"النصر الإلهي" ببركة هوكستين- بقلم مكرم رباح

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 27, 2024

"انظروا إليها تحترق، ومن بعد... بعد حيفا، وإسرائيل أوهن من بيت العنكبوت..."
كلمات حولت الأمين العام "الراحل" حسن نصر الله إلى أيقونة جهادية بالنسبة للبعض، وأوهمت العالم، ومن بينهم الإسرائيليون، أن حزب الله منظمة جهادية جادة في حربها "لرمي إسرائيل اليهود في البحر" وتحرير القدس وفلسطين. ولكن تلك الكلمات البراقة والعنيفة استبدلت الأسبوع المنصرم بخطاب الأمين العام "الجديد" نعيم قاسم، بمجموعة من العبارات والمصطلحات التي تختصر السقوط المستمر لرأس الرمح الإيراني "المكسور" على حوض المتوسط.


"سنكون حاضرين في الميدان السياسي لمصلحة الوطن، نبني ونحمي في الوقت ذاته"،
"سنقدم مساهمة فعالة لانتخاب رئيس للجمهورية عبر مجلس النواب"،
"تحت سقف اتفاق الطائف، بالتعاون مع القوى السياسية".


عبارات خرجت من فم نعيم قاسم كمقدمة لإعلان هزيمة "حزب الله" في معرض الحديث عن "النصر". "حزب الله" وإيران من وراءهما وصلا إلى مرحلة دقيقة تجعل وقف إطلاق النار، ولو بشروط إسرائيلية مطلقة، ضرورة ليس فقط لإنقاذ المهجرين من الشيعة - الذين يدّعي الحزب حمايتهم - بل للحفاظ على ما تبقى من الميليشيا الإيرانية العاملة في لبنان، وإعادة إحياء سردية "النصر الإلهي". المفارقة أن هذا النصر سيُتوّج، في حال إعلان وقف إطلاق النار، بمباركة وبصمة المبعوث الأميركي آموس هوكستين، رجل الصفقات، الذي استطاع سابقاً تأمين الخط 29 لصالح إسرائيل بموافقة ومباركة حسن نصر الله.


في المقلب الآخر، اللبنانيون، بمختلف انتماءاتهم وسذاجة بعضهم، لا يكترثون لباطنية وزندقة نعيم قاسم والطبقة السياسية اللبنانية المتمثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري. ما يتم التداول به علناً وفي الكواليس ليس تسوية سياسية شاملة كالتي أنهت حرب 2006، بل هو مجرد اتفاق أمني لوقف إطلاق النار يمتد لـ60 يوماً، وقد يتلاشى في غمضة عين كما تلاشى حلم اللبنانيين بأن يتحول بلدهم إلى دولة نفطية.


معظم اللبنانيين يكترثون فقط بعودة الأمور إلى "طبيعتها" - مفهوم يصعب تحديده في الإطار اللبناني - ويأملون أن يعود قسم منهم سريعاً إلى قراهم ومنازلهم، فيما يحلم المغتربون بالعودة إلى الوطن في عطلة الميلاد ورأس السنة. ولكن، هذا الحلم إن تحقق لا يجب أن يُعتبر معياراً للاستقرار أو السلام.


ما يتم التعتيم عليه في أروقة المفاوضات هو الإتفاق الجانبي بين إسرائيل وإدارتي جو بايدن ودونالد ترامب، والذي يمنح إسرائيل الحق في توجيه ضربات لأي خطر مباشر دون العودة إلى اللجنة المزمع تشكيلها لضمان وقف إطلاق النار. إسرائيل، بعكس ما يأمل فيه اللبنانيون سراً ومنهم من يناصر "حزب الله" في العلن، لن تسعى لنزع سلاح "حزب الله" الإيراني بل ستكتفي برميه و رمي سلاحه إلى شمال الليطاني ليصبح مشكلة لبنانية بحتة. تجربة إسرائيل السابقة في المستنقع اللبناني واحتلال الجنوب، جعلتها أكثر براغماتية في التعامل مع الواقع، متجنبة الدخول في مغامرات جديدة، واقع يرفض اللبنانيون القبول به.


هوكستين، نتنياهو، وحتى نبيه بري، لن يستطيعوا منح "حزب الله" هذه المرة "نصراً إلهياً"، خاصة إذا جاء الإعلان عبر نعيم قاسم وقامته السياسية وصوته المتواضع، إن لم نقل الوضيع. في أيلول 2006، وقف نصر الله ليعلن نصره الإلهي وختم "زمن الهزائم قد ولى وقد جاء زمن الانتصارات". نصر يصعب بعثه من قائد دفن كوديعة إلى جانب فكرة بأن إيران تكترث لدماء العرب والشيعة منهم بالتحديد.


ولكن، في المقابل، خسارة اللبنانيين متجددة ومستدامة في حال استمروا في الرهان على الخارج، أو الأسوأ، على أخلاق طبقتهم السياسية. تلك الطبقة التي جعلت من أرواحهم ومن دولتهم بيتاً أوهن من بيت العنكبوت.