازما على المشترع ان يصيغ هذا البند بصورة اكثر وضوحا، فلا يحمل القارىء على الاعتقاد بان مهل الاسقاط ومرور الزمن تشمل ايضا المواد المدنية والادارية.

ولكن تبقى الاشارة الى ان المشترع اوقعنا في التناقض عندما شمل في المادة الاولى، فقرة 4 من القانون مهل الطعن بالدفوع الشكلية والاحكام والقرارات النهائية، ثم عاد، واستثنى من احكام التعليق مهل الاسقاط في المادة الثانية، فقرة 3، علما بان مهل الطعن هي مهل اسقاط ! نرى انه طالما ان المشترع ادخل طرق الطعن في دائرة التعليق بعبارة صريحة وواضحة، فيقتضي عدم شمولها بمهل الاسقاط المستثناة من التعليق بموجب المادة الثانية ـ بند 2 من القانون.

4 ـ مرور الزمن:

في المواد الجزائية أوقعنا المشترع في التناقض، فمن جهة استثنى مرور الزمن من التعليق، ومن جهة أخرى وفي الفقرة ذاتها ( المادة الثانية ـ بند 3 )، نص عن ابقاء المهل المحددة لممارســـة الحقوق الشـــخصية معلقة فيها. فكيف الجمــع بين " صدر" و " عجز" الفقرة ذاتها؟!

وان تفسير النص بالطريقة التي تجعله ينتج اثرا، وليس بالطريقة التي تعدم محتواه، يحملنا على القول ان مرور الزمن لممارسة الحقوق الشخصية يبقى معلقا بفعل القانون الجديد. فنكون قد غلبنا ـ وفقا للطريقة السليمة في تفسير النصوص القانونية ـ " عجز " المادة القانونية على "صدرها" ؛ وما كنا بحاجة الى هذا " المجهود " لو كان المشترع اكثر دقة واهتماما.

5 ـ مهل الترك:

ان " مهلة الترك " المقصودة هنا هي تلك الناشئة عن قرارات " ترك " المدعى عليه حراً من قبل قاضي التحقيق بعد احالته موقوفا الى دائرته من قبل النيابة العامة الاستئنافية المختصة.

6 ـ مهلة اخلاء السبيل في القضايا الجزائية:

هذه المهلة لا تثير اي مشكلة اطلاقا. ولا تستوجب اي استفاضة في التفسير.

7 ـ المهل المتعلقة بشؤون العائلة والنفقة وصاية ومشاهدة:

ان طبيعة هذه المواد لا تتفق مع الغاية من تعليق لمهل نظرا للحاجة الانسانية اليها. وهي لا تستوجب اي استفاضة في القراءة.

8 ـ المهل الواردة في قانون الايجارات الصادر في 9/5/2014 وتعديلاته:

هذه النقطة لا تثير جدلا كبيرا وهي فقط تستوجب ابداء ملاحظتين اثنتين:

• لقد دأب المشترع على استثناء المهل الواردة في قوانين الايجارات في جميع قوانين تعليق المهل السابقة ؛ وها هو اليوم في القانون الحاضر يسير في الاتجاه ذاته.

• ان كلمة " تعديلاته " الواردة الى جانب عبارة " القانون الصادر في 9/5/2014 "، تدفعنا الى التأكيد مرة أخرى بان القانون الصادر في العام 2017 ليس سوى قانونا تعديليا وبالتالي، يجب احتساب مهلة اسقاط المستأجر من حق التمديد القانون انطلاقا من قانون العام 2014 وليس من قانون العام 2017 .

• في الخلاصة يبقى ان نشير الى ان قانون تعليق المهل الجديد الذي طال انتظاره، حمل الكثير في مضمونه. اما في المنهجية والشكل، فانه اذا كان صحيحا ان القوانين الاستثنائية غالبا ما تشكو من عيوب شتى نظرا لانها معدة لفترة قصيرة، ويتم تحضيرها بسرعة ايضا، الا ان العيوب المنهجية التي اشرنا اليها في متن هذه القراءة، كثيرة خصوصا لجهة بعض التناقضات وعدم الوضوح ، فالصياغة التشريعية ـ القريبة من " التشريع البيروقراطي" لم تكن موفقة وكان على المشترع عدم ترك اي مجال للالتباس ، الذي احدثه بصورة خاصة البند 3 من المادة الثانية، اذ كان يقتضي ان يضع المشترع عبارة "في القضايا الجزائية " في مستهل البند المذكور وليس في وسطه، كي يحول دون التسبب باي التباس لدى القارىء اذ انه بطريقة الصياغة التي اعتمدها، افسح المجال امام التفسيرات والتأويلات التي نخشى ان تؤدي الى استبعاد " مهل الاسقاط ومرور الزمن " في القضايا المدنية من التعليق. لسنا نعلم اذا كانت عبارة " في القضايا الجزائية " مخصصة للترك واخلاء السبيل ومهل الاسقاط ومرور الزمن، ام انها فقط مخصصة للترك واخلاء السبيل، في حين ان عبارة " مهل الاسقاط ومرور الزمن" تشمل جميع المواد المدنية والادارية والجزائية؟

الامر متروك للقضاء، نأمل الا يستبعد في تفسيره مهل الاسقاط ومرور الزمن في القضايا المدنية والادارية من التعليق، والا تم افراغ القانون في جزئه الاكبر من مضمونه. ونتمنى ايضا ان يوضح القضاء قصد المشترع في البند 4 من المادة الثانية عندما استثنى جميع المهل القانونية التي تمّ عقدها قبل صدور هذا القانون ، من التعديل ؟ فهل يقصد المشترع ان العقود التي ابرمت على حقوق كانت ساقطة وشملها التعليق تبقى قائمة ام يقصد اي شيء آخر ؟ الامر متروك للقضاء.

يبقى ان نتمنى ان يكون قانون تعليق المهل موضوع هذه القراءة هو الاخير، فلا يتعرض وطننا الجيب الى " خضات " اضافية تستوجب قانون تعليق مهل جديد، حمى الله لبنان.